الأحد 3 نوفمبر 2024 الموافق لـ 1 جمادى الأولى 1446
Accueil Top Pub

«أُحيِّيكَ»

أُحيِّيكَ. أُحيِّيك وقد تركتها عالقة في الضوء وغفوت: مدينتك التي كنت تعيد تشكيلها بأصابعك في الهواءِ كي تنفض عنها ما ترهلّ، كي تصقلها قليلاً حتى تصبح صالحةً للعرض. مدينتك التي لم تجد فيها حائطاً تعلّق عليه ما رأيت.
أُحيّيك وأنت تستخرج الوجوه عابسةً من المعدن أو تترك مخلوقات غير مكتملةٍ في جماد الصّلصال بلا روح كي تنجو من الألمِ الظّاهرِ في بدايات الخلقِ.
أُحيِّيك وأنت تهدر الوقت في كلامٍ غير مجدٍ عن أشياء مجديّة. أحيِّيك وأنت تنهبُ اللّيل مشياً من «سان جان» إلى «فيلالي»، ثمّ مهرولاً كي تلحق بالترامواي الأخير حين صار الجسد لا يحتمل الطريق.
أحيّيك وأنت تلوم: كيف تسميني حارس الضّوء وتنساني؟  و أنت تستعرض قصاصات الجرائد لترى صورتك في كلام الآخرين أو للبرهان على جدوى كلامك وقد تحوّل من ألوانٍ إلى حروفٍ.
أُحيّيك و أنت تجتهد لاستعادة أغنيّة قديمة لعبد الوهاب أو تنفخ في «الفحل» من أنفاسك لتهبنا لحناً حزيناً.
أُحيّيك وأنت تنتفضُ كطائرٍ وقد خانك قلبُك للمرّة الأخيرة، قلبك الذي رفض الأطباء إسعافه لأنّهم يخافون من الموت الذي يكمن، هذه الأيام، في التفاصيل الصّغيرة. الموت المتنكّر في هيئةِ تاجٍ ليسخر من البشر المتقاتلين طلباً لزعامةٍ أو مكانةٍ هي رديف رمزيّ للتّاج المفقودِ.
أُحيّيك وقد جاء صوتك في آخر اللّيل من تونس ليعد بذاك «الشيء الكبير» الذي يوشك أن يتحقّق. الشيء الكبير الذي لاحقته لأزيد من ثمانين سنة دون أن تمسك به  أو تكفّ عن المطاردة.
أُحيّيك و قد رنّت رسائلك في آخر الليل، أيضاً. رسائلك قصائدك المتوحّشة وبيانك ضدّ اللّيل والنّوم وتحيّتك لكلّ آرق متخبّط في ألوان اليقظة.
أُحيّيك و أنت تستعيد لغة أمّك بلا تحريف يقتضيه الانتساب إلى حاضرةٍ تُطوّع الألسن و تُقولب الأرواح. أُحيّيك إذ نفتتحُ كلامنا ومكالماتنا بكلماتك.
أحيِّيك ونحن نهرب منك لأنّك تطيل الكلام ونحن سجناء الوقت الذي يرشف أعمارنا دون أن ندري كم رشف وكم أبقى، وحين تقبض علينا تقول: «أحكمتكم»  وتعد بالذي تعد به دائماً: الشيء الكبير الذي تحضّره لمدينةٍ لم يعد الفنّ بين «الأشياء» التي تتداولها. المدينة التي لم تعد تفهم لغتك. المدينة التي تهرب منك وتسخر منك حين تُطالب بجدارٍ تعلّق عليه «الأشياء» التي لا تفهمها.
أحيِّيك وأنت تستعجل القيّام بالذي لا بدّ من القيّام به وتقول: كم سيبقى «عمّار» معكم ؟
أُحيّيكَ وأنت تقول «أُحيِّيكْ» في أول الكلام وفي آخره.
سليم بوفنداسة

المزيد من الأعمدة

الصّورة و النّص

عاش كاتب ياسين حياةً قليلة وبسيطة، عانى فيها من "سوء الفهم" و الأسطرة، فضلا عن الجدل الذي لم يفتر...

  • 28 أكتوير 2024
المُستريحون

تُخفي الفرحةُ بموت أحدٍ، حالة قهرٍ عاشها الفَرِحُ في وجود الرّاحل الذي حقّقت ميتتُه زوال غمٍّ،...

  • 21 أكتوير 2024
طفولــة

سليم بوفنداسة ينشغلُ عددٌ غير قليل من الجزائريين بنظرة الآخر التي تتحوّل إلى مصدر فخرٍ أو سبب...

  • 15 أكتوير 2024
ضرورة الفرز

سليم بوفنداسة لا يواجه الأدب الجزائري مشاكل في التلقي فحسب بل يواجه أيضًا مشاكل في الكتابة...

  • 01 أكتوير 2024
سُقــــوط

سليم بوفنداسة فرضت ثقافة السّوق التي تهيمن على عالمنا المعاصر نمطًا جديدًا من النّخب، تنتجه...

  • 24 سبتمبر 2024
حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
الفيلسوف متوحشا

أصاب الحراك الطلّابي في الغرب، الفيلسوف الفرنسي الصهيوني الهوى ألان فينكلكروت بالرّعب، إلى درجة...

  • 20 ماي 2024
الخروج من حُجرة الكتابة

خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو...

  • 06 ماي 2024
قطارُ الباطل

سلّطت الاحتجاجاتُ الطلابيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة الضوء على هيمنة اللّوبي الصهيوني على...

  • 29 أفريل 2024
صعلكة

  أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي...

  • 23 أفريل 2024
ضرورة التفكير في المجتمع

  سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا...

  • 16 أفريل 2024
المخفيّ

حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان...

  • 26 فبراير 2024
اختراق

شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة...

  • 19 فبراير 2024
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com