يؤدي الخللُ في ترتيب الأهداف والأولويات إلى التّيه الذي قد يتحوّل مع الاستفحال إلى حالة تخبّط وضياع.
و تُسحب وضعيّة الفرد التّائه على الجماعات التّائهة التي قد تضيّع عقوداً من تاريخها في الجدل الهامشيّ وقد تسلك دروباً جانبيّة وتتوهّم أنّها في الطريق الصّحيح.
يكشف فحص تاريخ الحالات، أنّ المجتمعات ذات الميراث العقلاني هي التي تحسن تدبير شؤونها، أي تخرج من الوضعيّات الصعبة بأقلّ التكاليف لأنّها تحتكم إلى العلوم وتُراكم ثقافة براغماتيّة تجعلها تختار التصرّف الصّحيح في الوقت المناسب، فيما تميل المجتمعات السائرة في طريق التّيه إلى الحلول السحريّة التي تنشدُ المعجزات والمخلّصين الذين يظهرون فجأةً من أجل القضاء على الشرّ، وقد احتلّ السّاسة المقاعد التي احتجزها أبطال الميثـولوجيا والأنبياء في اللاوعي الجمعيّ للجماعات التّائهة وتقمّصهم مسؤولون صغار يدفعهم بخار النرجسيّة إلى حدّ تقديم أنفسهم كمخلّصين ومطهّرين في حيّزهم الضيّق، وضع يعتبره بعض الدارسين من مظاهر التخلّف لكنّه يقترب من المأساة إن لم يكن من أسمائها العديدة، وهو من الأمراض الشائعة والمعروفة لدى المعالجين النفسانيين، الذين يحذّرون من تحوّل المخلّص إلى مدمّر في حال المعاناة من الانهيّار الناجم عن عدم إشباع حاجته إلى «الاعتراف» الدائم!
ومثل الأفراد تحتاج المجتمعات إلى علاج للتخلّص من الحاجة إلى المخلّصين، عبر تحسين مستوى التعليم الذي يزيل الجوائح الخرافيّة عن الأفراد ويجعلهم يحقّقون أهدافهم بمعارفهم ومهاراتهم وليس بذلّ المُريد، وعن طريق تكريس الثقافة الديمقراطيّة التي تغرس مبادئ الحريّة والاستحقاق في الأفراد والجماعات وتدفع نحو تحكيم القانون كناظم للعلاقات وتطفئ الصراعات البدائيّة وتحدث القطائع مع البنى التقليديّة، وهذا مسعى لا يتحقّق إلا بالعمل الجاد والطويل والاحتراس من عودة الخلايا الخبيثة إلى الجسد، خصوصا وأنّ دارسي مشكلات التخلّف يشيرون إلى عودة هذه البنى في مظاهر حديثة، وكثيراً ما أكد الواقع ذلك، فقبل سنوات قليلة فقط رأينا كيف انتشرت العادات البدائيّة تحت عنوان التحديث، إلى درجة أنّ فاعلين في الحقل السيّاسي صاروا لا يخجلون من ربط سقوط المطر وارتفاع سعر النّفط في الأسواق العالميّة بوجود شخصٍ في حياتنا.
سليم بوفنداسة