جهود وطنية متواصلة للحد من تلوث الوسط الطبيعي
تعرف الجزائر تطورا عمرانيا متزايدا و حركية اقتصادية متنامية في السنوات الأخيرة و خاصة بشمال البلاد حيث تتركز اكبر كثافة سكانية منتجة لمختلف انواع النفايات بينها السوائل الحضرية كالمياه المستعملة و بقايا محطات الخدمات و سوائل المصانع و غيرها من المصادر المنتجة.
فريد.غ
و مع تطور العمران و زيادة الكثافة السكانية و توسع النسيج الصناعي صارت النفايات الحضرية السائلة مصدر قلق للمشرفين على شؤون البيئة والصحة بالجزائر، و بدأ صناع القرار في وضع الخطط و البرامج للحد من آثار هذه السوائل و انعكاسها على الوسط الطبيعي و الصحة العمومية ذات الحساسية العالية للأمراض التي تنقلها المياه الملوثة عندما تصل إلى مصادر الغذاء و المياه السطحية و الجوفية.
و تعتمد خطط و برامج الحد من هذا الملوث المستديم على بناء شبكات متطورة للصرف الصحي و محطات للمعالجة عند المصبات الكبرى، و مكافحة التوسع العمراني الفوضوي و الاعتداء على شبكات الصرف، و إجبار المصانع و محطات الخدمات على احترام قوانين البيئة، و إنجاز أنظمة لتخزين السوائل المضرة بالوسط الطبيعي و نقلها إلى مراكز المعالجة و الاسترجاع، و خاصة زيوت التشحيم و المواد الكيماوية التي تفرزها المصانع.
و بالرغم من تكلفتها المرتفعة فإن الجزائر تواصل بناء المزيد من محطات التصفية للقضاء على التلوث بالسوائل الحضرية من خلال المعالجة و إعادة الاستعمال وفق تقنيات متطورة تسمح بتحويل مياه الصرف الملوثة إلى مياه صالحة لبعض انواع الزراعة و سقي المساحات الخضراء و تنظيف طرقات و شوارع المدن.
و حسب وزارة البيئة و الطاقات المتجددة فقد تم إحصاء 3579 نقطة إفراز للسوائل الحضرية عبر الوطن، تقابلها 177 محطة معالجة بالمدن الكبرى، و هو رقم غير كاف نظرا لتزايد مصبات السوائل الحضرية في ظل التوسع العمراني و ظهور المزيد من الأقطاب السكنية الجديدة المنتجة للمياه المستعملة التي تأخذ طريقها الى الوسط الطبيعي كالأودية و الشواطئ و المسطحات المائية و المصادر الجوفية، و الأراضي الزراعية المحاذية للتجمعات السكانية المحرومة من محطات معالجة السوائل الحضرية المشبعة بالملوثات الكيماوية و مركبات أخرى مضرة بالوسط الطبيعي و الصحة العمومية.
و تولي عدة قطاعات وزارية بالجزائر أهمية كبيرة لخطط مكافحة التلوث بالسوائل الحضرية من خلال تطوير أنظمة الصرف الصحي و بناء المزيد من محطات المعالجة على المصبات الكبرى للمدن، و في مقدمة هذه القطاعات البيئة و الفلاحة و الصحة و العمران و وزارة الداخلية التي تعمل على وضع المزيد من الإمكانات تحت تصرف الولاة لمكافحة الأمراض المتنقلة عن طريق المياه، و توسيع الربط بشبكات التطهير بالمدن و القرى.
و نظرا للتغيرات المناخية التي تعرفها الجزائر في السنوات الأخيرة فقد أصبحت مياه الصرف الصحي على قدر كبير من الأهمية، حيث يمكن تحويلها إلى مياه صالحة للاستعمال بتقنيات متطورة للتخفيف من وطأة الشح المائي على اقتصاد البلاد، و خاصة على قطاع الزراعة الأكثر تضررا من الجفاف، حيث أصبحت حقول القمح و الأشجار المثمرة و الثروة الحيوانية في حاجة إلى مزيد من المياه في السنوات الأخيرة.
و تنتج المدن الجزائرية كميات هائلة من المياه المستعملة القادمة من المنازل منها ما يصب في المجاري الطبيعية دون معالجة، و منها الخاضع للمعالجة بمحطات التصفية التي تعمل على مدار الساعة لإنتاج مياه أقل تلوثا يمكن استعمالها في قطاعات الزراعة و الصناعة و البناء و الخدمات.
و ليست الأحياء السكنية بالمدن و القرى المنتج الوحيد للإفرازات السائلة فهناك أكثر من 8 آلاف محطة غسيل عبر الوطن تنتج المياه الملوثة، و مراكز للردم التقني تنتج عصارة مضرة بالوسط الطبيعي و مصادر المياه الجوفية.
و تعمل وزارة البيئة و الطاقات المتجددة على بناء المزيد من محطات معالجة عصارة النفايات و إنتاج مياه صالحة للاستعمال بعدة قطاعات، و يتوقع أن يبلغ عدد محطات معالجة عصارة النفايات 46 محطة بالجزائر حيث يجري حاليا إنجاز 8 محطات جديدة.
وتعمل مكاتب النظافة و الصحة بالبلديات على حماية البيئة الحضرية من خلال تشديد الرقابة على الربط بشبكات التطهير و منع أنظمة التصريف البدائية التي كانت سائدة بالأحياء السكنية العشوائية قبل النهضة العمرانية التي تعرفها الجزائر في السنوات الأخيرة حيث أصبح من النادر وجود صرف صحي في الوسط المفتوح بالأحياء السكنية، لكن التحدي الكبير يبقى المصبات النهائية التي تبقى في حاجة إلى مزيد من الجهد للقضاء عليها ببناء محطات تجميع و معالجة تضح حدا لمخاطر التلوث بالسوائل الحضرية.
ف.غ