سليم بوفنداسة
أكمل محمّد ديب مئة سنة من عبوره، ولم تكن المئة الأولى كافيّة لنقرأه على الوجه الصّحيح في البلاد التي شهدت خطواته الأولى وشكّلت ذاكرته الذي ستجود على العالم بكل «هذه» الروائع. فالكاتب يكاد يُختصر إعلامياً في الثلاثيّة الأولى التي تجاوزها منذ أصبح «كاتباً فحسب» بعد الاستقلال، ليس لأنّها قُرأت بل لأنّها حوّلت إلى مسلسلٍ تلفزيونيّ شاهده الجمهور الواسع الذي لا يقرأ الكتب.
و عادةً ما تكون المئويات مناسبةً للشعوب السعيدة لإعادة اكتشاف كُتّابها من خلال طباعة أعمالهم والاحتفاء بهم كرموز، لكنّ الجائحة التي تسرق الحياة حجبت الحديث عن هذه المناسبة، حتى وإن كان محمّد ديب تعرّض لحيفٍ كبيرٍ بسبب جوائح أخرى تعود في مجملها إلى عدم الاهتمام بالإبداع الأدبيّ في مجتمع شفويّ وسوء تقدير الكتّاب الحقيقيّين من طرف أنظمة سياسيّة فضّلت غير الحقيقيّين، ويكفي أن نستمع إلى ما قاله ديب نفسه في حوار مع محمد زاوي لنعرف أنّه لم يستقرّ في الجزائر لأنّه لم يستطع الحصول على بيت في هذه القارّة الشاسعة، ونعرف أيضاً أنّ المؤسّسة الوطنيّة للكتاب التي كانت تنشر لكلّ من يرفع مخطوطاً في يده، تجاوبت سلبياً مع مسعاه لطبع كتبه طباعةً مزدوجةً يتيح بموجبها للقارئ الجزائري الحصول على أعماله بسعرٍ منخفضٍ يعادل أسعار تلك الكتب التي طبعتها المؤسّسة ونسيناها!
ولا شكّ أنّ المشتغلين في حقل الثقافة والآداب والفنون يعرفون ما الذي تحصّل عليه كتّاب الثورة الزراعيّة مقابل طقاطيقهم، ومازال بعضهم إلى يومك هذا يطلبون المزيد، في مقابل تشريد كاتبٍ عرف من البداية أنّ البلاد أخطأت الطّريق. و قد تلخّص قصّة هذا الكاتب مآسي مبدعين جزائريين اضطروا للبحث عن مكان للعيش والإبداع لأنّ وطنهم لم يحتملهم واتسع صدره بالمقابل للصوص.
لكنّ الجانب المضيء في القصّة أن ديب انصرف إلى الكتابة فاخترع الأوطان و الأشجار واخترع اللّغة والموسيقى، اخترع حياة بديلة غير مكترثٍ بالنسيان المدبّر في الجنوب ولا بضيق أهل اللّغة بلغته وقد فاضت وحلّت بها أصوات لم يألفوها.
حسناً، سينقلب النسيان على مخترعيه أما الكاتب فسوف يسكن مئات السنوات القادمة.