السبت 21 ديسمبر 2024 الموافق لـ 19 جمادى الثانية 1446
Accueil Top Pub

كراهيّةٌ وكُسكسٌ

أخذ خطاب «الكراهيّة» منحى مخيفاً في فضاءات التواصل الاجتماعيّ، و بات شتم الآخرين والتقليل من شأنهم سلوكاً طاغياً بين الجزائريين لا يسلم منه حتى الموتى الذين يتمّ توديع البعض منهم بعبارات صادمةٍ تحيل إلى إفلاسٍ أخلاقيّ.
وقد أغرت هذه الهواية المدمّرة بعض الكتّاب المعروفين الذين انخرطوا في جوقة السبّ والسخريّة من كلّ ما يتحرّك أمام أعينهم، طمعاً في مجدٍ افتراضيّ كاذبٍ تتيحه المتابعات والمشاركات على حساب المنجز الذي يفترض أن يصون صاحبه من السّقوط في مستنقع الغوغاء العبثيّ.
 ويحذّر مختصون في علم النّفس والطبّ العقلي من خطر العرض العلني المستمرّ لخطاب الكراهيّة، الذي قد يؤدي إلى تجريد الإنسان من التعاطف الطبيعيّ والتلقائيّ مع بني جنسه، ويوقظ مشاعر بدائيّة سحيقة مرتبطة بالخوف والتأهّب لردّ الاعتداء، وهي مشاعر تعيدنا بكلّ بساطة إلى الغابة.
و يزداد خطر الظاهرة حين تصدر عن مؤثّرين، سواء من صنّاع قرار أو مبدعين في مختلف المجالات يفترض أن يكونوا قدوة للجماهير الواسعة، في مجتمع يعاني من صدمات غير معالجة لحربين بشعتين لا تزال الذّات الجزائريّة تعاني من آثارهما، ويكشف ما نعيشه في السنتين الأخيرتين، عن حربٍ أخرى تجري بدون سلاحٍ مسّت هويّة ومكوّنات المجتمع بمناسبةِ محاولة جماعيّة لإصلاح الخلل في بناء الدولة الوطنيّة، دون أن يلفت ذلك اهتمام الدارسين، فيما هو معلوم،  رغم خطورة الظاهرة التي دفعت المشرّع إلى تجريم الفعل لأول مرة في الجزائر، وهو إجراء ضروريّ قد يكون له مفعوله حين تشاع ثقافة التقاضي في المجتمع والتي تعني الاحتكام إلى العدالة والامتناع عن ردّ سلوك سلبي بنظيره. لكن الأمر يقتضي، أيضاً، التدخّل العلمي عبر ملتقيات أو دراسات كما يحدث في دوّل أخرى عانت من الظاهرة، وواكبتها بفحص تصدى له علماء النّفس والاجتماع وفلاسفة ومختصون في الطبّ العقلي والأمراض العصبية ورجال قانون، فضلاً عن النقاش السيّاسي والإعلاميّ الذي لا يتوقّف، وانتهى الأمر بسنّ تشريعات صارمةٍ، في دوّل أوروبيّة، تجرّم الأقوال والأفعال في وقت لا يزال فيه النقاش محتدماً بالولايات المتحدة التي لا تجرّم هذا الخطاب بداعي حرية التعبير، لكن الدمار الهائل الذي أحدثه المقاول المغادر للبيت الأبيض لم يترك المختصين والفاعلين في الحياة العامّة محايدين أمام رئيس بلغ به الأمر حدّ وصف المهاجرين بالحيوانات.
وإذا كان لخطاب الكراهيّة ما «يبرّره» في مجتمعات متعدّدة الأعراق وتتضارب فيها المصالح الاقتصاديّة، فإنّ الأمر عندنا يبدو مثيراً للحيرة والتساؤل، حيث تكفي جملة عابرة لإثارته أو أغنيّة أو حديث جانبي عن كسكس كان يجمع الناس وصار يفرّقهم.
سليم بوفنداسة

المزيد من الأعمدة

أبوابٌ ونوافذٌ

بيّنت الأحداث الأخيرة، التي استخدم فيها طرفٌ أجنبيٌّ، كاتبين جزائريين ضدّ بلدهم الأم، في حرب...

  • 09 ديسمبر 2024
صوتُ الحياة

شاخ الوقتُ حولها لكنّها ظلّت في مقتبل الصّبا تسقي الدهشة وتشيعها، لأنّ المنادي الذي نادى النّاس...

  • 25 نوفمبر 2024
المُنمركون !

يصعبُ توقّع ما ستكون عليه الحياة بعد سنوات قليلة، نتيجة التدخّل المفرط للتكنولوجيا فيها، الذي لا...

  • 18 نوفمبر 2024
لا تلوموا أسامة!

يطرحُ الإقبال "غير المتوقّع" على الكاتب السعودي أسامة المسلم في صالون الجزائر الدولي للكتاب،...

  • 11 نوفمبر 2024
«لأسبابٍ سياسيّة» !

قبل سويعات من الكشف عن الفائز بجائزة الغونكور، أمس، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ناشرٍ قوله، إن...

  • 04 نوفمبر 2024
الصّورة و النّص

عاش كاتب ياسين حياةً قليلة وبسيطة، عانى فيها من "سوء الفهم" و الأسطرة، فضلا عن الجدل الذي لم يفتر...

  • 28 أكتوير 2024
المُستريحون

تُخفي الفرحةُ بموت أحدٍ، حالة قهرٍ عاشها الفَرِحُ في وجود الرّاحل الذي حقّقت ميتتُه زوال غمٍّ،...

  • 21 أكتوير 2024
طفولــة

سليم بوفنداسة ينشغلُ عددٌ غير قليل من الجزائريين بنظرة الآخر التي تتحوّل إلى مصدر فخرٍ أو سبب...

  • 15 أكتوير 2024
ضرورة الفرز

سليم بوفنداسة لا يواجه الأدب الجزائري مشاكل في التلقي فحسب بل يواجه أيضًا مشاكل في الكتابة...

  • 01 أكتوير 2024
سُقــــوط

سليم بوفنداسة فرضت ثقافة السّوق التي تهيمن على عالمنا المعاصر نمطًا جديدًا من النّخب، تنتجه...

  • 24 سبتمبر 2024
حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
الفيلسوف متوحشا

أصاب الحراك الطلّابي في الغرب، الفيلسوف الفرنسي الصهيوني الهوى ألان فينكلكروت بالرّعب، إلى درجة...

  • 20 ماي 2024
الخروج من حُجرة الكتابة

خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو...

  • 06 ماي 2024
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com