أخذ خطاب «الكراهيّة» منحى مخيفاً في فضاءات التواصل الاجتماعيّ، و بات شتم الآخرين والتقليل من شأنهم سلوكاً طاغياً بين الجزائريين لا يسلم منه حتى الموتى الذين يتمّ توديع البعض منهم بعبارات صادمةٍ تحيل إلى إفلاسٍ أخلاقيّ.
وقد أغرت هذه الهواية المدمّرة بعض الكتّاب المعروفين الذين انخرطوا في جوقة السبّ والسخريّة من كلّ ما يتحرّك أمام أعينهم، طمعاً في مجدٍ افتراضيّ كاذبٍ تتيحه المتابعات والمشاركات على حساب المنجز الذي يفترض أن يصون صاحبه من السّقوط في مستنقع الغوغاء العبثيّ.
ويحذّر مختصون في علم النّفس والطبّ العقلي من خطر العرض العلني المستمرّ لخطاب الكراهيّة، الذي قد يؤدي إلى تجريد الإنسان من التعاطف الطبيعيّ والتلقائيّ مع بني جنسه، ويوقظ مشاعر بدائيّة سحيقة مرتبطة بالخوف والتأهّب لردّ الاعتداء، وهي مشاعر تعيدنا بكلّ بساطة إلى الغابة.
و يزداد خطر الظاهرة حين تصدر عن مؤثّرين، سواء من صنّاع قرار أو مبدعين في مختلف المجالات يفترض أن يكونوا قدوة للجماهير الواسعة، في مجتمع يعاني من صدمات غير معالجة لحربين بشعتين لا تزال الذّات الجزائريّة تعاني من آثارهما، ويكشف ما نعيشه في السنتين الأخيرتين، عن حربٍ أخرى تجري بدون سلاحٍ مسّت هويّة ومكوّنات المجتمع بمناسبةِ محاولة جماعيّة لإصلاح الخلل في بناء الدولة الوطنيّة، دون أن يلفت ذلك اهتمام الدارسين، فيما هو معلوم، رغم خطورة الظاهرة التي دفعت المشرّع إلى تجريم الفعل لأول مرة في الجزائر، وهو إجراء ضروريّ قد يكون له مفعوله حين تشاع ثقافة التقاضي في المجتمع والتي تعني الاحتكام إلى العدالة والامتناع عن ردّ سلوك سلبي بنظيره. لكن الأمر يقتضي، أيضاً، التدخّل العلمي عبر ملتقيات أو دراسات كما يحدث في دوّل أخرى عانت من الظاهرة، وواكبتها بفحص تصدى له علماء النّفس والاجتماع وفلاسفة ومختصون في الطبّ العقلي والأمراض العصبية ورجال قانون، فضلاً عن النقاش السيّاسي والإعلاميّ الذي لا يتوقّف، وانتهى الأمر بسنّ تشريعات صارمةٍ، في دوّل أوروبيّة، تجرّم الأقوال والأفعال في وقت لا يزال فيه النقاش محتدماً بالولايات المتحدة التي لا تجرّم هذا الخطاب بداعي حرية التعبير، لكن الدمار الهائل الذي أحدثه المقاول المغادر للبيت الأبيض لم يترك المختصين والفاعلين في الحياة العامّة محايدين أمام رئيس بلغ به الأمر حدّ وصف المهاجرين بالحيوانات.
وإذا كان لخطاب الكراهيّة ما «يبرّره» في مجتمعات متعدّدة الأعراق وتتضارب فيها المصالح الاقتصاديّة، فإنّ الأمر عندنا يبدو مثيراً للحيرة والتساؤل، حيث تكفي جملة عابرة لإثارته أو أغنيّة أو حديث جانبي عن كسكس كان يجمع الناس وصار يفرّقهم.
سليم بوفنداسة