سليم بوفنداسة
تشكلّ الرّغبات العارمة في التجمّع والكلام إحدى العقبات في مواجهة الجائحة، ما يستدعي البحث عن سرّ هذه الحاجة التي قد يموت النّاس من أجل تحقيقها.
حيث لم تتوقّف التجمّعات السريّة حتى في أوقات الحجر التي يختفي فيها "المتكلّمون" عن أعين الشرطة من أجل الكلام إلى ساعات متأخرة من اللّيل، وما إن تمّ تأخير الحجر بثلاث ساعات حتى فُرشت الأرصفة (في مدينة كبيرة كقسنطينة مثلاً) للمتجمّعين فيما يشبه الاحتفال بزوال العائق.
قد يحتاج الدارسون إلى تجميع الكلام لفهم الرّغبة القاتلة التي تدفع إليه، وسيجدون كنزاً يمتدّ من تكتيكات الكرة إلى أسرار السيّاسة مروراً بحقائق علميّة.
و إذا كانت هذه الظاهرة تحيل إلى "وقتٍ ضائعٍ" من الحياة والاقتصاد، فإنّها تشير في ميزان التحليل النفسيّ إلى مشكلةٍ في الحياة، فالتجمّعات المذكورة تشبه جلسات العلاج الجماعي التي يقوم بها معالجون، ما يعني أنّ الذهاب إلى الكلام يشبه طلب العلاج ، مع فارق مؤثّر يتمثّل في غياب المعالج الذي يوجّه اللّعبة بذكاء في الحالة الأولى. ونحن هنا أمام حالات فشلٍ يتمّ علاجها بطريقة خاطئة، تماماً كما يتم علاج أمراضٍ مستعصيّة بوصفات ما يسمى بالطبّ البديل.
وتصبح الظاهرة خطيرة حين تنتقل عدواها من مواطنين يواجهون مشاكل اجتماعيّة أو مهنيّة إلى مسؤولين يبدّدون وقتاً في الكلام الذي يصبّ في امتداح أنفسهم وهجاء الآخرين أو التنظير لعملٍ معروفٍ منذ ظهور التجمّعات البشريّة، على حساب مهامهم الفعليّة، وكما في الحالات المذكورة سلفاً فإنّنا أمام مشكلة في فهم العمل واختلال في الأداء، لأنّ انجاز العمل على الوجه الصّحيح يعفي صاحبه من ترجمته إلى كلام !
و لو نظرنا إلى الأمم المتطوّرة الآن لوجدنا أنّها منصرفةٌ إلى الفعل، أي إلى العمل وأنّ شعوبها لا تهدر وقتها على النحو البشع الذي نقوم به، حيث نكاد ننفرد بين سكّان كوكبنا بهذه الظاهرة التي تقترب من الغرائبيات أو الفنتازيا بل وحتى المأساة في بعض الأحيان حين تجد أشخاصاً يقضون أعمارهم على الأرصفة يسردون حياةً، كان من المفترض أن يعيشوها فعلا، بأساليب هي برهانٌ على أنّهم لم يفعلوا.