الاستشارات الطبية الإلكترونية ثورة في العالم و فوضى في الجزائر
برزت مؤخرا على موقع فايسبوك صفحات تحمل تسميات مختلفة على شاكلة «استشارات طبية مجانية»، «طبيب ويب» و «طبيبك»، و غيرها من العناوين الرنانة التي أطلقها أفراد يؤكدون بأنهم أطباء على مجموعات فايسبوكية، معلنين عن استعدادهم لتقديم خدماتهم للمرضى الراغبين فيها من خلال كبسة زر واحدة، تغنيهم عن عناء التنقل إلى عيادة الطبيب و الانتظار مطولا، و الواقع أن هذه الظاهرة عالمية، وليست حكرا على الجزائر، لكن الاختلاف يكمن في كونها تعد ظاهرة غير صحية في بلادنا، لأنها غير منظمة و لا تحتكم للمعايير المتبعة في العالم، حتى أن بعض مستخدمي هذه الصفحات، أكدوا بأنهم وقعوا ضحايا للاحتيال بغرض الابتزاز.
في العالم ككل بما في ذلك الدول العربية، تعد هذه الظاهرة شائعة لكن بشكل منظم نوعا ما، إلا أن معظم الاستشارات في الخارج، تتم من خلال مواقع تحمل أسماء معروفة لمراكز طبية أو لأطباء معروفين، و ليست صفحات فايسبوكية بأسماء مستعارة، إضافة إلى ذلك فإن هذه المواقع توفر إمكانية الاتصال و تضع رقم هاتف أو عنوان بريد إلكتروني معلوم للتواصل و الرد، فالتجربة ليست وليدة اللحظة و إنما هي نتاج لدراسات عدة، آخرها دراسة جديدة أجريت في بنما، كشفت أن أطباء العالم يقدمون سنويا مئة مليون استشارة عبر الإنترنت بزيادة تقدر ب 40 بالمئة، مقارنة بالعامين الماضيين.
وقال فرنسيسكو مارتن، مدير شركة دلويت الاستشارية التي قامت بهذه الدراسة، أن هذه العملية تستخدم برامج مختلفة وتطبيقات متطورة و وسائط تكنولوجية للحصول على تشخيص ووصفات طبية، دون تكبد عناء الانتقال إلى عيادة الطبيب ، و وفقا لذات الدراسة، فإن الاستشارات عبر الإنترنت ستكون شائعة، خصوصا في الولايات المتحدة وكندا التي بلغ عدد هذه الاستشارات فيها 75 مليون استشارة هذه السنة، حيث يتوقع أن تؤدي الاستشارات الطبية الافتراضية على المستوى العالمي، إلى ادخار محتمل بأكثر من 5 ملايير دولار، بالمقارنة مع تكاليف الاستشارات «الحقيقية» في السنوات القادمة.
اختلاف المستوى و تضارب أساليب العمل بهذه الطريقة بين دول العالم الأخرى و الجزائر، كانت قد أشارت إليه صفحة الأطباء الجزائريين مؤخرا، و أكدت إدارتها من خلال بيان خاص، بأن تقديم الاستشارة الإلكترونية، لا يتم بطريقة عشوائية، بل أن المرضى مطالبون بترك رسالة، ليتم تزويدهم برقم هاتف طبيب مختص معروف، بدلا من استشارة عشوائية مبنية على تصورات خاطئة.
تحظى صفحات الاستشارات الطبية المجانية عن طريق الفايسبوك بشعبية كبيرة، إذ تحولت مؤخرا إلى خيار بديل بالنسبة للكثير من الجزائريين، الذين أكد لنا من تحدثنا إليهم منهم بأن التواصل مع من يديرونها، خلصهم من عبء التنقل إلى عيادة الطبيب و الانتظار لساعات للحصول على استشارة بسيطة، مقابل أجرة فحص تتراوح بين1500 و 2000دج.
