أن تكون كاتباً أو مثقّفاً فإن ذلك لا يعني أن تكون جاهزاً لإصدار فتاوى في كلّ ما يحدث مستثمراً في الفنّ الذي تتقنه وقد لا تتقن سواه، خصوصاً حين يكون «ما يحدث» مرتبطاً بأجندات دوليّة تديرها قوى استخباراتيّة ودبلوماسيّة لأهدافٍ يعرفها المشتغلون في الحقول المعنيّة وتغيب خفاياها عن الجمهور الواسع وكتّاب الشّعر، وقد تتحوّل إلى جندي بدون رأس وأنت تشارك منشورات أو توقّع بيانات مجهولة المصدر أو تتضامن مع «أشقّاء» لا تعرفهم أو تؤيّد مواقف مشؤومة لدوّل طمعاً في شيء ما!
من حقّك أن تناضل من أجل الحريّة والديمقراطيّة في بلدك، بل من واجبك أن تفعل ذلك، ومن حقّك أن تناضل من أجل ما تشاء، لكن أن تدفعك نقمةٌ ما أو فشلٌ في تحصيل الأمنيات أو خطأ في تعريف الحريّة إلى الإشادة بمشاريع الاستعمار الجديد، أو تدفعك معارضة النّظام إلى تأييد خصوم بلدك، فتلك مسألة تستدعي إعادة تعريفك تعريفاً لا يسرّك!
قد يبدو سقوط كاتبٍ باحثٍ عن المجد في شرك «صنّاع النجوم» الباريسيين مفهوماً، حين يندفع للإشادة بإسرائيل وديمقراطيّتها وهجاء ضحاياها ولومهم على عدم الموت في صمتٍ احتراماً للجلاّد الديمقراطيّ الذي أقام واحته في الشّرق الأوسط، لكنّ الموقف ذاته يبدو عصيّاً على الفهم حين يصدر عن كاتبٍ مقيم في منطقة داخليّة في الجزائر، حيث لا يصيبه حتى كرم مآدب السّفارات والمراكز الثقافيّة الأجنبيّة.
بمعنى أنّ «التصهين» المأجور يبدو مفهوما، لكنّ «التصهين» المجانيّ يثير الحيرة، وينسحب الأمر على مؤيدي الممالك في حربها على الجمهوريات (أو ما تبقى منها) في المنطقة المسمّاة بالعربيّة، بالانخراط في بروباغوندا عن الديمقراطيّة وتحرير الشعوب من أنظمة قمعيّة، في وقت تحافظ فيه تلك الممالك على طابعها الأركائيكي ونظام حكمها العائلي وتعفي نفسها من نسائم الربيع الذي تصدّره عبر طائرات الشّحن والقنوات الفضائيّة وشيوخ الفتوى، ولا تظهر أيّ خجل وهي تدفع من مقدرات شعوبها للمحتّل الذي يحميها من الديمقراطيّة ذاتها.
من المحزن، حقاً، أن تفقد أمّة رؤوس بعض أبنائها»المتعلّمين» بالمجّان الذين يجاهرون بافتتانهم بالقوى الاستعماريّة ووكلائها المعتمدين، وهي التي كسبت حربها مع قوّة كبرى بسواعد أبناء غير متعلّمين.
سليم بوفنداسة