السبت 21 ديسمبر 2024 الموافق لـ 19 جمادى الثانية 1446
Accueil Top Pub

لائحةُ السعادة

يُعدِّدُ الشاب الثلاثينيّ مطالبه بغضب أمام الكاميرا مستعرضاً أثاث البيت الذي لا يليق به ولا بزوجته الباكيّة، ولا تتردّد الصحافيّة في إظهار تأثّرها بالوضع الذي تصفه بالمزري ودعوة «الجهات المعنيّة» إلى التدخّل من أجل إسعاد هذه العائلة.
و تتلخّص أسباب السعادة في سكنٍ لائقٍ ووظيفةٍ ولا بأس من أثاثٍ يجود به المحسنون.
يؤمّن الشّاب الغضوب على اللائحة ويبتسمُ، أخيراً، دون أن يغفل التذكير بأنّ صبره قد نفد.
تعتقدُ الصحافيّة و يعتقد القائمون على البرنامج (إن وُجدوا) والمعنيّ بالأمر وزوجته التي يقطر وجهها حزناً والمشاهدون الكرام، أنّ توفير اللائحة من مهام «الجهات المعنيّة» والإشارة هنا ليست إلى الشمال أو الجنوب، بل إلى الدولة المدعوّة إلى توفير السّكن و»الطنجرة» والتلفاز والسرير لإسعاد المواطن.
تجتهدُ وسائلُ إعلامٍ وطنيّةٍ في تقديمِ نموذج المواطن الشحّاذ على مدار الأيام واللّيالي، إلى درجة توحي بأنّ «المُطالبة» أصبحت أسلوب عيشٍ للجزائريين الذين باتوا يجهرون بحاجتهم أمام الكاميرات دون حياءٍ تقتضيه الحال.
والحقّ أنّ هذا النموذج بدأ يظهر في الحياة نتيجة جدوى المطالبات في السابق، حيث أصبح الظهور الإعلامي أو قطع الطرقات أسلوباً مثمراً في سنوات الريع، يؤدي إلى تحصيل «السّعادة» للمواطن والسّلم الاجتماعي للدولة.
لذلك تبدو عمليّة إعادة تعريف المواطن والدولة صعبةً للغاية، لأنّ الأمر يتعلّق بثقافة ترسّخت لدى فردٍ ينمو كنباتٍ بريّ  في مجتمعٍ فهم الاشتراكيّة على أنها تحصيل ما تجود به الأرض دون أي جهدٍ، وأسقط العمل من أولوياته بل أنّه بات ينتظره كما ينتظر المناسبات السعيدة والأعياد دون أن يسعى إليه، وكذلك يفعل مع البيت وأثاثه و الطّعام والدواء. وحتى حين يتوفّر العمل للمخلوق الاشتراكي في مرفق عمومي فإنه يعيشه كحقّ طبيعي يتيح له انتظار راتب كلّ شهرٍ ويعفيه من أيّ اجتهادٍ.
ربماّ نحتاج إلى إعطاء مفهومٍ جديدٍ للسّعادة  للخروج من حالة الاحتباس التي نعيشها وإحداث القطيعة مع ثقافة المطالبة وما يصاحبها من مسكنة وعدوانيّة، وذلك بإسقاط الحاجات البدائيّة من اللائحة ورفع سقف مباهج العيش وربطها بالكدّ والاجتهاد والإبداع، كما يحصل في المجتمعات السعيدة حقاً ودونما ادعاء، ساعتها سيختفي الشاب الثلاثينيّ النّاقم وزوجته ودموعها  والصحافيّة المتضامنة معهما وتتوقّف القناة الداعيّة للإحسان والمثيرة للأسى عن البثّ.
سليم بوفنداسة

المزيد من الأعمدة

أبوابٌ ونوافذٌ

بيّنت الأحداث الأخيرة، التي استخدم فيها طرفٌ أجنبيٌّ، كاتبين جزائريين ضدّ بلدهم الأم، في حرب...

  • 09 ديسمبر 2024
صوتُ الحياة

شاخ الوقتُ حولها لكنّها ظلّت في مقتبل الصّبا تسقي الدهشة وتشيعها، لأنّ المنادي الذي نادى النّاس...

  • 25 نوفمبر 2024
المُنمركون !

يصعبُ توقّع ما ستكون عليه الحياة بعد سنوات قليلة، نتيجة التدخّل المفرط للتكنولوجيا فيها، الذي لا...

  • 18 نوفمبر 2024
لا تلوموا أسامة!

يطرحُ الإقبال "غير المتوقّع" على الكاتب السعودي أسامة المسلم في صالون الجزائر الدولي للكتاب،...

  • 11 نوفمبر 2024
«لأسبابٍ سياسيّة» !

قبل سويعات من الكشف عن الفائز بجائزة الغونكور، أمس، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ناشرٍ قوله، إن...

  • 04 نوفمبر 2024
الصّورة و النّص

عاش كاتب ياسين حياةً قليلة وبسيطة، عانى فيها من "سوء الفهم" و الأسطرة، فضلا عن الجدل الذي لم يفتر...

  • 28 أكتوير 2024
المُستريحون

تُخفي الفرحةُ بموت أحدٍ، حالة قهرٍ عاشها الفَرِحُ في وجود الرّاحل الذي حقّقت ميتتُه زوال غمٍّ،...

  • 21 أكتوير 2024
طفولــة

سليم بوفنداسة ينشغلُ عددٌ غير قليل من الجزائريين بنظرة الآخر التي تتحوّل إلى مصدر فخرٍ أو سبب...

  • 15 أكتوير 2024
ضرورة الفرز

سليم بوفنداسة لا يواجه الأدب الجزائري مشاكل في التلقي فحسب بل يواجه أيضًا مشاكل في الكتابة...

  • 01 أكتوير 2024
سُقــــوط

سليم بوفنداسة فرضت ثقافة السّوق التي تهيمن على عالمنا المعاصر نمطًا جديدًا من النّخب، تنتجه...

  • 24 سبتمبر 2024
حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
الفيلسوف متوحشا

أصاب الحراك الطلّابي في الغرب، الفيلسوف الفرنسي الصهيوني الهوى ألان فينكلكروت بالرّعب، إلى درجة...

  • 20 ماي 2024
الخروج من حُجرة الكتابة

خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو...

  • 06 ماي 2024
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com