الاثنين 16 سبتمبر 2024 الموافق لـ 12 ربيع الأول 1446
Accueil Top Pub

«الذاكرة والنسيان»

سليم بوفنداسة

يُمكّن الأرشيف من إعادة بناء الوقائع التي قد يطمسها النسيانُ، بل ويتيحُ الفرصة لإعادة بناء الأحداث ورسم الوجوه التي تزيّنها أو تشوّهها الروايات.
وتكون أهميته عظيمة في المجتمعات الشفويّة التي تدير شؤونها بالكلام وهي في العموم مجتمعات تنسى بسرعة و تجنح نحو الأسطرة والاختلاق، لذلك تتحوّل تزكيّة الذات وادعاء البطولة إلى تمرينٍ في امتحان الجدارة الذي يشرف عليه ممتحنون لا يستخدمون الذاكرة، وهذه واحدة من أسباب التخلّف الكثيرة، فالنسيان يعيق التقدّم لأنّه يجعل ضحيّته تكرّر أفعالها السابقة.
بنت المجتمعات المتقدمة «التجاوز» على التصحيح والرّدع والعقاب، في مسار الدمقرطة وفي المراحل التي تلت الحروب الأهليّة وسقوط الأنظمة الدكتاتوريّة، وكثيراً ما كان «الخطاب» الذي خدم المرحلة المتجاوزة محلّ مساءلة أو ازدراء جماعي يجعل صاحبه يتوارى ويقدّمه كعبرة  للأجيال اللاحقة، وذلك ما يحقّق مبدأ القطيعة على المستوى الرمزي بالنسبة للفاعلين الذين لا تستدعي أفعالهم العقاب الذي تتولاه العدالة.
يختلف الأمر في حالتنا، حيث يغيّر صاحب الخطاب خطابه من مرحلة إلى أخرى مستفيدا من الأمنيزيا الجماعيّة، مما قلّل من فرص بروز نخبٍ جديدة، نخبٌ تقتضي سننُ التطوّر إسهامها، لأنّنا نعيش في عصر آخر له  أدواته ولغته، وفوّت على المجموعة الوطنيّة الاستفادة من خدمات كفاءات تتوفر على  أفكارٍ ومهاراتٍ وتعوزها «الحيلة» التي تقتضيها الحال!   
فثمة خبراء، مثلاً، أيدوا سياسات قادت إلى الكارثة وتجدهم اليوم يقدمون المقترحات للخروج منها. وثمة شعراء كتبوا قصائد عصماء في مدح «العزيز» ويلعنون اليوم عهده. وثمة إعلاميون زيّنوا للرأي العام أفعال المفسدين وحوّلوا رجال أعمالٍ مزيفين إلى نجوم مجتمع ، وساهموا في تكريس عبوديّة الأشخاص وفجأة تحوّلوا إلى ثوار وهاهم اليوم يبشروننا بعهدٍ جديدٍ.
هذه الحالة، غير صحيّة، فالمجتمعات كما الأجساد تحتاج إلى التخلّص من الرواسب، وكلّ تقدّم يحتاج إلى ذاكرة متقدة تمنع إعادة إنتاج أسباب الإخفاق. و التكرار هنا لا يساعد على العلاج بل يطيل عمر المرض.
لكلّ ذلك نحتاج إلى نعمة الأرشيف التي من فضائلها أنها تقول لمدعي خطاب الحقّ إنّك كنت، قبل قليل، على باطل.

المزيد من الأعمدة

المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
الفيلسوف متوحشا

أصاب الحراك الطلّابي في الغرب، الفيلسوف الفرنسي الصهيوني الهوى ألان فينكلكروت بالرّعب، إلى درجة...

  • 20 ماي 2024
الخروج من حُجرة الكتابة

خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو...

  • 06 ماي 2024
قطارُ الباطل

سلّطت الاحتجاجاتُ الطلابيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة الضوء على هيمنة اللّوبي الصهيوني على...

  • 29 أفريل 2024
صعلكة

  أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي...

  • 23 أفريل 2024
ضرورة التفكير في المجتمع

  سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا...

  • 16 أفريل 2024
المخفيّ

حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان...

  • 26 فبراير 2024
اختراق

شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة...

  • 19 فبراير 2024
خِفّـــة

يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي...

  • 12 فبراير 2024
وصفُ السّعادة!

تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في...

  • 05 فبراير 2024
القيمة والشّعار

يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك...

  • 01 جانفي 2024
كبارُ "الباعة"!

سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت...

  • 18 ديسمبر 2023
مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة...

  • 11 ديسمبر 2023
في وصف الشّر

تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح...

  • 04 ديسمبر 2023
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com