سليم بوفنداسة
تواجه الصّحافة المكتوبة محنةً حقيقيّة، ليس بسبب كورونا وحدها، ولكن بسبب توجّه عام نحو المؤثرات البصريّة و الصوتيّة التي تعفي المتلقي من كلّ جهدٍ.
و تخفي فرحة منظّرين بزوال الورق أزمة وعيٍ وسوء تقديرٍ لعواقب اختفاء واحدةٍ من أهم وسائل التثقيف والتعليم وإشاعة الديمقراطيّة في عصرنا.
و المشكلة ليست في انتقال الصحيفة من الورق إلى الدعائم الالكترونيّة، ولكن في ازدراء "المكتوب" لحساب المرئيّ والمسموعِ، الذي يلتقي فيه الجمهور مع صنّاع القرار دون أخذ المهنيّة و قيمة العمل بعين الاعتبار.
فالمكتوب الذي يراعي الجودة والدقة، يتجاوز في وظائفه الإبلاغ إلى التكوين والتثقيف، خصوصاً حين يصدر عن مؤسسات إعلاميّة حقيقيّة وعن إعلاميين حقيقيين، درسوا حقاً وتدرّبوا و مرّوا بمختلف المراحل التي تقتضيها مهنتهم، ويمتثلون في عملهم إلى المعايير المهنيّة والأخلاقيّة.
ولا تقدّم "البدائل" المطروحة هذا النّوع من "الخدمة" لغياب إنتاج سمعيّ بصريّ وطنيّ أو صناعة تلفزيونيّة، وهو ما جعل من أغلبيّة القنوات التلفزيونية مجرّد إذاعات مرئية، والخوف كلّ الخوف أن نستنسخ "أقبح" النماذج العربيّة في "برامج" يجلس فيها المذيع ليعيد سرد النهار السابق في مونولوغ طويل يراعي فيه امتداح السلطة والجهات المانحة للرزق وهجاء المعارضة إن وُجدت في قالبٍ غريبٍ على المهنة، حيث يكتفي بذكر أخبارٍ والتعليق عليها دون إسنادٍ مع الإيحاء بأنّه يوحى إليه، وقد يقومُ بما يقوم به دون أن يقول له أحدٌ إنّ ما تقوم به غير أخلاقيّ، وربما قيل له عكس ذلك تماماً، وقد لا يحتاجُ فيما يقوم به إلى لغةٍ ويكتفي بأنصافِ الجُمل وأسماءِ الإشارةِ والتأتأةِ.
لا يخدم هذا "النوع" الصّحافة، مثلما لا يخدم الديمقراطيّة الناشئة التي تحتاج إلى صحافةٍ تكشفُ الحقائق وتعرض الآراء والأفكار المختلفة وتثقف المتلقي وهي مهمة تبنّتها طويلاً الصّحافة المكتوبة حاملة الفكر، لذلك تعمد دوّل كبرى إلى دعم صحفها حفاظاً على "رأسمالٍ" معرّضٍ للخطر بسبب الجوائح السمعيّة البصريّة والانفجار التكنولوجي الذي مكنّ جميع النّاس من التخاطب العلني و الذي تحيل مخاطره في كلّ مرّة إلى ضرورة بقاء المحترفين في المشهد.