صنع ترند «الأستاذ المحبوب» الحدث على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يظهر تلاميذ في مواقف عفوية وهم يفاجئون أساتذتهم بعلب «شوكولاطة»، تعبيرا عن تقديرهم لهم ومحبتهم، ثم يجتمعون لالتقاط صورة تحفظ الذكرى، وقد تم تداول هذه «الفيديوهات» على نطاق واسع، بعضها نُشر من طرف أساتذة عبروا عن امتنانهم لتلاميذهم وسعادتهم بالهدية ذات القيمة المعنوية الكبيرة بالنسبة لهم.
إيناس كبير
جاب «الترند» الوطن العربي وصولا إلى الجزائر، بعد أن سبقه آخر يتمثل في إهداء كعكة أو ورود للأستاذ احتفالا بيوم مولده، وبينما يشك مستخدمون في نية التلاميذ من وراء هذه الحركات، يعتبر آخرون أنها التفاتة حسنة غطت عن الحالات الشاذة التي انتشرت حول الاعتداءات على الأساتذة، وكشفت أن الأستاذ يملك مكانة خاصة لدى تلاميذه، وقد استحسن مستخدمون الأمر من خلال تعليقاتهم على «الترند» الذي وصفوه بأنه أعطى مفهوما مغايرا عن العلاقة التي يجب أن تربط التلميذ بأستاذه، وتحسن صورة المدرسة في ذهنه.
وجاء في تعليق على موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك، إن «ترند الشوكولاطة» أصبح مقياسا جديدا للحب والتقدير بين التلاميذ والأساتذة، واعتبر رسالة صافية للتعبير عن المحبة للأستاذ، وإبداء التقدير له وختمت بالقول المعلقة بالقول «للمحبة ألف وسيلة».
كما علق آخرون عن الظاهرة من خلال الأبيات الأولى المشهورة من قصيدة الشاعر المصري أحمد شوقي، «قُم لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَبجيل، كادَ المُعَلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا».كتعبير عن مكانة الأستاذ الذي ينير العقول ويبني الأجيال. مستخدم آخر على المنصة ذاتها عبر قائلا «تنتشر ظاهرة تتمثل في إهداء تلاميذ أنواعا من الشوطولاطة للمعلم أثناء الحصة، شخصيا أراها حركات في غاية الروعة والعرفان بالجميل، ورد الاعتبار لرجل التعليم»، مضيفا «الترند يضفي جوا من الثقة والمحبة بين المعلم والمتعلم».
أساتذة يستحسنون الفكرة
وفيما شارك أساتذة على مواقع التواصل الاجتماعي صور الهدايا التي غطت مكاتبهم، مرفقين إياها بعبارات الامتنان والمشاعر المتبادلة التي يكنونها لتلاميذهم، كما أنكروا في منشوراتهم أن تكون نية التلاميذ سيئة أو تحمل أغراضا أخرى كما يظن بعض من أولوا الموضوع واعتبروه حيلة لمغازلة عواطف الأساتذة قصد تحصيل علامات جيدة في الامتحانات.
ونشرت أستاذة صورة لها وهي تحضن تلميذتها وعلقت «لن تصل إلى عقل الطالب ما لم تصل إلى قلبه»، حيث ترى أن تأثير الأستاذ في التلاميذ من خلال العاطفة يسهل عليه التحكم في القسم، وكذا تحفيزه على التركيز دراسيا كما يضمن الاستيعاب الجيد للدروس خصوصا وأنه يكون مرتاحا نفسيا ولا يعاني من الضغط والتوتر، ولا يشوش ذهنه في انتظار نهاية ساعات الدوام.
وأكدت أستاذة أخرى، أن المتفوقين في الأقسام هم من يقدمون الهدايا الرمزية عادة، وعلقت «المعدلات تم صبها في المؤسسة، يعني تكريمي من طفل من تلاميذي ليس بغرض البحث عن نقاط إضافية».
وردت أستاذة أخرى تدرس قسم السنة الثانية ابتدائي، واصفة تلاميذها بالممتازين والنجباء وأكدت أنها لا تشك في نيتهم، وعلقت «لم أتوقع هذه الحركة منهم، هم أطفال صغار عبروا عن حبهم لأستاذهم»
أما منى، وهي أستاذة قسم سنة ثانية تعليم متوسط، فقالت إنها لم تستطع التحكم في دموع السعادة، مضيفة بأن إحساسا جميلا خالجها خصوصا وأن التلاميذ يختارون أحب أستاذ لهم، وهو ما أسعدها كثيرا متمنية النجاح لهم في شهادة التعليم المتوسط. فيما استغل أساتذة آخرون الموقف لترسيخ عادات حميدة لدى تلاميذهم مثل الإيثار وروح الجماعة ومشاركة الفرحة، وقالت أستاذة إنها أرادت مشاركة «الشوكولاطة» مع تلاميذها الذين أهدوها أيضا رسائل جميلة عبروا لها فيها عن حبهم، لكنهم رفضوا مشاركتها الهدية لأنها كانت مخصصة لها.وجاء في تعليق لأستاذة أخرى «إن القسم تحول إلى ما يشبه منزلا عائليا بعد تشارك الشوكولاطة بين كل التلاميذ».
