وجّه الأستاذ عبد العالي مرداسي نقداً قاسياً وغير مسبوق لمحمد ديب "الهارب" من جزائريته لخوضِ مسيرةٍ فرنسيّةٍ في الأدب، وفق تقديره.
و لعلّها المرّة الأولى التي يصدر فيها "هجاء" من ناقدٍ يكتب بالفرنسيّة لكاتبٍ ظلّ لعقودٍ محاطاً بهالةٍ من التمجيد في اللّغتين يُقدّم فيها كناسكٍ أو كمنفيٍّ لم تَتسِع له البلاد واللّغة فاختار سطوحاً وهميّة ليبني عليها ممالكه.
يتساءل النّاقدُ في مقاله العنيف الذي نشره موقع Algérie54 عن مدى جزائرية ديب "صاحب المسيرة الأدبيّة الفرنسيّة" الذي لا يربطه أيّ رابطٍ مع ما يسميه "الفضاء الأدبيّ الوطنيّ الجزائريّ" و إلى أيّ حدٍّ كان شاهداً على الجزائر، الجزائر المستقلّة التي لم يعرفها ولم يعش فيها؟ جزائر يقول إنّه بات يزورها كسائحٍ لالتقاط الصّور. وسيبذل الكاتبُ جهداً كبيراً في رصدِ الهروب الكبير لمحمد ديب منذ بدايةً اشتغاله في صحيفة Alger républicain حيث ظهرت بوادر عدم التزامه وادخاره لجهده ونَفَسه للمسيرة الأدبيّة المنتظرة إلى جانب تقصيره الحزبيّ ويستنكر طريقة خروجه من الجريدة، حيث انسحب في صمتٍ وفضّل ألا يعود إلى قاعة تحريرها بعد عطلةٍ مرضيّة، ومروراً بهجرته إلى فرنسا، حيث لم يكن يُصاحب الجزائريين منذ أيامه الأولى في باريس وقبل ذلك زواجه من فرنسيّة.
ويذهبُ الكاتبُ بعيداً، حين يحمّل صاحب "هابيل" مسؤوليّة ظهور بوعلام صنصال وسليم باشي وكمال داود...ويتلخّص ذنب ديب في كونه حمل أدبه إلى باريس ونشر وفق القواعد التي تضعها دور النّشر الفرنسيّة أعمالاً أدبيّة موجّهة للقارئ الفرنسي تحت "رعاية" فرنسيّة ، فسارت على هديه أجيالٌ من الكتّابِ اختارت أن تولد أدبياً في باريس وليس في الجزائر. ويُفضّل مرداسي مالك حداد الذي عاد إلى الجزائر ليصمت على محمد ديب الذي بقي في فرنسا ليكتب، وفي ما يشبه الشماتة يقول إنه لم ينل، في نهاية المطاف، المجد الذي كان يستحقّه منجزه الرّهيب!
ومن دون أيّ مصادرة لحقّ الكاتب في إبداء وجهة نظره، يمكن القول إنّ طرحه كان يمكنُ أن يكون أكثـر وجاهةً لو أنّه قارب هجرة الكتّاب والأدب في سيّاقها التاريخي وفي إطار علاقة معقدّة مع المستعمر السابق وفي سيّاقها السوسيولوجي الذي يجعل من إصرار كاتبٍ على الكتابة في مجتمع لا يتعاطى الأدب ضرباً من الجنون.
ثمّ لماذا نحمّل الكاتب فوق ما يحتمل ونحاسبه بأدوات السيّاسة والدين؟ ولماذا نغفل عن معطى حريّة الكاتب وندعوه إلى الانتحار؟ ولماذا لا نكتفي في تقييم الكتّاب بأدبيّة أعمالهم و نجنح إلى التفتيش في مواقفهم عن دليل إدانة؟
لقد اختار محمد ديب أن يكون كاتباً فحسب يقيم في أرض الكتابة التي لا حدود ولا جغرافية لها ومنح العالم كلّ تلك الروائع، فماذا نريد أكثـر من ذلك؟
سليم بوفنداسة