عائلات تفضل الشواطئ الخاصة بحثا عن الهدوء والخدمات الجيدة
تجد العديد من الأسر المصطافة نفسها كل سنة مشتتة بين إنفاق مبالغ مالية كبيرة والسعي إلى قضاء وقت من الراحة عبر الشواطئ، كما أن كثرة العروض والعدد الكبير من الشواطئ جعل هذه العائلات في حيرة من أمرها، كما أن الانتشار الكبير للشواطئ الخاصة التابعة لمؤسسات فندقية شكل ثقافة جديدة أصبح لها مكان لدى الكثيرين.
وقد حاولنا من خلال جولة إلى شاطئين بولاية سكيكدة أولهما خاص والثاني مفتوح رصد الفروقات الموجودة وأهم المشاكل التي يعاني منها المصطافون عموما وما تصبوا له العائلات الجزائرية من خلال تواجدها على الساحل، وذلك في ظل المساعي التي تحاول إبقاء السائح الجزائري بالداخل.
توجهنا شرق ولاية سكيكدة وبالضبط نحو بلدية العربي بن مهيدي التي تشتهر بالانتشار الكبير للشواطئ الخاصة، والتي تديرها مؤسسات فندقية لمستثمرين خواص، وقصدنا الجهة المقابلة لفندق المنظر الجميل، بعد دخولنا الحظيرة حوالي الساعة الثانية بعد الزوال، وجدنا صعوبة في إيجاد مكان لركن سيارتنا، وذلك لأن كامل الأماكن المتوفرة حجزت في وقت مبكر، وبعد انتظار حوالي 20 دقيقة تمكن الحارس من إيجاد مكان لنا بعد أن غادرت إحدى العائلات.
نزلنا السلم الطويل الذي أنشأه أصحاب الفندق من أجل الوصول إلى رمال البحر التي كان يفصلنا عنها منحدر حاد، كان المشهد من فوق منظم جدا، حيث وضعت عشرات الشمسيات الكبيرة بشكل منظم وتحتها طاولات وكراس بلاستيكية وكلها تحمل اللون الأبيض، كما عمد القائمون على الشاطئ لترك مجال واسع بين الطاولات، وهو ما يسمح لكل عائلة بالاحتفاظ بخصوصيتها، والتمتع براحة تامة، كما تم تخصيص مسبح صغير لفائدة الأطفال الصغار خلف الطاولات، يقوم بحراسته أحد الموظفين الشباب، كما تم وضع حاجزين من أغصان النخيل بين طرفي الشاطئ، مع تعيين حارسين لمنع دخول أي غريب للمكان، بما يشبه نقطتي حراسة دائمتين.
زيادة على هذا كان هناك حوالي عشرة شبان يرتدون قمصانا موحدة بلون أخضر وتحمل اسم «فندق المنظر الجميل»، وكان بعضهم يجلس على كراس خلف العائلات التي تستمتع بوقتها، والبعض الآخر يقوم بحمل قائمة طعام تخص المطعم الخاص بالفندق، فيما شاهدنا شابين آخرين يحملان بعض المياه المعدنية ويقدمانها لأحد المصطافين، كما وضعت لافتة فوق رمال الشاطئ تخبر المصطافين بإمكانية استعمال شبكة الانترنت مجانا عن طريق تقنية «الويفي»، كما لاحظنا أن أغلب العائلات المتواجدة بالشاطئ من النساء وفتيات وأطفال صغار، دون تواجد أرباب العائلات.
وفي حديث لبعض مرتادي الشاطئ، أكدوا للنصر أنهم يفضلون التنزه عبر الشواطئ الخاصة وذلك لشعورهم بالأمان، على عكس باقي الشواطئ، حيث أوضحت ربة عائلة وجدناها رفقة أبنائها: «لم يحصل زوجي على عطلة هذه السنة، وبما أن أبنائي سيعودون للدراسة شهر سبتمبر القادم، وجدت نفسي مضطرة لاصطحابهم بمفردي إلى البحر، وبما أن أبنائي صغار في السن أفضل التوجه إلى الشواطئ الخاصة حتى أحصل على الأمن الذي أبحث عنه، وهنا لا أحد يقترب مني أو من عائلتي، كما أن المكان نظيف جدا، ويخلوا من أي نفايات، زيادة على هذا فنحن مرتاحون هنا».
