سليم بوفنداسة
عاد الطاهر وطار هذا الأسبوع ليقف على حجم الفراغ الذي تركه في الحياة الثقافيّة الوطنيّة، وكانت ذكرى وفاته مناسبة لاستعادة الكاتب كشخص ستذكرُ مواقفه وسيستغلّها «أحياءٌ» للحديث عن أنفسهم كما أصبح شائعاً، في حين يُنسى الأثر، وتلك مأساة لا ينفرد بها وطار، بل تنسحب على كلّ الآباء المؤسّسين للأدب الجزائري.
وكان يمكن أن تكون مناسبة السنوات العشر من غيابه فرصة للتعريف بنصوصه بين الأجيال الجديدة من الجزائريين، غير أنّ سلطان الثقافة الشفويّة فرض منطقه فأخفى النصّ وأظهر الشّخص مختزلاً في ذكريات ومواقف يعوزها الصّدق والدقّة خصوصاً حين تصدر عن أشخاصٍ كانت تدور بينهم وبينه حروبٌ طاحنةٌ.
ولعلّ السّلطان المذكور هو الذي حوّل روايات جزائريّة إلى حكايات، وفق تجربة مثيرة قام بها الكاتب سعيد بوطاجين أحد مترجمي رواية نجمة، حيث أجرى عمليّة مسح بين طلبته في الجامعات التي درّس بها بشرق وغرب ووسط البلاد، واكتشف أنّ الطلبة يتحدثون عن الرواية، لكن دون أن يجد بينهم من قرأها فعلاً. و ينطبق الأمر على كثير من الكتّاب والمثقّفين أيضاً، كما يخصّ روايات جزائريّة أخذت حظاً كبيراً من الشّهرة ونصيباً غير وافرٍ من القراءة، ومنها روايات لوطار كاللّاز والزّلزال وعرس بغل و الحوّات والقصر، التي تم استخلاص مقاصدها السيّاسيّة على حساب أدبيّتها في لعبة راقت للكاتب نفسه الذي كان يريد إيصال رسائله مع تجنّب الأذى.
ويخفي النزوع نحو التمجيد في التعامل مع الغائبين الملامح الحقيقيّة لشخصيّات كالطاهر وطار الذي كان يثير الزوابع بمواقفه وتحوّلاته وخصوماته وصراحته ووساوسه وتوجّساته، بداية من علاقته بالحزب التي كانت عميقة إلى درجة أنّه فكّر في الانتحار بعد طرده منه، كما اعترف في مذكراته، ثم مواقفه من الهويّة الجزائريّة التي تحتاج إلى استحضارٍ في أيامنا هذه وصدامه مع الفرنكوفونيّة المتحكّمة الذي أختزل، للأسف، في عبارته الصّادمة عن الطاهر جعوط ومعارضته لإيقاف المسار الانتخابي ودعوته لفهم الفيس كظاهرة جماهيريّة اعتبرها امتداداً للاشتراكيّة...
لكلّ ذلك نحتاج إلى استحضاره بوجوهه المختلفة كمثقّف عاش مرتفع الصّوت وكأب مؤسّس للرواية الجزائريّة له مقعده بين الكلاسيكيين الكبار.