نجارون يغيرون المهنة و آخرون يحالون على البطالة
تسجل صناعة الخشب أو حرفة النجارة، خاصة على مستوى الشرق الجزائري، تراجعا كبيرا، أدى إلى غلق عديد الورشات، و أحال الكثيرين على البطالة، فيما غير آخرون نشاطهم ، في ظل عزوف المواطنين عن الشراء ، نتيجة استمرار ارتفاع أسعار الخشب و غزو صناعة مغشوشة حطمت السوق.
النجارة التي طالما كانت حرفة انخرط فيها مئات الحرفيين بالشرق الجزائري، خاصة على مستوى ولاية قسنطينة، بعد أن ازدهرت و تحولت إلى ممون للسوق الوطنية، تراجعت منذ أزيد من سنة ، نتيجة ارتفاع أسعار الخشب بعد أن تم إدراجه كمادة ممنوعة من الاستيراد، في إطار قانون المالية الماضي، مما تسبب في ندرة حادة و رفع أسعار المنتجات بشكل كبير.
الألمنيوم ينافس بقوة..
يقول رياض أحد الحرفيين الذين ما زالوا يصارعون رغم الأزمة، بأن ارتفاع أسعار الخشب رفع أسعار المنتجات، فمثلا قيمة الباب الواحد مع الإطار و التي كانت تقدر بـ12ألف دينار، باتت اليوم تكلف مبلغ ألفين دينار، و هي قيمة تغطية تكاليف النجار، فيما بات يعتبرها المواطن غالية، خاصة إذا ما كان الأمر يتعلق باقتناء أبواب لبيت حديث الإنشاء.
كما أوضح حرفي آخر بأن غلاء الأسعار، حول أنظار المواطن إلى منتجات الألمنيوم، و جلعها القبلة البديلة لمواجهة غلاء أسعار المواد المصنوعة من الخشب، سواء تعلق الأمر بالأبواب أو النوافذ، و هو الأمر الذي أكد بأن نجارين كثر اعتمدوه في بيوتهم بسبب الغلاء، و على الرغم من تراجع أسعار الخشب قليلا، مقارنة بالسنة الماضية و توفره على مستوى السوق الوطنية بشكل كاف، إلا أن ارتفاع المنتجات لا يزال قائما و لا يزال يشكل عائقا أمام هذه الحرفة.
لم تستثن أزمة الخشب أحدا من حرفيي النجارة، ما تسبب في ركود كبير، أدى إلى غلق عدد كبير من الورشات، خاصة على مستوى ولاية قسنطينة، مثلما يؤكده السيد الشريف أحد أقدم الحرفيين بالولاية، و يحدثنا عن صديقه إلياس الذي توقف عن العمل قبل نحو سنة ، ليتحول إلى سائق سيارة أجرة، فيما يؤكد بأن نجارين آخرين أغلقوا ورشاتهم و راحوا للعمل في سيارة «فرود» ، فيما تحول البعض إلى بطالين، في انتظار ازدهار النجارة مجددا، من أجل تأمين لقمة العيش، خاصة و أن أغلبهم لم يقوموا بتأمين أنفسهم.
و يتحدث السيد الشريف عن الأزمة، قائلا بأنها دفعت بآخرين لبيع آلاتهم و تجهيزات النجارة الخاصة بهم، و قاموا بتغيير النشاط ، حيث اختار كل واحد نشاطا لديه معلومات حوله و لو كانت قليلة، كالفلاحة مثلا، مضيفا بأن من بقوا في الساحة ، هم حرفيون قدماء حافظوا على ورشاتهم مفتوحة ،لأجل ما يعتبرونه مجرد «بريكولاج»، أو حرفيين فنيين لا يزالوا مقصد قلة قليلة من أجل صناعة قطع خاصة، تستلزم خبرة كبيرة و فنية لا يأبه أصحابها لتكاليف صناعتها.
ورشات تستثمر في أزمة الخشب
شكل تراجع النجارة و عزوف المواطنين عنها، فرصة حقيقية لأصحاب الورشات العملاقة المتخصصة في صناعة الأثاث الخشبي بكميات كبيرة، فقاموا بصناعة مختلف القطع و عرضوها للبيع بأسعار تنافسية، حيث أنها غزت الأسواق و لفتت انتباه المواطنين الذين اتخذوها بديلا لتجهيز بيوتهم، غير أن الحرفيين الحقيقيين يؤكدون عدم جودتها، بالرغم من جمالها الخارجي.
و يقول أحد الحرفيين بأن أصحاب هذه الورشات التي تنتشر بشكل كبير على مستوى منطقة القليعة بتيبازة و كذا حامة بوزيان بقسنطينة، يركزون على الجانب الجمالي للأثاث، بفضل ما يعتمدونه من آلات عصرية تبرز ذلك، فيما يصنعون قطعهم من خشب بخس الثمن ذي نوعية رديئة لخفض التكاليف و رفع هامش الربح، خاصة في ما يتعلق بالخلفية و الرفوف، أين يستعملون «لي زورال و النوفوبو» التي تعد خشبا رديئا للغاية و لا يدوم طويلا، فيما يصنعون الواجهة من الخشب الأحمر، مثلما يشهرون لنشاطهم، غير أنه ليس صلبا، خاصة و أن المواطن البسيط لا يعلم بأن الخشب الممتاز «ماسيف» ذو أنواع كثيرة.
و يرى أهل الإختصاص بأن أصحاب هذه الورشات العملاقة، عرفوا كيف يستثمرون الوضع، خاصة مع تبنيهم أسلوب الإشهار العصري من خلال الترويج لمنتوجاتهم عبر مواقع التواصل الإجتماعي، و عرض خدمات إيصال الأثاث إلى المنزل في أي ولاية مجانا، مع تخصيص هدايا عند التوصيل و إغراءات أخرى جعلتهم بديلا حقيقيا للكثيرين، خاصة المقبلين على الزواج و الذين يشترون غرف النوم بأثمان يعتبرونها معقولة، كمبلغ 90 ألف دينار أو 150 ألف دينار، في حين يؤكد من يعتمدون على الخشب الجيد في صناعتهم، بأن تكلفة هذه غرف قد تصل إلى 180 ألف دينار، إذا استعمل الخشب الجيد و ليس القديم الرديء.و في انتظار عودة الاستقرار إلى سوق نجارة الخشب، يتواصل تراجع عدد الحرفيين، فيما يستمر بحث المواطن عن بدائل و حلول، و إن كانت في منتجات أكثر جمالا و أقل جودة.
إ.زياري