وعن المصاريف التي تتكبدها هذه الأسرة للتواجد بهذا الشاطئ أجابت: «هنا أدفع حوالي ألف دينار، لكن أستطيع أن أركن المركبة مجانا، كما أنني أستطيع الولوج إلى شبكة الانترنت، كما أن هناك بعض الشبان الذين يساعدونني في الحصول على ما أحتاج، إذ يمكنني أن أمنحهم النقود من أجل اقتناء ما أحتاج من أكل أو بعض الخدمات الأخرى، والمبلغ المالي الذي أدفعه يتضمن أيضا ثمن الشمسية والطاولة والكراسي، كما توجد هنا دورات مياه نظيفة ومكان لتغيير الملابس بالنسبة للنساء، وهو أمر غير متوفر على الشواطئ الأخرى، و بعملية حسابية بسيطة يمكن القول أن ما ندفعه هنا مقابل الخدمات التي نحصل عليها، هو نفسه المبلغ الذي نضطر لدفعه في الشواطئ المجانية من دون الحصول على أية خدمات».
وأوضح مسير فندق المنظر الجميل أن الاستثمارات الخاصة على مستوى الشواطئ تستقطب العشرات من العائلات وذلك لإحساسها بالأمان، كما أنها تحصل على الكثير من الخدمات غير المتوفرة في الشواطئ المجانية.
وأوضح محدثنا أن أول عامل يتم التركيز عليه هو إحساس المصطاف بالأمان، وهو ما يفسر إقامة ما يشبه السور على جانبي الشاطئ من خلال مواد صديقة للبيئة مثل أغصان النخيل، مع تعيين حارسين يمنعان دخول أي شخص غريب، كما أوضح لنا أنه تم وضع سياسة متفردة من قبل الطاقم المسير، وذلك من خلال رصد تحركات المصطافين المتواجدين في الشاطئ، حيث أكد أن كل تحرك مشبوه يستدعي تدخلا تلقائيا من قبل المكلفين بالأمن»، وضرب محدثنا مثالا قائلا: «أن تحرك المصطافين بطريقة عمودية نحو مياه البحر يعد حالة عادية أما كل التحركات بشكل أفقي وبين الطاولات أمر مرفوض، حيث قدمنا تعليمات للحراس بالاستفسار عن ذلك من طرف المعني مباشرة».
كما أكد ذات المسؤول أنه يوجد تنسيق كبير مع مصالح الأمن، كما أن عناصرها يقومون بدوريات منتظمة نحو الشاطئ، كما يتدخلون بسرعة في حال الاتصال بهم في حالات وقوع مشاكل، مضيفا، أن التركيز على توفير الأمن في الشاطئ الذي يديره تعد أولوية ، وهو الأمر الذي يستقطب العديد من العائلات، كما كشف أن أهم زبائن الشاطئ هم نساء أو عائلات تتنقل دون رب الأسرة.
زيادة على هذا فقد أكد السيد سيد علي أن الخدمات التي يتم توفيرها للمصطافين كثيرة على غرار ركن المركبات مجانا، إلى جانب توفير أعوان للمساعدة في اقتناء الحاجيات، وكذا إتاحة خدمة مجانية للانترنت، إلى جانب مسبح صغير للأطفال من دون مقابل، فضلا على وضع حمامات للنساء والرجال، وأماكن لتغيير الملابس ودورات مياه نظيفة، وهي خدمات غير متوفرة في كامل الشواطئ المجانية، كما أكد محدثنا أن المبالغ التي تدفعها العائلات التي تتوجه إلى الشواطئ المفتوحة تتجاوز بكثير أسعار الشواطئ الخاصة مع الفرق في الخدمات.
