الخميس 19 سبتمبر 2024 الموافق لـ 15 ربيع الأول 1446
Accueil Top Pub

وصفةٌ إبراهيميّةٌ

بلغت "الفرحةُ" بالتقارب مع إسرائيل في بلدان عربيّة مستويات كاريكاتوريّة،  يمكن رصدها في منشورات "هادفة" على مواقع التواصل الاجتماعيّ أو في وسائل إعلام محليّة لم تكتشف خطاب التسامح فحسب، بل باتت تروّج لإنسانيّة إسرائيل كما هو الحال في قصّة طفل من بلدٍ مطبّعٍ استضافته جمعيّة في إسرائيل لإجراء عمليّة على القلب الذي حيّر داؤه الأطباء في بلده وكلّلت العمليّة بالنّجاح طبياً وصاحبها احتفاءٌ إنسانيٌّ بالمريض أفرح منابر متخصّصة في هجاء "الجيران"، فضلاً عن الإشارة إلى مكاسب آتيّة في الطّريق، بعد التّطبيع، حيث سيجري تلقيح الدوّل المطبّعة بالتكنولوجيا الإسرائيليّة المتطوّرة وحلّ مشاكلها الاقتصاديّة، وفق وصفةٍ صالحةٍ لكلّ الإبراهيميين إلا من أبى واستكبر.
وفي هذه الأجواء التي يسودها التسامح يتمّ إبراز أقليّات يهوديّة خرجت بطقوسها إلى العلن في بلدان عربيّة، بعد عقودٍ من السّريّة و القمع والحيف، وها هيّ، بفضل نسائم السّلام، تصلي وتمتدح الملوك في أغانٍ ارتجلت بالمناسبة !
ثمة اشتغال عميق على صورة الإسرائيلي الذي نجح عسكرياً في احتلال الأرض وتهجير الشعب، لكنّه انهزم أخلاقياً أمام الرأي العامّ العالمي، تتولاه مخابر متخصّصة وتلقي به إلى الفضاء الأزرق و وسائل الإعلام العربيّة التي أصبحت لا تتردّد في توجيه اللّوم للضحيّة الفلسطينيّة في ألطف الحالات، لأنّ الأمر بلغ أحياناً حدود التّسفيه وترديد أطروحة عدوّ الأمس حبيب اليوم، فيما بدأ يتسلّل خطاب البراغماتيّة والمصالح القُطريّة إلى خطاب "المثقّفين العرب"  الذين كانوا إلى وقتٍ قريبٍ يؤمنون بمذهب إدوارد سعيد القائم على "مواجهة القوّة بخطاب الحقّ"، والرّجل بالمناسبة لم يكن معادياً لليهود بل للهيمنة والعدوان، واستطاع إحراج خصومه على مسرح الأفكار العالمي مثلما فعل محمود درويش على المستوى الجمالي و هو يصون الذاكرة ويستعيد حصان أبيه الذي تركه ليؤنس البيت ويحميه من الموت الذي يصيب البيوت إذا غاب سكّانها.
ويتعلّق الأمر هنا بمحاولة من الدولة العبريّة لاستثمار رمزي يحجب على الأقلّ الصورة القاتمة التي رسّخها قتل الأطفال ودهسهم وكسر عظامهم، وإلا ما الذي يدفعها إلى طلب سلامٍ ممّن لا يستطيعون تقويضه؟
ومثلما لا يمكن أن يحجب علاج طفل عربيّ جرائم قتل أترابه فإنّ التّطبيع لن يخرج الفقراء من الفقر ولا المتخلّفين من التخلّف، أما الغناء للطّغاة فلن يبرع فيه اليهود مهما حاولوا لأنّه صنيع لا يتفوّق فيه أحدٌ على أبناء العمومة!
سليم بوفنداسة

المزيد من الأعمدة

حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
الفيلسوف متوحشا

أصاب الحراك الطلّابي في الغرب، الفيلسوف الفرنسي الصهيوني الهوى ألان فينكلكروت بالرّعب، إلى درجة...

  • 20 ماي 2024
الخروج من حُجرة الكتابة

خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو...

  • 06 ماي 2024
قطارُ الباطل

سلّطت الاحتجاجاتُ الطلابيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة الضوء على هيمنة اللّوبي الصهيوني على...

  • 29 أفريل 2024
صعلكة

  أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي...

  • 23 أفريل 2024
ضرورة التفكير في المجتمع

  سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا...

  • 16 أفريل 2024
المخفيّ

حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان...

  • 26 فبراير 2024
اختراق

شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة...

  • 19 فبراير 2024
خِفّـــة

يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي...

  • 12 فبراير 2024
وصفُ السّعادة!

تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في...

  • 05 فبراير 2024
القيمة والشّعار

يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك...

  • 01 جانفي 2024
كبارُ "الباعة"!

سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت...

  • 18 ديسمبر 2023
مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة...

  • 11 ديسمبر 2023
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com