نجحت الغوغاء في استقطاب أصواتٍ محسوبةٍ على النّخبة إلى أرضها، فأصبح للخطاب الغوغائيّ كتّابه الذين يتجاسرون على إلقاء يقينيّاتهم في ساحةٍ فارغةٍ من النّخبة الحقيقيّة التي كان يفترض أن تدير النّقاش بأدواته وتُخرج الجزائريين من عادة التراشق والتنابز، وبات أيّ كاتب إنشاءٍ لا يتحرّج في إصدار فتاوى في مسائل تاريخيّة أو اثنولوجيّة أو لغويّة استجلاباً للإثارة على مواقع التواصل الاجتماعيّ، غير مبالٍ بموجة الكراهيّة التي تتشكّل خلف طرحه ولا بالأضرار التي قد يتسبّب فيها في مجتمعٍ يعاني من هشاشةٍ، لا ضرورة للتفصيل فيها هنا.
ما معنى أن يسخر كاتبٌ من عرقٍ أو لغةٍ أو يحمّلهما مسؤوليّة الكوارث التي يعرفها العالم؟ ما معنى أن يقلّل كاتبٌ من شأن جهةٍ أو يمتدح أخرى ويصدر الأحكام الجائرة على سكان منطقةٍ لا يعرفها؟
بغضّ النظر عن اعتداء أشخاصٍ على تخصّصات لها أهلها، فإنّنا نشهد تحريفاً للنقاش في مسائل وطنيّة، فتتحوّل في كلّ مرّةٍ المطالبة بالديمقراطيّة إلى مناسبةٍ لزرع العنصريّة واستخراج ما يفرّق المواطنين من صناديق قديمة يعود تاريخها إلى العهد الاستعماري، ليصبح التطلّع إلى الحريّة مقروناً بالفوضى.
إن بناء الديمقراطيّة يقتضي التدرّب على الاختلاف وليس صناعة الخلاف، كما يفعل بعض «المثقّفين» الذين يعانون من جوعٍ مزمنٍ إلى الظهور يدفعهم إلى إنتاج الحماقات بما يتناقض مع وظيفتهم كمنتجي أفكار وجمالٍ وكفاعلين في مجتمع وفي دولة وطنيّة تعاني من اختلالات في البناء وتواجه أزمة وجودٍ في محيط عاصف، يشهد عودة النزعة الاستعماريّة لقوى عالميّة بشكلٍ وقحٍ تم التفريط فيه في الأقنعة الدبلوماسيّة التي تم اختراعها بعد انقضاء الموجة السابقة للاستعمار.
ودون أن نرجع مشاكلنا كلّها إلى «الأطراف الأجنبيّة» فإنّه من الغباء أيضاً أن ننكر ما يدبّره أشرار العالم لدوّل الجنوب للجواب على أزماتهم الاقتصاديّة أو ضمن حروب البقاء التي تمرّ عبر إعادة رسم الخرائط التي تُسند فيها أدوارٌ لوكلاء محليين يُقبل انخراطهم بطريقة واعيّة أو غير واعيّة، ومن المؤسف هنا حقا، أن تجد كتاباً وصحافيين بين طالبي «الاستمارات» في السفارات والمراكز الثقافيّة، (للمستعمر السابق أو دويلات الشرق على حد سواء) تحت عناوين النّضال والثقافة والتألّق.
سليم بوفنداسة