إدماج المفاهيم الخضراء يحافظ على الطاقة والموارد الطبيعية
يرى الخبير الأردني في مجال الأبنية الخضراء والاقتصاد الأخضر محمد عصفور، أن إدماج المفاهيم الخضراء في البيئة المحلية والإقليمية، أضحى أمرا ضروريا لا يجب إغفاله، خصوصا مع التغيرات المناخية المتطرفة التي يشهدها العالم في الآونة الأخيرة، والتي أدت إلى ظهور كوارث طبيعية مفاجئة على غرار الفيضانات والزلازل والحرائق وحتى التصحر والجفاف.
رميساء جبيل
وأكد الخبير في حوار مع النصر، على هامش ملتقى بيئي دولي احتضنته قسنطينة مؤخرا، أنه حان الوقت لنشر الوعي والثقافة البيئية، وسن قوانين وتشريعات، بهدف إنشاء أبنية خضراء صديقة للبيئة، تُخفف من حدة الانبعاثات الكربونية وتقلص من حجم استهلاك الطاقات والموارد البيئية القابلة للنفاد.
النصر: كيف تدمج المفاهيم الخضراء في البيئة المحلية والإقليمية ؟
ـ محمد عصفور: يكون ذلك من خلال إنشاء وإقامة أبنية خضراء صديقة للبيئة، سواء من ناحية استهلاك الموارد الطبيعية أو الطاقوية، أو من حيث الموقع المختار لإنشاء مجموعة من الأبنية المستدامة، منذ وضع مخطط المشروع وتصميمه، إلى غاية الانطلاق في أشغال البناء والاستدامة وحتى في إعادة الترميم، فمصطلح البناء الأخضر يرمز بشكل خاص إلى مبنى تم تصميمه وتنفيذه وفق معايير تحقق الاستدامة والفعالية، وتتوافق مع البيئة من ناحية تقنيات البناء والمواد المستخدمة ولا تتسبب في إتلاف موارد بيئية.
سياسة تقلص حجم الانبعاثات الكربونية وتحافظ على الموارد
فيما تكمن أهمية إدماج هذه المفاهيم في البناء؟
ـ القيام بهذه الخطوة مهم جدا لكل دولة، نظرا للفوائد الكبيرة التي يتم تحصيلها سواء على المدى القصير أو البعيد، بدءا بتقليص حجم الانبعاث الكربوني في الهواء، وكذا تخفيض تكلفة الموارد الكهربائية والمائية وغيرها، زيادة على الانعكاسات الإيجابية على صحة القاطنين والعاملين في المباني الخضراء، كما أن لها آثارا اقتصادية جيدة وحتى انعكاسات اجتماعية إيجابية.
و من المهم أن يقوم صناع القرار والخبراء والجامعات والهيئات المعنية، بدمج أصحاب الخبرة المختصين في مجال الأبنية الخضراء في التخطيط لسياسات التعمير، مع التركيز على الجانب الأكاديمي أيضا، وإدراك أن هذه العملية مشتركة لتحقيق مشاريع ناجحة على كل الأصعدة والمستويات وتشمل القطاع العام والخاص والأكاديميين.
إلى أي حد تحقق المفاهيم الخضراء التوازن البيئي الحضري ؟
ـ تستهلك مختلف الأبنية التقليدية الموارد بشتى أنواعها وبشكل كبير يفوق الحجم العادي، ما يؤدي بالضرورة إلى تدهور النظام البيئي، على عكس المباني الخضراء المشيدة، فهي تعمل على تخفيف حدة الأثر السلبي، ولهذا تحديدا من الضروري نشر الوعي البيئي، لإدراك أهمية المحافظة على الموارد البيئية الطبيعية لتفادي التغيرات المناخية ونفاد مخزون الطاقة والمياه وتجنب التلوث البيئي.
الأبنية الخضراء والموائل الطبيعية حاجز أمام التغيرات المناخية
ما هي أنجع السبل لمواجهة التطرفات المناخية التي يشهدها العالم في الآونة الأخيرة؟
ـ يجب التطرق إلى آليتين يتم الاعتماد عليهما عندما نتكلم عن مواجهة الآثار المترتبة عن تغير المناخ، أولها التكيف، و نحتاج هنا إلى إقامة منشآت ومبان ذات مناعة وحصانة، من خلال التخطيط المستدام مع مراعاة الظروف الجوية المتطرفة التي قد تظهر فجأة في المستقبل، على غرار الفيضانات وارتفاع درجات الحرارة في أماكن و انخفاضها في مناطق أخرى.
أما من ناحية معالجة الأسباب للتغيرات المناخية الطارئة، فيجب إدراك حقيقة أن المباني التقليدية تتسبب في حوالي 39 بالمائة من الانبعاثات، وبالتالي يستوجب العمل على التقليل من تواجدها، لتخفيف حدة آثارها السلبية على المناخ، كما أن إعادة بناء الموائل الطبيعية في المدن من غابات ومروج وأنهار ومراع، من شأنه إعادة التوازن للمنظومة البيئية، والتقليل من أثر الجزيرة الحرارية، وهو مصطلح يقصد به المناطق الحضرية والمدن الكبرى التي تتميز بالدفء غير الطبيعي مقارنة بالمناطق الريفية، بسبب الأنشطة البشرية المتمركزة فيها، زيادة على أن الموائل الطبيعية تساعد في امتصاص ثاني أكسيد الكربون، وهو أمر أشدد وأؤكد على ضرورة الأخذ به واعتماده في المدن.
