نحتاجُ، في علاقتنا مع فرنسا، إلى الشّفاء من مرضٍ كامنٍ يدفعنا إلى مطالبة القاتل السّابق بتغيير عواطفه من النّقيض إلى النّقيض ويحيل إلى ولعٍ يخجلُ من تسميّة نفسه.
إذ ورغم وجاهة المطالب السيّاسيّة بالاعتراف بجرائم الحرب والاعتذار عنها، إلا أنّ هناك بعض العواطف التي تستدعي الإخماد وبعض الشّرايين التي تتطلّب القطع، إذا ما أردنا تعريف العلاقة التي تربطنا بهذا البلد على النّحو الصّحيح.
فرغم أنّنا، ما زلنا، إلى اليوم نحصي قتلانا الذين نعثر على عظامهم عند كلّ جرحٍ خفيفٍ للأرض وما زلنا نموت بسموم النفايات النووّية، ونصرّح علناً بأن القوّة الاستعماريّة السابقة تعمل على تطويقنا بحزام ناري بإثارة توتّرات على حدودنا ودعم جارٍ لا يحبّنا في محاولةٍ لتحجيم دور الجزائر في محيطها وإحداث ما يسمى بالتوازن الإستراتيجيّ مع خصوم مختلقين، إلا أنّنا نتطلّع في المقابل إلى اعتراف هذه القوة بأنّها أخطأت في حقّنا واعتذارها عن ذلك وكفّها عن إيذائنا، دون أن نطرح على الطاولة ما يدفعها إلى ذلك، بل إن أفعالنا تناقض الأقوال، أحيانًا ولا تخدمها على أرض الواقع، حيث ما زال «الأذكياء» من الجزائريين يدفعون أبناءهم إلى تعلّم الفرنسيّة كلغةٍ أمّ لأنّها لغة المال والحكم في البلد الأم، وما زال من يكتُب بالفرنسيّة يمرّ قبل غيره ومن ينطقُ بها أيضاً، في ناموسٍ غير معلنٍ لكنّه مطبّق بصرامةٍ دفعت بعض الذين يكتبون بالعربيّة، مثلاً، إلى تقمّص المعتدي، ويمكن أن تجد بين الجزائريين من ينادي علناً بحماية الفرنسيّة من خطر الإنجليزية ويخشى على مصالح هذا البلد من المدّ الصينيّ، وما زلنا نقتبس من التشريعات الفرنسيّة ونرزح تحت النموذج اليعقوبي الذي ضاق به أهله أنفسهم.
ونكاد نقترب من دائرة العبث في علاقتنا المضربة مع فرنسا، حين ننتظر تغيير نظرة أو توبة مجانيّة، أو أن يكتب مستفيدٌ من قانون «كريميو» تقريرًا في صالح الأهالي!
لا تعترفُ العلاقات الدوليّة التي تحتكمُ إلى قانون الغاب، بخطاب الحقّ ولا بالاستجداء و التوسّل والمطالب، لذلك فإنّ فرنسا ستذهب أبعد من الاعتذار والاعتراف حين تقتضي مصالحها ذلك، أي حين تصبح في حاجةٍ إلى ما نستطيعُ حرمانها منه.
سليم بوفنداسة