علاقة التلميذ بأستاذه طويلة المدى
وعن العلاقة التي تربط التلميذ بأستاذه في مختلف الأطوار التعليمية أوضحت الأخصائية في علم النفس التربوي والتعليم المكيف، نبيلة عزوز، أن الأستاذ في القسم يجب أن يفعل لغة التواصل، بالإضافة إلى إلمامه ببعض الصعوبات التي يعاني منها التلاميذ، مثل صعوبة التعلم وكذا الحالات الاجتماعية الخاصة والمشاكل الصحية، كما يجب أن يكون على تواصل مع أولياء الأمور.
واعتبرت الأخصائية، أن اللقاء الأول بين الأستاذ وتلميذ المرحلة الابتدائية يبني علاقة طويلة المدى بينهما، فيكتشف المعلم شخصية الطفل وذكرت عزوز، «قد يجد نفسه أمام تلاميذ مرهفي المشاعر وهنا يجب أن يتفادى نهرهم أمام زملائهم واستخدام العنف معهم، أيضا يوجد تلاميذ منسحبون لا يشاركون في القسم ولا يستطيعون تكوين علاقات اجتماعية، فيجد المعلم نفسه أمام مهمة بناء شخصية الطفل ومحاولة إدماجه مع زملائه من خلال حصص الرسم على سبيل المثال، كأن يمنح الحرية للتلميذ بالتحرك في القسم والتواصل مع زملائه».
والمعلم في مرحلة الابتدائي يكون بمثابة الأب بالنسبة لتلاميذه، وكذا المعلمات يكن بمثابة أمهات لهم، كما علقت المختصة في علم النفس التربوي، مضيفة أن المعلمين قد يكونون أقرب إلى تلاميذهم من أولياء الأمور، معبرة «أحيانا نجد تلميذا يحب معلمه ويعتبر حافظا لأسراره، أكثر من وليه»، أما في المتوسط فيكون أخا لهم، وصديقهم في مرحلة التعليم الثانوي. وعن فئة المراهقين الذين وقعوا في فخ الآفات الاجتماعية، أفادت الأخصائية في علم النفس التربوي والتعليم المكيف، نبيلة عزوز، بأنه يجب على الأستاذ تجنب استفزازهم لأنهم يعيشون حياة يغيب فيها السند، حيث يتعين عليه أن يكون ناصحا لهم يكسب ثقتهم ليشاركوه مشاكلهم ومعاناتهم.
من جهتها، تجرب الأستاذة في الأدب العربي بالطور الثانوي، غادة رمضاني، أساليب مبتكرة في تدريس تلاميذها، فتصمم دروسها وفق صور وخرائط ذهنية تعتمدها في شرح الدروس لتأتي منظمة وملخصة تساعد التلاميذ على التفاعل معها وتجنب الملل من حجمها، كما تستخدم التطبيقات الإلكترونية في تسيير الحصة.
وتقول الأستاذة، إنها حملت على هاتفها تطبيقا عبارة عن عجلة متحركة ثم دونت عليها أسماء التلاميذ، الأمر المهم فيها أنها تختار تلميذا آخر لتحريك القائمة واختيار اسم للإجابة على أسئلة المناقشة، فضلا عن العمل الجماعي الذي يصنع جوا من المنافسة شرط أن يكون بطريقة منظمة وفقا لرمضاني، كما يتعلم التلاميذ أسلوب القيادة لأن كل مجموعة يكون على رأسها تلميذا يقرأ إجاباتها مع مراقبة الأستاذ لعمل الفوج وتشجيعهم دون تمييز.
وعن هذه الأساليب المبتكرة في التعليم أفادت الأستاذة، أنها تساهم أيضا في بناء علاقة حسنة داخل القسم تتميز بالتواصل والترفيه، واعتبرت محدثتنا، أنها أفضل بكثير من التقليدية لأنها تساعد التلميذ على التفكير والمشاركة في الحصة وكذا اكتشاف مواهبه، ولعل ذلك هو ما يضاعف حب التلميذ لأستاذه وتقديره له ويدفعه للتفكير في التعبير عن ذلك ولو من خلال هدية بسيطة كالشوكولاطة .