أذكر أيضا، أن الأبنية الخضراء المستدامة تعتبر من الفرص الجيدة لمكافحة التغيرات، والتخلص من 98 بالمائة من الانبعاث الكربوني الناجم عن تشغيل الإنارة الصناعية وأجهزة التكييف وتخفيف 11 بالمائة من الكربون الكامل، الذي تضاعف في السنوات الأخيرة. فضلا عن أن الاهتمام بالأبنية الخضراء، مشروع داعم للصناعات المحلية، من ناحية استهلاك الكربون الكامل الذي سيكون أقل سعرا في حال تم تصنيعه محليا، مقارنة بالمستورد من الدول الأخرى، فضلا عن توفير العمران الأخضر لبيئة صحية تساعد على الإنتاجية.
ما هي أبرز التحديات البيئية التي تتعرض لها الدول العربية، وعلى وجه الخصوص دول البحر الأبيض المتوسط ؟
ـ تعاني مناطق جنوب وشرق البحر الأبيض المتوسط، من مشكلة التصحر التي ترتبط في الأصل بتراجع الهطول المطري، زيادة على الرعي الجائر ومشاكل أخرى متعددة تتطلب معالجة سريعة، ناهيك عن التلوث البيئي المنتشر بكثرة والذي يستوجب تدخلا للتقليل من حدته وآثاره السلبية، فنوعية الهواء المستنشق وجودته مهمان سواء داخل الأبنية أو خارجها في المحيط العام.
أشير هنا تحديدا إلى ما شاهدناه في ليبيا، من فيضانات فجائية أودت بحياة كثير من الناس، سببها التغير المناخي الذي يواجهه العالم في السنوات الأخيرة والذي يعد خلفية مباشرة لحرائق الغطاء الأخضر من غابات ومحاصيل زراعية إلى جانب كثير من التحديات البيئية الأخرى التي تواجهها الدول و تستدعي إجراءات صارمة وتدخلات سريعة.
يجب سن قوانين وتشريعات لمواجهة التحديات البيئية
قلت إن ما يشهده العالم يستدعي تدخلا سريعا، كيف يكون ذلك؟
ـ يمكن القول إنه يجب القيام بأمرين، أولهما الانطلاق في سن وتشريع قوانين تدعو لمواجهة هذه التغيرات المناخية المتطرفة، وتسهل إنشاء مشاريع صديقة للبيئة، إلى جانب وجود مبادرات تحسيسية وتوعوية موجهة للمواطنين والمؤسسات والمصالح المعنية للتعريف بهذه التحديات، و التأثير على سلوكيات الأفراد، واعتماد أفعال أكثر استدامة لا تضر بالبيئة والصحة العامة.
علينا أن نفهم كذلك، أن تطبيق بعض القوانين، لا يكون ناجحا بشكل كامل في غياب الثقافة والوعي البيئي بين الشعوب، فالاقتناع الداخلي بجدوى التحول نحو نمط حياة بيئي مستدام سيعود بمنفعة كبيرة.
ما هي المبادرات الدولية والعربية الواجب القيام بها لتحقيق حياة بيئية مستدامة ؟
ـ من وحي تجربتي وخبرتي في المجال، أقول إن وجود نظم هيكلية لجهات غير بيئية تُعنى بالتغيير المناخي والأبنية الخضراء والتنوع الحيوي، مهم جدا لإيصال الصوت بشكل أكبر وأسرع إلى المؤسسات المعنية وأصحاب القرارات الرسمية، إلى جانب ضرورة القيام بأبحاث مختلفة مرتبطة بالموضوع.
صراع الأسلحة يخلف انبعاثات تخل بالتوازن البيئي
يشهد العالم صراعات تستخدم فيها أسلحة مختلفة كالفسفور الأبيض، مع تسجيل خسائر في الأرواح والمباني و تأثير مباشر على المحيط، كيف تؤثر هذه الأحداث على توازن المنظومة البيئية ؟
ـ للأسف الشديد عندما تحدث الحروب والنزاعات، فإن البيئة هي آخر المواضيع التي يتم التطرق إليها والتحدث عنها، رغم أهميتها الكبرى في الحياة الآمنة والصحية، ففي غزة مثلا، لا يتوقف الأمر على مسألة القنابل المستخدمة، لأن حجم الانبعاثات الملوثة سيكون كبيرا و له آثار وانعكاسات جد سلبية على المدى القصير البعيد كذلك، خاصة وأن مجرد هدم المباني وإعادة بنائها يتطلب استنزافا للموارد في المنطقة.
كما أن هذه السلوكيات تهدد الكرة الأرضية، وتؤدي إلى إحداث تغيرات مناخية، وكذا تلوث الهواء وتصبح مياه سدود وآبار وأنهار غير صالحة للشرب أو الاستعمال، كما تتلوث التربة وتصبح غير قابلة للاستعمال في بعض الحالات.