أعاد تقرير «ستورا» وضع الماضي الكولونيالي في الواجهة، ورغم أنّ الأمر يتعلّق بأرضيّة تفكير طلبتها الرئاسة الفرنسيّة للاستئناس بها في اتخاذ المواقف و القرارات، إلا أنّ أثر الوثيقة سيكون بكلّ تأكيد أكبر من النصّ الذي صاغه المؤرّخ لمّا وجد نفسه في حالة دفاعٍ، بعد أن اتهم بإغفال جرائم الاستعمار ووضع الضّحايا والجلّادين في نفس مواقع المسؤوليّة،حيث أطلق تصريحات ذكّر فيها بالكتب التي أصدرها عن الوقائع الاستعماريّة والتي لم يسبقه إليها أحدٌ، كما تبرّأ من تصريحات الرئاسة الفرنسيّة حول رفض الاعتذار والتّوبة بمناسبة تقديم التقرير.
وبغضّ النظر عن محتوى التقرير، الذي يجب التأكيد على أنّه صِيغَ من داخل المنظومة الكولونياليّة نفسها، وفق ما يمكن رصده من مراعاة مشاعر الجنود الذين خدموا في الجزائر أو المعمّرين الذين استولوا على أراضي الجزائريين واعتبروا خروجهم «انفصالا» عنيفا وتمزقاً، بل وكحقّ ضائع وأبعد من ذلك تبرير ضرورة المصالحة في خلاصة التقرير بمكانة الجزائر الإستراتيجيّة في حوض المتوسّط وإفريقيا والفرص التي تمنحها الشراكة بين البلدين في ضمان الأمن الطاقوي مستقبلاً ، بغضّ النظر عن كلّ ذلك فإن الحدث في حدّ ذاته يشكّل مناسبةً لاستدعاء الذاكرة من مختلف الجوانب، وفرصة لبعث المسكوت عنه في علاقة مُضطربة يصعب التجرّد من العواطف عند مقاربتها.
ويتعلّق الأمر بمعركة يجب أن نخوضها، ليس لانتزاع اعتذارٍ سيأتي في يوم ما، ولكنّ لإبراز الحقيقة وإحراج الخطاب الكولونيالي الذي شرع في تجديد نفسه في محاولة للتحايل على التاريخ والقفز على «المحاسبة» التي يقتضيها التصالح بين الشعوب والأمم، والتموقع في مناخ جيوستراتيجي يعيد إنتاج الاستعمار بأدوات جديدة تضمن هيمنةً ناعمة على مقدرات البلدان وإظهارها كمحميّة في مآدب القوى الكبرى التي لم تشف من نزعات السيطرة وهوس النّهب.
ونحتاج في ذلك إلى تفكيك هذا الخطاب النيوكولونيالي وتوفير اللّقاح المناسب له، بإنتاج خطاب مضادّ وتحضير وثائق الإدانة بعيداً عن الغضب غير الفعّال، من خلال كتابة ذات مصداقيّة لتاريخ نملك شواهده الحيّة بين أيدينا دون انتظار الوثائق التي يخفيها الجيش الفرنسي في خزائنه، وبانخراطٍ ذكيّ في النّقاش الفرنسيّ- الفرنسيّ الذي سيستعرُ حول هذا الملفّ في الاستحقاقات القادمة.
سليم بوفنداسة