حيّرت هجرة قوافل الجزائريين إلى تونس للاحتفال برأس السنة الميلاديّة الصّحافة، التي لم تتوقّف عند إحصاء عابري الحدود، فقط، بل أحصت "خسائر" التّجار المحليين أيضاً. و أُثيرت تساؤلات عن "ضيق" البلد الكبير على أهله في مناسبات البهجة رغم الحديث الطويل بلا طائل عن السيّاحة المحليّة.
وأسباب الظاهرة لا تتوقّف عند ارتفاع الأسعار إلى حدود تتجاوز المعقول في الفنادق والمطاعم التي مازالت تهتمّ بهذه المناسبة في مُدننا وتقلّص مواقع التسليّة والترفيه، ولكن في ظهور "ثقافة " مرتبطة بانتشار خطاب التحريم في مجتمعٍ بات يستهلك الفتوى في كيس الحداثة الأنيق، لتنجم عن ذلك ازدواجيّة، تتجلى في تعاطي الممنوع سرّاً لدى فئاتٍ واسعةٍ من المجتمع، فغلق أماكن الترفيه الذي أنجبته الظاهرة، مثلاً، تسبّب في هجرة روّادها إلى الشوارع والشواطئ والغابات، فضلاً عن السيارات التي تترنّح ليلاً في الكثير من المدن، مع ما يشكّله هذا الوضع من خطرٍ على أمن النّاس وسكينتهم و من دمارٍ على البيئة.
ثمّ أنّنا لا نستطيع تطويق أجيالٍ منفتحةٍ على العالم بخطابٍ قديمٍ يدعوها إلى الاقتداء بشخصيّات تاريخيّة أو أسطوريّة، وكان الأجدى أن نمكّنها من ظروف صناعة تاريخها الخاصّ وأساطيرها الخاصّة ونقترح عليها نماذج جديدة للتقمّص.
إن التطورات المتسارعة تستدعي تدبيراً ذكياً يستوعبها و يؤطرها حتى نتجنّب ظهور وضعيّاتٍ هجينةٍ، تجعل مدننا مدناً عابسةً لا يطيب فيها العيش، في وقتٍ بدأت فيه الدوّل الدينية تتخلّى عن عاداتها القديمة وتنفتح على عادات سكان الكوكب.
وعلينا أن ننتبه إلى أن الحفاظ على المدنيّة يتطلب عدم الانحناء أمام هبوب "التشريعات" الفوضوية التي تجود بها الفتاوى.
أجل، يهربُ آلاف الشبان إلى البلد الصغير المجاور طلبا لمُتعةٍ لم تعُدْ متاحةً هنا، في وقت نطمح فيه إلى استعادة السيّاح الأجانب الذين نسوا وجهتنا؟
والدرس الأول الذي يجب أن نستوعبه ونحن ننادي على العالمين، هو أنّ السّائح الذي يبحثُ عن المناظر الطبيعيّة والآثار لا يفرّط في حريّة قد لا تتسع لها صدورنا، بمعنى أنه كلّما زاد عدد أهل الفتوى في القنوات التلفزيونية كلّما تراجع عدد السيّاح!
سليم بوفنداسة