بلغت "الفرحةُ" بالتقارب مع إسرائيل في بلدان عربيّة مستويات كاريكاتوريّة، يمكن رصدها في منشورات "هادفة" على مواقع التواصل الاجتماعيّ أو في وسائل إعلام محليّة لم تكتشف خطاب التسامح فحسب، بل باتت تروّج لإنسانيّة إسرائيل كما هو الحال في قصّة طفل من بلدٍ مطبّعٍ استضافته جمعيّة في إسرائيل لإجراء عمليّة على القلب الذي حيّر داؤه الأطباء في بلده وكلّلت العمليّة بالنّجاح طبياً وصاحبها احتفاءٌ إنسانيٌّ بالمريض أفرح منابر متخصّصة في هجاء "الجيران"، فضلاً عن الإشارة إلى مكاسب آتيّة في الطّريق، بعد التّطبيع، حيث سيجري تلقيح الدوّل المطبّعة بالتكنولوجيا الإسرائيليّة المتطوّرة وحلّ مشاكلها الاقتصاديّة، وفق وصفةٍ صالحةٍ لكلّ الإبراهيميين إلا من أبى واستكبر.
وفي هذه الأجواء التي يسودها التسامح يتمّ إبراز أقليّات يهوديّة خرجت بطقوسها إلى العلن في بلدان عربيّة، بعد عقودٍ من السّريّة و القمع والحيف، وها هيّ، بفضل نسائم السّلام، تصلي وتمتدح الملوك في أغانٍ ارتجلت بالمناسبة !
ثمة اشتغال عميق على صورة الإسرائيلي الذي نجح عسكرياً في احتلال الأرض وتهجير الشعب، لكنّه انهزم أخلاقياً أمام الرأي العامّ العالمي، تتولاه مخابر متخصّصة وتلقي به إلى الفضاء الأزرق و وسائل الإعلام العربيّة التي أصبحت لا تتردّد في توجيه اللّوم للضحيّة الفلسطينيّة في ألطف الحالات، لأنّ الأمر بلغ أحياناً حدود التّسفيه وترديد أطروحة عدوّ الأمس حبيب اليوم، فيما بدأ يتسلّل خطاب البراغماتيّة والمصالح القُطريّة إلى خطاب "المثقّفين العرب" الذين كانوا إلى وقتٍ قريبٍ يؤمنون بمذهب إدوارد سعيد القائم على "مواجهة القوّة بخطاب الحقّ"، والرّجل بالمناسبة لم يكن معادياً لليهود بل للهيمنة والعدوان، واستطاع إحراج خصومه على مسرح الأفكار العالمي مثلما فعل محمود درويش على المستوى الجمالي و هو يصون الذاكرة ويستعيد حصان أبيه الذي تركه ليؤنس البيت ويحميه من الموت الذي يصيب البيوت إذا غاب سكّانها.
ويتعلّق الأمر هنا بمحاولة من الدولة العبريّة لاستثمار رمزي يحجب على الأقلّ الصورة القاتمة التي رسّخها قتل الأطفال ودهسهم وكسر عظامهم، وإلا ما الذي يدفعها إلى طلب سلامٍ ممّن لا يستطيعون تقويضه؟
ومثلما لا يمكن أن يحجب علاج طفل عربيّ جرائم قتل أترابه فإنّ التّطبيع لن يخرج الفقراء من الفقر ولا المتخلّفين من التخلّف، أما الغناء للطّغاة فلن يبرع فيه اليهود مهما حاولوا لأنّه صنيع لا يتفوّق فيه أحدٌ على أبناء العمومة!
سليم بوفنداسة