يجري هذه الأيام ربطٌ غريب بين مواضيع ليس بينها رابط في نقاشات لا تتوقّف على شبكات التواصل الاجتماعيّ، تحيل أحيانا إلى «مشكلات» في التفكير، خصوصاً حين تدور بين نخبٍ يفترض أنّها تعتمد المنهجيّة العلميّة في الطرح ولا تخلط المواد غير القابلة للاختلاط، كالربط بين الجماجم المستعادة والأدمغة التي لم تتمّ استعادتها، أو الدعوة إلى نسيان الماضي والتطلّع إلى المستقبل، وحتى في مقاربة مسألة الهجرة التي تعني كافّة سكان كوكبنا.
ودون التقليل من شأن التدخّلات المختلفة، فإنّ حاجتنا إلى نقاشٍ جديّ في حياتنا تجعلنا نتطلّع إلى طرحٍ عقلانيّ،على الأقلّ، في مرحلةٍ مخيفة يكاد ينعدم فيها التفكير السياسيّ، والكفّ عن إنتاج خطاب النّقمة بسبب وفرته في السّوق الوطنيّة، وينسحب الأمر على الشكاوى والتظلّمات.
فمعالجة جراح الماضي لا تعرقل العمل المستقبليّ، خصوصاً إذا كانت هذه الجراح لا تزال مفتوحة وتؤثّر على الجسد والروح، كجراح الاستعمار التي تتسبّب فيما تتسبّب فيه في ميلاد أشخاص يعانون من تشوّهات خطيرة تبرزُ في إيديولوجيات متعاليّة وفي خطابات عنصريّة وفي الممارسات البيروقراطيّة التي يغذيها الحليب اليعقوبي والتي نجح أصحابها في أسر الدولة الوطنيّة لسنوات طويلة ويريدون المزيد.
و أما الهجرة فهي ظاهرة إنسانيّة تخصّ الأفراد والجماعات، وقد تكون اضطراريّة أو اختياريّة وقد تنتهي بعودةٍ أو تكون دائمة لا عودة منها فينتسب المهاجر إلى عالمه الجديد، وهي ليست امتيازاً أو معرّة، وكذلك الأمر بالنّسبة لمن لم يهاجر اختياراً أو لم يستطع إلى ذلك سبيلاً، فالبقاء ليس مفخرة أو حجّة للنيل من الآخرين، ويكفي أن ننظر إلى الطيور كيف تهاجر من قارّة إلى قارّة وتعود بلا صخب أو فلسفة لنطوي هذه المسألة !
وأما الأدمغة فتحتاج إلى تعريفٍ أولاً، ونزيفها مرتبط بسياسة وسوق عالميّة حوّلت العلم والعلماء إلى سلعة ووفرت المناخ ووضعت المقابل بسخاءٍ لا تقدر عليه الدوّل السائرة في الدروب الوعرة، ويبدو الأمر أشبه بسوق الكرة، فمن الصّعب أن نطلب من محرز، مثلاً، أن يلعب لوداد تلمسان أو نلزم بن سبعيني باللّعب لمولودية قسنطينة.
و الأجدى هنا أن نشرع في توفير المناخ الملائم للبحث العلمي مستغلين الاستعداد العاطفي لعلمائنا ونجعل، قبل ذلك، من المعطى العلمي أساساً في اتخاذ القرار.
سليم بوفنداسة