أطلق شباب من ميلة قبل أشهر، مبادرة شعارها « من أجل ميلة خضراء»، و استطاعوا بفضلها تغيير واجهات كثير من أحياء المدينة بعد غرس العديد من الأشجار وتحسين المحيط، وهي مبادرة لقيت استحسانا كبيرا و تجاوبا واسعا من أبناء المدينة، و ساهمت في إنجاحها جمعيات المجتمع المدني والسلطات العمومية.
مكي بوغابة
و حسب عادل شلي، وهو واحد من القائمين على المبادرة، فإن الفكرة ولدت في سبتمبر 2022، حين اتفق رفقة أصدقاء له على غرس الأشجار على حواف الطرقات و في المساحات التي تعرف تراجعا للغطاء النباتي، خصوصا على مستوى الأحياء السكنية، و هكذا انخرط الكثيرون في العملية و امتد صداها إلى بلديات عديدة على غرار الرواشد و حمالة، وذلك بهدف المساهمة في حماية البيئة و المحيط و إعطاء طابع جمالي للمدينة و الحد من انزلاق التربة.
حملة فجرها منشور على فيسبوك
الشباب، قالوا بأنهم استلهموا الفكرة من منشور على فيسبوك، تحت شعار « أمام كل بيت شجرة»، دعا لها شاب من ولاية باتنة فقرروا أن يحذوا حذوه و أن يغرسوا الأشجار أيضا، فكانت البداية بحيهم، بوصفه من الأحياء السكنية الجديدة التي يغلب عليها العمران و البنايات، فتواصلوا مع الشاب «الباتني»، الذي وجههم و منحهم معلومات أكثر عن كيفية تنظيم وإدارة الحملات من هذا النوع، و عن مصدر الأشجار الممكن غرسها و نوعية النباتات التي تصلح للمدن و غيرها من التفاصيل التي انطلقوا منها.
وذكر عادل شلي، بأن الجفاف و غياب الاخضرار في حي سيدي الصغير بمدينة ميلة، هو ما دفعهم إلى التفكير في غرس المساحات المشتركة و المحيطة بالمباني وصولا إلى الساحة العمومية القريبة منه، حيث ولدت مبادرة « من أجل ميلة خضراء»، وقد قاموا مؤخرا بغرس 450 شجرة، وهو ما غير تماما وجه المنطقة ككل، بعدما أضفت النباتات والأشجار لونا مختلفا وزاهيا، كسر واجهة الإسمنت التي كانت تطغي على المكان.
وقال محدثنا، إن المنطقة اختلفت كثيرا و أصبحت مثيرة للإعجاب و هي نتيجة استحقت الصعوبات التي بذلت في سبيل الوصول إليها بما في ذلك انعدام الإمكانيات، مثل آلة الحفر الضرورية لتحطيم حواجز الإسمنت، و الميزانية الكافية لشراء الأتربة و مد أنابيب السقي و شراء الأشجار وغيرها، مع هذا فإن الجميع كانوا متحمسين و واصلوا العمل لأجل تحقيق الهدف المرجو، وقال عادل، إن صديقيه بوداب عادل و سفيان بليلط، ساعدا كثيرا على تعميم فكرة التشجير لتشمل العملية أكبر عدد من أحياء عاصمة الولاية على غرار حي الثنية بأعالي ميلة و عين كشكين، خاصة وأنه هو ورفقاءه، محبون للطبيعة و مهتمون بقضايا البيئة والمحيطة ومدركون للتغيرات التي يعرفها المناخ وعلاقة ذلك بتراجع الغطاء النباتي، فضلا عن قناعتهم بأن فضل غرس الشجرة، كبير ويعد صدقة جارية.
هدفنا تربوي كذلك
ذكر الشاب، بأنهم ضموا الأطفال إلى مسعاهم و منحوا لهم مساحة مهمة للمشاركة في عمليات التشجير التي قاموا بها، وذلك ليكون للحملة أثر تربوي، حتى يعلموهم قيمة الشجر و أهمية البيئة و يكرسوا لديهم حس المسؤولية تجاه المحيط، كي تستمر مثل هذه المبادرات في المستقبل، وهو توجه لقي ترحابا كبيرا من طرف الأولياء، الذين صاروا يتصلون بهم للمشاركة رفقة أبنائهم في كل عملية تشجير.
و لم يقتصر غرس الأشجار على أحياء مدينة ميلة فقط، بل امتد إلى بلدياتها أين تمكن عادل ومن معه مؤخرا، بعد التنسيق مع شبان من بلدية الرواشد التي تبعد عن عاصمة الولاية بـحوالي 30 كيلومترا من تنظيم حملة تشجير بمنطقة «سيدي زروق» عرفت مشاركة ممثلين عن مديرية البيئة و محافظة الغابات و بيت الشباب الشهيد معايش عبد القادر، بالإضافة إلى قافلة الجزائر الخضراء و جمعيات المجتمع المدني، وهي عملية تكللت بغرس 150 شجرة من نوع «إستركوليا، كاليستيمون، الرانج»
و للمناطق الجبلية نصيب
الحملة شملت كذلك مناطق جبلية، حيث غرست في إطارها أشجار بجبل مسيد عيشة ببلدية حمالة، وهي أصناف من الأرز الأطلسي تصلح في المناطق الباردة، غرس المتطوعون الشباب مجموعة منها كمرحلة أولى، فيما يتمثل الهدف النهائي في الوصول إلى حوالي 500 شجرة من هذا النوع سيتم تباعا غرسها في المناطق الجبلية لما لهذه الأشجار من فوائد عديدة على غرار قدرتها على مقاومة الآفات والأمراض، لإنتاجها لبراعم بديلة عن تلك المصابة، بالإضافة إلى أهمية خشبها الذي يعتبر من أجود أنواع الخشب.