نادية سيدة تعاني مشكل تأخر الإنجاب قالت بأنها أصبحت تفضل التواصل مع أطباء الفايسبوك، بدلا من زيارة الطبيب و إنفاق الكثير من المال في كل مرة، لان الأطباء عادة ما يكتفون بمعاينة بسيطة لا معنى لها، حتى أنهم لا يحددون لمريض حالته ولا يشرحون له تفاصيلها، بل يسارعون إلى طلب عدد كبير من التحاليل المخبرية و فحوص الأشعة المكلفة، وهو ما يمكن لطبيب الإنترنت أن يقدمه، لكن دون مقابل. و عن حالتها قالت بأنها إلى غاية اليوم لم تتوصل إلى أية نتيجة، لكن على الأقل طبيب الفايسبوك نصحها بالتوقف عن تناول الأدوية و جمع المال من أجل إجراء عملية تلقيح أو حقن مجهري.
نفس موقف السيدة نادية، ذهب إليه جل من سألناهم عن الموضوع و غالبيتهم كبار في السن و سيدات أخبرونا بأن الاستشارة تتم عادة من خلال التواصل عن طريق الرسائل الخاصة مع إدارة الصفحة الطبية التي تطلب صورا عن التحاليل و الأشعة ، و بعد دردشة قصيرة حول بعض التفاصيل التي لها علاقة بالحالة و الأعراض المرضية، يشخص الطبيب الوضع و ينصح بالعلاج أو غير ذلك و غالبا ما يكون تشخيص هؤلاء الأطباء مخالفا نوعا ما، لما اعتادوا سماعه من طبيبه المعروف، وهو ما يمنحهم الكثير من الأمل في الشفاء.
وعن سؤالنا لهم عما إذا كانوا متأكدين من هوية من يتعاملون معهم إذا كانوا أطباء أو دجالين، اتضح من ردودهم بأنهم مقتنعون تماما بأن من يتحدثون إليهم أطباء، و إلا لما استحدثوا صفحات و عرفوا كيف يقرؤون ملفاتهم الطبية و يشخصون المرض، ولا يهم بالنسبة إليهم، إذا تمكنوا من رؤية أو الحديث بطريقة مباشرة مع الطبيب الفايسبوكي.
بالمقابل أكد البعض بأنهم فكروا في الانتقال من التعامل غير المباشر مع الطبيب المعني، إلى زيارته مباشرة في عيادته، لكن في غالب الأحيان يتضح بأن الطبيب من ولاية أخرى بعيدة.
الغريب في الأمر هو أن غالبية هذه الصفحات، تكتفي بتسمية استشارات طبية مجانية، لكن دون إشارة إلى التخصص الطبي، وهو ما يضع علامة استفهام حول طبيعة التشخيصات التي تقدمها للمرضى الذي يعتمدون عليها، خصوصا و أن المجالات الطبية مختلفة و متنوعة، كما أن الأعراض تختلف من شخص إلى آخر، وبعض الحالات تتطلب معاينة ميدانية، يدرك العقل البسيط أهميتها، كفحص العينين و نبض القلب و الحنجرة و الجلد و غيرها من الأمور.
للاطلاع على ما يقوم به هؤلاء الأشخاص عبر صفحاتهم الطبية المزعومة، حاولنا الاتصال بواحدة من بين أكثر الصفحات شهرة و متابعة على فايسبوك، و قدمنا أنفسنا كمرضى نطلب النصح و التوجيه، فكان أول ما طلبه منا الطبيب المعني هو إرسال نسخة عن الملف الطبي و الانتظار لبرهة، قبل أن يعود بعد نصف ساعة تقريبا ليجيبنا و يحدد طبيعة الحالة، و يشير إلى أنه بحاجة إلى صور أشعة و تحاليل أكثر وضوحا، ليتمكن من تقديم تشخيص وعلاج نهائيين، ما يؤكد بأن ما يقوم به هؤلاء الأطباء لا يتعدى البحث عبر مواقع الإنترنت و تقديم معلومات عامة.
