يُعدِّدُ الشاب الثلاثينيّ مطالبه بغضب أمام الكاميرا مستعرضاً أثاث البيت الذي لا يليق به ولا بزوجته الباكيّة، ولا تتردّد الصحافيّة في إظهار تأثّرها بالوضع الذي تصفه بالمزري ودعوة «الجهات المعنيّة» إلى التدخّل من أجل إسعاد هذه العائلة.
و تتلخّص أسباب السعادة في سكنٍ لائقٍ ووظيفةٍ ولا بأس من أثاثٍ يجود به المحسنون.
يؤمّن الشّاب الغضوب على اللائحة ويبتسمُ، أخيراً، دون أن يغفل التذكير بأنّ صبره قد نفد.
تعتقدُ الصحافيّة و يعتقد القائمون على البرنامج (إن وُجدوا) والمعنيّ بالأمر وزوجته التي يقطر وجهها حزناً والمشاهدون الكرام، أنّ توفير اللائحة من مهام «الجهات المعنيّة» والإشارة هنا ليست إلى الشمال أو الجنوب، بل إلى الدولة المدعوّة إلى توفير السّكن و»الطنجرة» والتلفاز والسرير لإسعاد المواطن.
تجتهدُ وسائلُ إعلامٍ وطنيّةٍ في تقديمِ نموذج المواطن الشحّاذ على مدار الأيام واللّيالي، إلى درجة توحي بأنّ «المُطالبة» أصبحت أسلوب عيشٍ للجزائريين الذين باتوا يجهرون بحاجتهم أمام الكاميرات دون حياءٍ تقتضيه الحال.
والحقّ أنّ هذا النموذج بدأ يظهر في الحياة نتيجة جدوى المطالبات في السابق، حيث أصبح الظهور الإعلامي أو قطع الطرقات أسلوباً مثمراً في سنوات الريع، يؤدي إلى تحصيل «السّعادة» للمواطن والسّلم الاجتماعي للدولة.
لذلك تبدو عمليّة إعادة تعريف المواطن والدولة صعبةً للغاية، لأنّ الأمر يتعلّق بثقافة ترسّخت لدى فردٍ ينمو كنباتٍ بريّ في مجتمعٍ فهم الاشتراكيّة على أنها تحصيل ما تجود به الأرض دون أي جهدٍ، وأسقط العمل من أولوياته بل أنّه بات ينتظره كما ينتظر المناسبات السعيدة والأعياد دون أن يسعى إليه، وكذلك يفعل مع البيت وأثاثه و الطّعام والدواء. وحتى حين يتوفّر العمل للمخلوق الاشتراكي في مرفق عمومي فإنه يعيشه كحقّ طبيعي يتيح له انتظار راتب كلّ شهرٍ ويعفيه من أيّ اجتهادٍ.
ربماّ نحتاج إلى إعطاء مفهومٍ جديدٍ للسّعادة للخروج من حالة الاحتباس التي نعيشها وإحداث القطيعة مع ثقافة المطالبة وما يصاحبها من مسكنة وعدوانيّة، وذلك بإسقاط الحاجات البدائيّة من اللائحة ورفع سقف مباهج العيش وربطها بالكدّ والاجتهاد والإبداع، كما يحصل في المجتمعات السعيدة حقاً ودونما ادعاء، ساعتها سيختفي الشاب الثلاثينيّ النّاقم وزوجته ودموعها والصحافيّة المتضامنة معهما وتتوقّف القناة الداعيّة للإحسان والمثيرة للأسى عن البثّ.
سليم بوفنداسة