السبت 21 ديسمبر 2024 الموافق لـ 19 جمادى الثانية 1446
Accueil Top Pub

لسانٌ تائهٌ

يتردّد اللّسانُ الجزائريُّ في مآدب الكلام ويتلعثمُ ويستجيرُ بألسنٍ «صديقة» في وصفِ الحال أو ترجمةِ مرادٍ أو تعبيرٍ عن لوعةٍ.

ثمة خجلٌ يعقده ومخاوفٌ من سوءِ تقديرٍ أشاعه الغزاة وقد نزلوا لقرونٍ أخذوا فيها ما جادت به الأرضُ، وحاولوا أيضا تطويع الإنسان كي يصير شبيهاً لسارقه.
رياحٌ كثيرة هبّت على هذه الأرض المضيافة وكلّما ربط غازٍ دابته تصرّف كصاحب الدار، وهكذا تلاقحت الألسنُ في نزالٍ ومطارحاتٍ يتركُ كلّ فيهما ما رطن بها لسانه من قدحٍ وتسميّات، فصارت لغتنا اليوميّة عامرةً بريشِ العابرين، لكن ثمّة خاصيّة نكاد ننفردُ بها، وهي أنّ لساننا كان مستهدفاً في غزواتٍ كثيرةٍ ، آخرها الاستعمار الفرنسيّ الذي جعل من اللّغة وسيلةً للهيمنة، متسبّباً في اضطرابٍ في الهويّة لم ينل حقّه من الدراسة، لأّن هذه اللّغة لازالت إلى يومنا لغة متسلّطة تمارسُ ما ارتضاه زارعها، ويذهبُ إليها طلّاب المجد والجاه والمال طوعاً.
و دون التقليل من أهميّة هذه اللّغة، لابد من الإشارة إلى ما تسبّبه من ارتباكٍ في الذات الجزائريّة، فإلى جانب كونها لغة الإدارة و المال، فهي لغة البارانويا أيضاً يدعيها حتى فاقدها ويبحث بين مفرداتها عما يُبهر به السّامع  أو يُرهبه في أروقة المُجادلات.
ورغم صمود العربيّة لقرونٍ في الديار، وحضورها شبه الطاغي في دارِجِ الكلام، إلا أنّها لا تزال غير مستأنسةٍ و مرتبطة بالدين والدّرس منعزلة في فصاحة يتهيّبها المتكلّم.
وحتى وإن بدت الدارجة فوضوية وغير مفهومةٍ، فإنّها تحتفظُ في جوانب منها بعبقرية خاصّة، تعكس نزوع الإنسان إلى اختراع لغة وظيفيّة يتدبّر بها أحواله، حين يستعصى عليه نيل لغةٍ أخرى.
ولا شكّ أن السينما والتلفزيون حملا لغاتٍ ولهجاتٍ، بل و أصابا ألسنةً في مواقع بعيدة من بينها لساننا، حيث تتموضع لهجات وافدة  مستغلّة  ضعف المنتوج المحليّ، بل إنّ تأثير المسلسلات وصل إلى دفاترنا العائليّة، إذ خطف نجومها أسماء أطفالنا على حساب أسمائنا منزوعة البريق.
والمؤكد أنّ ما هو عليه لساننا اليوم، نتيجة حتميّة لتاريخ طويلٍ من العذاب والمكابدات ومعارك البقاء، وحين تستقيمُ أمورنا ونمتلك أسباب القوّة سيفهمنا الذين لا يفهموننا الآن وفق ما تقتضيه قوانين غابتنا الكبيرة.
سليم بوفنداسة

المزيد من الأعمدة

أبوابٌ ونوافذٌ

بيّنت الأحداث الأخيرة، التي استخدم فيها طرفٌ أجنبيٌّ، كاتبين جزائريين ضدّ بلدهم الأم، في حرب...

  • 09 ديسمبر 2024
صوتُ الحياة

شاخ الوقتُ حولها لكنّها ظلّت في مقتبل الصّبا تسقي الدهشة وتشيعها، لأنّ المنادي الذي نادى النّاس...

  • 25 نوفمبر 2024
المُنمركون !

يصعبُ توقّع ما ستكون عليه الحياة بعد سنوات قليلة، نتيجة التدخّل المفرط للتكنولوجيا فيها، الذي لا...

  • 18 نوفمبر 2024
لا تلوموا أسامة!

يطرحُ الإقبال "غير المتوقّع" على الكاتب السعودي أسامة المسلم في صالون الجزائر الدولي للكتاب،...

  • 11 نوفمبر 2024
«لأسبابٍ سياسيّة» !

قبل سويعات من الكشف عن الفائز بجائزة الغونكور، أمس، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ناشرٍ قوله، إن...

  • 04 نوفمبر 2024
الصّورة و النّص

عاش كاتب ياسين حياةً قليلة وبسيطة، عانى فيها من "سوء الفهم" و الأسطرة، فضلا عن الجدل الذي لم يفتر...

  • 28 أكتوير 2024
المُستريحون

تُخفي الفرحةُ بموت أحدٍ، حالة قهرٍ عاشها الفَرِحُ في وجود الرّاحل الذي حقّقت ميتتُه زوال غمٍّ،...

  • 21 أكتوير 2024
طفولــة

سليم بوفنداسة ينشغلُ عددٌ غير قليل من الجزائريين بنظرة الآخر التي تتحوّل إلى مصدر فخرٍ أو سبب...

  • 15 أكتوير 2024
ضرورة الفرز

سليم بوفنداسة لا يواجه الأدب الجزائري مشاكل في التلقي فحسب بل يواجه أيضًا مشاكل في الكتابة...

  • 01 أكتوير 2024
سُقــــوط

سليم بوفنداسة فرضت ثقافة السّوق التي تهيمن على عالمنا المعاصر نمطًا جديدًا من النّخب، تنتجه...

  • 24 سبتمبر 2024
حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
الفيلسوف متوحشا

أصاب الحراك الطلّابي في الغرب، الفيلسوف الفرنسي الصهيوني الهوى ألان فينكلكروت بالرّعب، إلى درجة...

  • 20 ماي 2024
الخروج من حُجرة الكتابة

خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو...

  • 06 ماي 2024
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com