سليم بوفنداسة
يختفي وباء آخر خلف الوباء الظاهر، من خصائصه أنّه يصيب صنّاع القرار، في عالمٍ يفقد يوما بعد يوم ما تبقى من أخلاقه، ويدفعهم إلى اختلاقٍ حروبٍ أو التأهّب لها على حساب مقدرات الشعوب والحياة الإنسانيّة التي لم تعد غاليّة.
فمنذ اخترع كهنة العلاقات الدوليّة مفهوم التدخّل، تحت عناوين مُخادعة من نوع: إشاعة الديمقراطيّة وحماية الأقليات والتدخّل الإنساني، أصبح هواة الحروب في غنى عن تبرير رياضتهم، وقصص تدمير دوّل معروفة، لكنّ الطريف في الأمر، أنّ الممارسة لم تعد حكراً على كبار القوم، بل خرجت إلى الملعب دوّل غير قادرة على إنتاج غذائها لكنّها تصرّ على الاستثمار في شقاء الآخرين.
وإذا كانت القوى العظمى في السابق، تستخدم مجلس الأمن للتصديق على مشروع العدوان، فإنّ العدوان أصبح يمارس اليوم بمجرّد إبداء النيّة ويكون مصحوباً بخطاب سياسي أكثـر صفاقة من خطاب بوش الثاني والإنجيليين اليمينيين، الذين أقنعوا حتى عواصم إسلاميّة بأنّ الله أرسلهم لتخليص العالم من الشرّ، وتصاحبه حملات إعلاميّة تضليليّة لم يعدُ صنّاعها يخجلون من «الترويج» لقتل الأطفال و تقديم ذلك كإنجاز وبعد نظر وفق براهين الخبراء ومتسوّلي الاستراتيجيات الذين يسرفون في إظهار الرجاحة والجديّة وهم في وضع هزلي «على الهواء»، يبيعون الحجة في سوق الباطل وينحرفون بعلومهم.
وقد يتولى مناولون محليّون إشعال الحرب مقابل وعدٍ بمجدٍ ما فيما تُسند للمرتزقة أدوار الجيوش الغازيّة، اختصاراً للنفقات والجدل وحفاظاً على أرواح الجنود العزيزة. هكذا تُصاغ الاستراتيجيات الجديدة التي أتاح الوباءُ الوقتَ للتفكير فيها، وهكذا أصبح الأذى فعلا لا تدينه الأخلاق.
هذا ما أصبحت عليه العلاقات الدوليّة في زمن الجوائح الذي قد تتضاعف فيه أسباب الحروب، ما دامت الحضارة الغربيّة العظيمة، في عيوننا، في حاجةٍ إلى فرائس كجواب على مشكلاتها الاقتصاديّة، و ما دام خطاب الحقّ عديم المفعول أمام الأمر الواقع، ومادام الشرّ يستقطب المبرّرين في غابتنا.
ملاحظة
تشير كل المعطيات إلى أن ما يدبّره المصابون بالوباء المستتر المذكور أعلاه والذي لا لقاح ولا دواء له، ينذر بإعادة الإنسانية إلى مراحل بدائيّة.
سليم بوفنداسة