شاطئ ميرامار.. فوضى ونفايات
غادرنا بلدية العربي بن مهيدي وتوجهنا نحو شاطئ ميرامار المعروف بمناظره الرائعة، كان الوصول إليه صعبا نوعا ما بسبب ضيق الطريق، إذ توقفنا عدة مرات وذلك بسبب صعوبة المسلك خصوصا على بعض السائقين، ولدى وصولنا صادفنا طابورا طويلا من المركبات المتوقفة، وكان أحد الشبان يقوم بتوقيف المركبات ويطلب من أصحابها منحه مبلغ 100 دج كحقوق الدخول إلى الحظيرة، وعند تخطينا لهذه النقطة قام شاب آخر كان يحمل عصا طويلة بتوقيفنا مرة أخرى وذلك حتى يتمكن شريكه الثالث من إيجاد مكان نركن فيه المركبة.
دخلنا الشاطئ وقد طلب منا أحد الشباب أن نتوجه نحو أقصى الجهة اليمنى من الشاطئ، بسبب تخطيط الجهة اليسرى للعائلات فقط، امتثلنا لطلبه وتوغلنا بين العائلات إلى أن وصلنا إلى مكان شاغر، استفسرنا عن ثمن الشمسية وطاولة بثلاثة كراس، فأخبرنا شاب أنه أجرها بـ700 دج، ورغم أن الوقت كان يشير إلى حوالي الرابعة والنصف مساء إلا أنه رفض مساومته في الثمن وفضل إبقاء الطاولة شاغرة على أن يخفض الثمن، جلسنا قبالة الشاطئ، وقابلنا مجموعة مكونة من خمسة شبان، يلعبون بالكرة دون مبالاة بمن يحيط بهم، وهو ما سبب الإزعاج لبعض العائلات التي كانت قريبة، غير أنهم لم يبد أي ردود أفعال.
عندما اقترب مؤشر الساعة من السادسة مساء أخذت بعض العائلات في مغادرة الشاطئ والعودة إلى منازلها، وذلك بالتزامن مع وقت مغادرة دورية للدرك الوطني للمكان، وقد كانت المغادرة سريعة جدا، كما أن بعض المصطافين تركوا خلفهم الكثير من النفايات، على غرار أكياس النفايات، وبقايا المأكولات.
حاولنا التحدث مع بعض الشبان المتواجدين هناك، غير أنهم رفضوا ذلك، قبل أن يستجيب أحدهم حيث قال: «نحاول أن نكسب قوتنا من بعض الخدمات التي نقدمها للعائلات المصطافة، فنحن نعمل على ضمان الأمن كما نقوم بإبلاغ مصالح الدرك الوطني بأي مشكل، وقد منحنا قائد الفرقة الاقليمية للدرك الوطني رقمه الخاص من أجل تسهيل الاتصال وتفادي المرور عبر الإجراءات الروتينية التي تأخذ بعض الوقت» مضيفا: «كما أننا نحاول ضمان راحة العائلات لذلك قسمنا الشاطئ إلى قسمين الأول مخصص للعائلات والثاني للشبان، وفي بعض المرات نقدم طاولات مجانا للشبان من أجل أن نبعدهم عن مكان تواجد الأسر».
وتابع محدثنا: «ما نقوم به هنا من خدمات لا بأس به، فبعد مغادرة العائلات نقوم بتنظيف الشاطئ من النفايات وبقايا الطعام ونجمعه في أكياس نشتريها من مالنا الخاص وننقلها إلى المفرغة، غير أن غياب مصالح البلدية صعب العمل علينا، مؤكدا أن شاحنات النظافة لا تمر سوى مرة كل يومين» أما عن دورات المياه فقد دق محدثنا ناقوس الخطر عندما قال: «تعاني شبكة الصرف الصحي من انسداد منع تدفق المياه بشكل طبيعي، وهو ما ينذر بخطر انتقالها نحو البحر وقد قمنا بإخطار مصالح البلدية بالتدخل غير أن ذلك لم يتم وهو ما جعلنا نغلقها نهائيا أمام المصطافين، وتحولت إلى مكان لتغيير الملابس فقط».
ربورتاج: عبد الله.ب/تصوير: الشريف قليب