الخميس 19 سبتمبر 2024 الموافق لـ 15 ربيع الأول 1446
Accueil Top Pub

«آيّــا بَرْكــانـــا»

ذهب حسين خمري إلى الموت بكتابين كان يريد مطالعتهما  إذا طال العلاجُ قليلاً، لم يطل العلاج لأنّ الموت جاء سريعاً. لم يعد إلى البيت. لم يعد إلى الحياة الهادئة التي عبرها على عجلٍ ونام في خميسٍ باردٍ وحزين بمقبرة زواغي غريباً، كما يليق برجلٍ خجولٍ وغير مبالٍ بالترتيبات التي تقتضيها الأحوال.
 لم ينتبه إلى قلّة من الأصدقاء وقفوا في انتظاره بباب الجبّانة. لم يلوّح لهم بيده ولم يلوّحوا. كانوا يستعيدون حياته القليلة ويقيسون الخسارة من مختلف الزّوايا، وكان يستعجل هجعةً بعد ليلة "بيضاء" قضاها في مستشفى ذهب إليه لقراءة كتابين واستنشاق ما يكفي من أوكسيجين للذّهاب إلى اليوم الموالي.
توارى بلا ضجيج أو جنازة، كما عاش في حياته "السّريّة" مستسلماً لهدير نصّها  من دون مقاومة وهو رجل العقل والمنهج. حماه الحياءُ الجليل ممّا أصاب غيره من الذين يسرفون في الإشارة إلى الذّات أو الذين تحوّلوا إلى "مستشرقين"  لمجرّد أنّهم درسوا لأشهرٍ معدودات في جامعاتٍ غربيّة أو الذين لا يكفّون عن هجاء الجغرافيا والشكوى من وجودهم في مكان لا يجري فيه تقدير حمولاتهم على النّحو الصّحيح.
ظلّ وفياً للبساطة وبعيداً عن الأضواء إلى درجة أنّ صوّره غير موجودة في الفضاء الأزرق الذي يعجّ بالصوّر والثرثرة، وحين يرسل مقالاته للنّشر، مثلاً، فإنّه يصفها بالمحاولات التي يترك للمرسل إليه أمر نشرها أو إهمالها في سلوك نادر في عالم الكتابة.
والغريب أنّ الرّجل المدجّج بأسلحة السيميولوجيا لم يتخلّص من دهشة الطّفل والشّاعر، إذ يجيبك بعبارته الأثيرة: "آيّا برْكانا" عندما تخبره بأمرٍ بسيط، كأنّه يدربّك من حيث لا تدري ولا يدري على تسبيق الشكّ على اليقين، و ظلّ يخفي خلف الوجه الصّارم الذي يتحدّث عنه طلبته وجهاً مرحاً يعرفه أصدقاؤه، وربما كانت تنقصه، كغيره من العلماء المنصرفين إلى علومهم، الحيلة الضروريّة للعيش في زماننا وفي فضاء جامعيّ له مقاييس غير مُنصفة في التقدير، ولعلّ ذلك ما جعل اختفاءه حدثاً عادياً لا يثير الاهتمام في جامعة قسنطينة.
حسناً، لن نصدّق غيّابك، مثلما لم تصدّقه طفلتك وهي تستوقف الطائرات على الضّفة الأخرى للمتوسّط لعلّها تلحق برائحتك، ولن نجد أبلغ من لغتك في الردّ على الغياب وخبره وعليك في هجعتك: آيّا برْكانا !
سليم بوفنداسة

المزيد من الأعمدة

حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
الفيلسوف متوحشا

أصاب الحراك الطلّابي في الغرب، الفيلسوف الفرنسي الصهيوني الهوى ألان فينكلكروت بالرّعب، إلى درجة...

  • 20 ماي 2024
الخروج من حُجرة الكتابة

خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو...

  • 06 ماي 2024
قطارُ الباطل

سلّطت الاحتجاجاتُ الطلابيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة الضوء على هيمنة اللّوبي الصهيوني على...

  • 29 أفريل 2024
صعلكة

  أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي...

  • 23 أفريل 2024
ضرورة التفكير في المجتمع

  سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا...

  • 16 أفريل 2024
المخفيّ

حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان...

  • 26 فبراير 2024
اختراق

شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة...

  • 19 فبراير 2024
خِفّـــة

يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي...

  • 12 فبراير 2024
وصفُ السّعادة!

تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في...

  • 05 فبراير 2024
القيمة والشّعار

يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك...

  • 01 جانفي 2024
كبارُ "الباعة"!

سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت...

  • 18 ديسمبر 2023
مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة...

  • 11 ديسمبر 2023
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com