وأوضح عادل، بأن أهداف العمليات التي يقومون بها كثيرة، خاصة من الناحية البيئية، لأن الأشجار تلطف الجو وهو أمر تحقق فعليا في الأحياء التي شملها التشجير قبل أشهر، على غرار حي الثنية، وعليه يسعى الشباب حسبه، إلى مواصلة الحملة، لأجل تحسيس المواطنين بأهمية المساهمة في تعزيز الغطاء النباتي، و الموازنة بين البنايات و المساحات الخضراء في المحيط الحضري.
وأكد محدثنا، بأن هناك إقبالا متزايدا على هذا النوع من المبادرات وأن كل متطوع يساهم بطريقته، فهناك من يوفر العتاد وهناك من يشتري الأشجار، كما أن عمل المتطوعين لا ينحصر في الغرس بل يشمل السقي وحماية النباتات و متابعة نموها كي لا تضيع الجهود وهي عملية لا تنجح إلا في حال انخرط فيها المواطن.
وحسب المتحدث، فإن جانبا كبيرا من الفضل فيما حققوه اليوم بميلة يعود إلى الشاب الباتني صاحب مبادرة «أمام كل بيت شجرة» الذي قدم إليهم الكثير من الدعم المعنوي و التوجيه، فيما يخص طرق الغرس و أنواع الشتلات المناسبة لكل منطقة و غير ذلك.
من التشجير إلى النظافة والتطهير
نشاط عادل و رفاقه لم يتوقف عند حد التشجير، بل امتد إلى برمجة عمليات تنظيف للأحياء و تطهير لمداخل العمارات، و تزيين للمحيط إذ قاموا مرارا بجمع النفايات والأوساخ، كما ثبتوا مؤخرا عددا من الكراسي الإسمنتية على الرصيف المقابل لمقبرة ميلة القديمة، وهو ما سمح بتوفير مساحة مريحة للمواطنين، كما ساعد على تحسين وجه المدينة، و هي مبادرة يأملون في أن تحقق نفس نجاح الحملة الأولى وأن يتوسع نطاقها كما حصل مع عملية التشجير التي عرفت استجابة السلطات العمومية و انخراط مديرية البيئة ومحافظة الغابات والوحدة الجزائرية للمياه.
وأكد محدثنا، بأن صدى الحملة توسع إلى خارج مدينة ميلة و بلغ بلديات أخرى، مثل الرواشد و حمالة، بالإضافة إلى التوسع نحو الفضاءات الغابية، وقد سمح هذا التقدم بتعزيز مقترح للتعاون مع محافظة الغابات، لأجل غرس الأشجار في المناطق الغابية خاصة تلك التي تضررت من الحرائق.
وتبقى أبواب المساهمة مفتوحة أمام الجميع كما أضاف، خاصة المواطنين و جمعيات المجتمع المدني، وذلك لنشر ثقافة التطوع، حيث دعا إلى تنظيم حملات مماثلة في كل المدن، مشيرا إلى أن التواصل و التحسيس أصبحا ممكنين جدا حاليا، بفضل المنصات التفاعلية التي تساعد كثيرا على نشر الأخبار و التعبئة.
كما نوه بالدور الذي لعبه أصحاب المشاتل، في توفير الأشجار وتوصيلها إلى أماكن الغرس وهو ما سهل كثيرا من النشاط، الذي يعد ضروريا جدا ومهما لأجل حماية البيئة و مواجهة غضبها خاصة بعدما فقدت الجزائر جزءا من ثروتها الغابية بفعل الحرائق المتكررة، مشيرا إلى سعيه هو ومن معه إلى إنشاء جمعية تعنى بحماية المحيط البيئي وتساعد على التنمية مستقبلا.
حملات التشجير تستوجب مرافقة الخبراء في الزراعة
من جانبه، ثمن الخبير في البيئة، جعلاب حمزة، مبادرات التشجير التي يقوم بها الشباب الجزائريون في مناطق عدة عبر الوطن، لما لها من فوائد عديدة على البيئة، مع ذلك تبقى غير كافية حسبه، لأن بلادنا فقدت مؤخرا، نسبة معتبرة من غطائها النباتي بسبب الحرائق وعليه يتوجب علينا أن نكثف الجهود لتجديده و استعادة الأراضي الخضراء، مشددا على ضرورة مرافقة الخبراء في الزراعة والغابات لعمليات غرس الأشجار وتوجيههم للحملات التي تقوم بها جمعيات المجتمع المدني، وأن يترافق التشجير مع تمكين دوائر حكومية عدة للمتطوعين من تنفيذ مشروعات تفيد المناخ والبيئة، كما أن التخطيط المسبق والمدروس لمواقع الأشجار في المدن من شأنه أن يحسن الهواء، و يتعين أيضا، على السلطات المساعدة في توفير الشتلات التي يستفيد منها الجميع سواء على المستوي البيئي أو الاقتصادي.