ضحية تحايل
من خلال بحثنا عبر هذه الصفحات الطبية، وجدنا حالة لسيدة قالت بأنها كانت ضحية تحايل، انتهى بها للتعرض للابتزاز، و تقول بأن قصتها بدأت عندما كانت حاملا في شهرها الثامن، وقد عانت من بعض الاضطرابات و الآلام فاستشارت طبيبتها، لكنها لم تكتف برأيها و قررت التواصل مع إحدى صفحات الاستشارة الطبية المجانية، لاعتقادها بأنها قد تقدم لها تشخيصا بديلا أكثر بساطة و لما لا علاجا أسرع، فطلبت منها إدارة الصفحة أن ترسل لها صورا شخصية لها و لبطنها، بالإضافة إلى صور عن ملفها الطبي، و بالفعل أرسلت لهم ما طلب منها، وحصلت على تشخيص قريب لما قدمته لها طبيبتها.
لكن المشكل أن القضية لم تتوقف عند هذا الحد، فبعد مرور أشهر فوجئت برسالة ابتزاز وصلتها عبر حسابها، هددت فيها بنشر صورها وهي حامل إذا لم تلتزم بدفع مبلغ معين، ما اضطرها لرفع شكوى لدى مصالح الأمن المتخصصة في مكافحة الجريمة الإلكترونية، بعدما عاشت أياما من الرعب.
الدكتور ضياء الدين بواب أخصائي أمراض الغدد و السكري
ما تقوم به هذه الصفحات استغلال و التشخيص العشوائي قد يؤدي إلى كارثة
يؤكد الدكتور ضياء الدين بواب، أخصائي أمراض الغدد والسكري، بأن هذه الظاهرة عالمية، فكثير من الأطباء في الدول المتقدمة علقوا لافتات عند مداخل عياداتهم، تحمل عبارة « لا تخلط بين شهادتي الطبية و بحثك على موقع غوغل» ،في إشارة منهم إلى عدم مصداقية ما يحصلون عليه من استشارات عبر النت.
و يضيف الأخصائي بأن ما تقوم به هذه الصفحات الفايسبوكية غير مقبول، لأنه استغلال لضعف المرضى و تمسكهم ببصيص أمل مهما كان، لأن أخلاقيات مهنة الطب تلزم الطبيب بالقيام بكل مراحل المعاينة قبل الوصول إلى التشخيص، وهنا تجدر الاشارة إلى أن التشخيص العشوائي، قد يؤدي الى نتائج كارثية، ففي النهاية الحالات المرضية تختلف من شخص إلى آخر حتى بالنسبة للتوائم، فالأعراض التي قد تبدو على شخص قد لا تبدو على غيره، لأن كل بنية لها خصائصها ولكل جسم دفاعاته الخاصة و طريقة تفاعله مع المرض و تعاطيه مع العلاج.
أضف الى ذلك فإن أول ما تحتكم إليه العلاقة بين المريض و الطبيب، هو السر المهني، الذي يقسم الطبيب على الحفاظ عليه، و في مثل هذه الحالة يعد السر المهني غير مؤمن، و قد يخرج للعلن و ينشر عبر مواقع التواصل أو غيرها.
وهنا يشير المتحدث الى أن تبادل الاستشارات مقبول عبر الإنترنت، لكن فقط بين المختصين في المجال، لأن ذلك يؤدي إلى تبادل الخبرات و دراسة أفضل للحالة.
وهو نفس الموقف الذي ذهبت إليه الدكتورة كريمة بوالجدري أخصائية الطب الباطني، مؤكدة بأن تبادل صور الملفات الطبية أو الأشعة بين الأطباء على الإنترنت مقبول، لأن الهدف منه هو تبادل الآراء الطبية، لكن عرضها على صفحات مجهولة قد تكون وهمية، يعد خطرا على المريض، فقد تشخص نتيجة تحليل معين، مثلا لهرمون الغدة الدرقية، على أنها مرض، ما يؤثر سلبا على المعني و يدفعه لتناول دواء قد يعرض حياته للخطر، والعكس صحيح، فقد تكون الحالة بحاجة لعلاج، لكن طبيب الإنترنت يشخصها على أنها بسيطة.
وهنا تشدد محدثتنا بأن المعاينة لا بد وأن تحتكم لشقين، الأول هو الفحص المباشر و الثاني هو التعاطي مع الطبيب و الإجابة عن أسئلته لأن التشخيص قد يستمد منها.
هدى طابي