سليم بوفنداسة
اشتكى نور الدين بوكروح من «استغلال شبه إجرامي» لمقاله «فيروس كورونا والحضارات»، بعد تجزئته و تأويله وتقديمه كفتوى بعدم الصوم في رمضان القادم بسبب كورونا، وقال إنّه تلقى تهديدات بالقتل بسبب ذلك.
والحقّ أنّ مقال بوكروح أُخرج عن سياقه، فالرّجل كان يتحدّث عن غياب الحضارة الإسلاميّة عن مسرح أحداث العصر رغم إسهاماتها التي أضاءت ثلاث قارات لفترةٍ طويلةٍ، وأرجع «احتضار» هذه الحضارة إلى التشبّث بأفكار ميتة وعدم تجديد علوم الدين منذ ألف عام، و»تشبّع الذهنيّة المسلمة بالتواكل والاستسلام للقدر» نتيجة فكر قدريّ قال إنّه خدم الاستبداد واختزل الإسلام في تعبّد صعب المنال، ولم يكن صوم رمضان هو صلب الموضوع لكن ذلك ما شاع عن الموضوع !
و المثير في القصّة أن مستخلصي الفتوى من المقال في أغلبيتهم من الصحافيين، وفيهم من نصح بوكروح بالصمت، لتأتي بعد ذلك شتائمُ وتهديدات «العامّة» التي بلغت درجة أثبتت أنّنا لم نتعلّم من المحن السابقة، حيث لا تزال رياضة «الحجر» تُمارس على نطاقٍ واسعٍ، والمحزن أنّ روادها من فئةٍ يفترضُ أنّها تعمل على إشاعة الحريّة و الثقافة الديمقراطيّة.
ما حدث يكشف عن نزعة «تكفيرية» انتشرت لفترة طويلة بين مشتغلين في الإعلام، تحولوا إلى مراصد لقياس الإيمان وتسبّبوا في مآسٍ للنّخب الوطنيّة التي ظلّت فريسةً سهلة للصحافة وعموم النّاس يمكن أن تقف عليها حين ترى أكبر كاتب في البلد يدخل متلصّصاً إلى بيته، في وقت تحوّل فيه مشعوذون إلى نجوم صنعها إعلام يناصب العقل العداء.
كما يكشف عن ضعفٍ في التعليم يجعل المتلقي، مثلاً، يبتلع أيّ رواية حتى ولو كانت كاذبة ولا يكلّف نفسه عناء الذّهاب إلى مصدر أصليّ في المتناول، كما هو الشأن بالنسبة لمقال بوكروح المنشور على صفحته المفتوحة.
ويحيل، أخيراً، إلى عداءٍ لحملة الأفكار والمبدعين، في بلدٍ يحتاج إلى أفكارٍ ليخرج مما هو فيه.
ونحن هنا لسنا بصدد الدفاع عن مثقّف خبر بنفسه صعوبة «تنزيل» الأفكار إلى الواقع، ولكن بصدد الدفاع عن حريّة التفكير التي يعمل على حجبها «صنّاع الرأي» الذين استغنوا عن التفكير.