سليم بوفنداسة
قد تكون عمليّات التفتيش والتحقيق في طريقة صرف الميزانيات والإعانات التي أعلنت عنها وزارة الثقافة خطوة في الاتجاه الصّحيح، إذا تمّت على نحوٍ دقيقٍ يكشف بصفة قانونيّة ما كان يُقال في دوائر ضيّقة عن «فساد» القطاع سنوات الريع، لأنّ الفساد يقيم في البيت المجاور لبيت المال!
وتكفي مراجعةٌ بسيطةٌ لما «أٌنتج» في تلك السنوات لنعرف أنّ الغاية لم تكن في كلّ الأحوال النهوض بالثقافة بعد سنوات الإرهاب، بل كان صرف الأموال محركاً أساسياً للانتعاش الثقافيّ الذي لم يخلّف كبير الأثر، بدايةً من الدعم الذي حظيّ به الكتاب دون أن يخدم ذلك صناعته، بل يمكن الحديث عن فضيحة كاملة الأركان في عمليّات النّشر الواسعة ، حين تكتشف كتباً غير مدقّقة لغوياً في السّوق، وتجد ترجمات غير مراجعة وكتباً غير صالحة للنّشر أصلاً وحين تكتشف أن كلّ تلك المنشورات ظلت حبيسة «المخازن» ، ولا تسأل عن الطبعات المتتاليّة لكتب مسؤولين في القطاع وأعمالهم الكاملة وأعمالهم التي لم تكتمل بعد، رغم أنّ الطّبعات الأولى من تلك «الأعمال» لم تنفد من السوق رغم المساعي النبيلة التي قامت بها المؤسّسة الوطنيّة للكتاب عليها الرّحمة من أجل ذلك.
القصّة ذاتها تكرّرت في السينما، حيث تمّ إنتاج أفلام لم تعرض، وفي المسرح حيث أصبحت الكتابة في أبي الفنون رياضة تمارس على نطاقٍ واسعٍ وكذلك الاقتباس، وفي المهرجانات التي ازدهرت في كلّ مكان دون أن يكون لها أثر يذكر في أيّ مكان.
و أذكر في الكتاب عمليّات الترميم ودعم الجمعيات التي تم استنباتها بجوار مؤسّسات ثقافيّة تحصي عددا كبيراً من الموظفين يفترض أن يتولوا تنشيط الحياة الثقافيّة عبر تلك المؤسّسات التي تدفع أجورهم وليس عبر الجمعيّات المستنبتة التي تطلب الدعم.
وللأسف فقد تحوّل «الدعم» إلى موضوع مطلبي يتكرّر على ألسنة منتسبين إلى الحقل الثقافي يعتقدون أنّ الدولة والمجتمع مطالبان بتحمّل مسؤوليّة هذا «الانتساب» وتبعاته وفق ما يمكن رصده في خطابٍ شائعٍ ومثير للدوار على شبكات التواصل الاجتماعي.
يمكن للتحقيق المذكور أعلاه أن يكشف عن الاختلال في تسيير القطاع وعن مواطن عدم النجاعة في دعم الدولة له، و يمكن تعميمه إلى قطاعات مجاورة، بما يسمح بوضع قاعدة سليمة للعمل المستقبليّ.
وربّما كان أهمّ ما سيتحقّق من هذا الإجراء هو إسكات بعض الذين يحملون سيوف البطولة ويحاضرون في الاستقامة لأنّ التحقيق سيكشف ما كانوا عليه قبل الاكتشاف المتأخّر للاستقامة!
سليم بوفنداسة