الاثنين 30 ديسمبر 2024 الموافق لـ 28 جمادى الثانية 1446
Accueil Top Pub

«الذاكرة والنسيان»

سليم بوفنداسة

يُمكّن الأرشيف من إعادة بناء الوقائع التي قد يطمسها النسيانُ، بل ويتيحُ الفرصة لإعادة بناء الأحداث ورسم الوجوه التي تزيّنها أو تشوّهها الروايات.
وتكون أهميته عظيمة في المجتمعات الشفويّة التي تدير شؤونها بالكلام وهي في العموم مجتمعات تنسى بسرعة و تجنح نحو الأسطرة والاختلاق، لذلك تتحوّل تزكيّة الذات وادعاء البطولة إلى تمرينٍ في امتحان الجدارة الذي يشرف عليه ممتحنون لا يستخدمون الذاكرة، وهذه واحدة من أسباب التخلّف الكثيرة، فالنسيان يعيق التقدّم لأنّه يجعل ضحيّته تكرّر أفعالها السابقة.
بنت المجتمعات المتقدمة «التجاوز» على التصحيح والرّدع والعقاب، في مسار الدمقرطة وفي المراحل التي تلت الحروب الأهليّة وسقوط الأنظمة الدكتاتوريّة، وكثيراً ما كان «الخطاب» الذي خدم المرحلة المتجاوزة محلّ مساءلة أو ازدراء جماعي يجعل صاحبه يتوارى ويقدّمه كعبرة  للأجيال اللاحقة، وذلك ما يحقّق مبدأ القطيعة على المستوى الرمزي بالنسبة للفاعلين الذين لا تستدعي أفعالهم العقاب الذي تتولاه العدالة.
يختلف الأمر في حالتنا، حيث يغيّر صاحب الخطاب خطابه من مرحلة إلى أخرى مستفيدا من الأمنيزيا الجماعيّة، مما قلّل من فرص بروز نخبٍ جديدة، نخبٌ تقتضي سننُ التطوّر إسهامها، لأنّنا نعيش في عصر آخر له  أدواته ولغته، وفوّت على المجموعة الوطنيّة الاستفادة من خدمات كفاءات تتوفر على  أفكارٍ ومهاراتٍ وتعوزها «الحيلة» التي تقتضيها الحال!   
فثمة خبراء، مثلاً، أيدوا سياسات قادت إلى الكارثة وتجدهم اليوم يقدمون المقترحات للخروج منها. وثمة شعراء كتبوا قصائد عصماء في مدح «العزيز» ويلعنون اليوم عهده. وثمة إعلاميون زيّنوا للرأي العام أفعال المفسدين وحوّلوا رجال أعمالٍ مزيفين إلى نجوم مجتمع ، وساهموا في تكريس عبوديّة الأشخاص وفجأة تحوّلوا إلى ثوار وهاهم اليوم يبشروننا بعهدٍ جديدٍ.
هذه الحالة، غير صحيّة، فالمجتمعات كما الأجساد تحتاج إلى التخلّص من الرواسب، وكلّ تقدّم يحتاج إلى ذاكرة متقدة تمنع إعادة إنتاج أسباب الإخفاق. و التكرار هنا لا يساعد على العلاج بل يطيل عمر المرض.
لكلّ ذلك نحتاج إلى نعمة الأرشيف التي من فضائلها أنها تقول لمدعي خطاب الحقّ إنّك كنت، قبل قليل، على باطل.

المزيد من الأعمدة

حياة في الثقافة

غادر بوداود عميّر فجأة، بعد أن لمّح إلى غيّابٍ مُؤقّت اتقاء شرّ مُنتحلٍ سرق هويّته، قبل أن ينجح...

  • 23 ديسمبر 2024
أبوابٌ ونوافذٌ

بيّنت الأحداث الأخيرة، التي استخدم فيها طرفٌ أجنبيٌّ، كاتبين جزائريين ضدّ بلدهم الأم، في حرب...

  • 09 ديسمبر 2024
صوتُ الحياة

شاخ الوقتُ حولها لكنّها ظلّت في مقتبل الصّبا تسقي الدهشة وتشيعها، لأنّ المنادي الذي نادى النّاس...

  • 25 نوفمبر 2024
المُنمركون !

يصعبُ توقّع ما ستكون عليه الحياة بعد سنوات قليلة، نتيجة التدخّل المفرط للتكنولوجيا فيها، الذي لا...

  • 18 نوفمبر 2024
لا تلوموا أسامة!

يطرحُ الإقبال "غير المتوقّع" على الكاتب السعودي أسامة المسلم في صالون الجزائر الدولي للكتاب،...

  • 11 نوفمبر 2024
«لأسبابٍ سياسيّة» !

قبل سويعات من الكشف عن الفائز بجائزة الغونكور، أمس، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ناشرٍ قوله، إن...

  • 04 نوفمبر 2024
الصّورة و النّص

عاش كاتب ياسين حياةً قليلة وبسيطة، عانى فيها من "سوء الفهم" و الأسطرة، فضلا عن الجدل الذي لم يفتر...

  • 28 أكتوير 2024
المُستريحون

تُخفي الفرحةُ بموت أحدٍ، حالة قهرٍ عاشها الفَرِحُ في وجود الرّاحل الذي حقّقت ميتتُه زوال غمٍّ،...

  • 21 أكتوير 2024
طفولــة

سليم بوفنداسة ينشغلُ عددٌ غير قليل من الجزائريين بنظرة الآخر التي تتحوّل إلى مصدر فخرٍ أو سبب...

  • 15 أكتوير 2024
ضرورة الفرز

سليم بوفنداسة لا يواجه الأدب الجزائري مشاكل في التلقي فحسب بل يواجه أيضًا مشاكل في الكتابة...

  • 01 أكتوير 2024
سُقــــوط

سليم بوفنداسة فرضت ثقافة السّوق التي تهيمن على عالمنا المعاصر نمطًا جديدًا من النّخب، تنتجه...

  • 24 سبتمبر 2024
حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
الفيلسوف متوحشا

أصاب الحراك الطلّابي في الغرب، الفيلسوف الفرنسي الصهيوني الهوى ألان فينكلكروت بالرّعب، إلى درجة...

  • 20 ماي 2024
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com