خاب أملُ أصدقاء الأرض، مرّة أخرى، لأنّ الفرصة التي مُنحت في قمّة "غلاسكو" للخروج من "عصر الفحم" لم يتمّ استغلالها، ونجح أنصار الطاقات غير النّظيفة في فرضِ مصطلحات على البيان الختامي تُطيل عمر طعامهم الأسود على حساب سلامة كوكبنا الصّغير الذي يتعرّض لتخريبٍ مُمنهج، حيث أبقى استبدال "التخلّص التدريجي" بـ "التخفيض التدريجي" على الفحم لمزيد من الوقت في حياتنا، تحت إلحاح بلدان تُسبّق مصالح البيْتِ الصّغير على مستقبل البيْتِ الكبير.
ولا تحجبُ الخيبةُ هنا، المكاسبَ المحقّقة وفي مقدمتها اقتناع صنّاع القرار في الدوّل المتقدّمة بضرورة التخلّص من الوقود الأحفوري، والذي يُترجَم في الالتزام بتخفيض التمويلات المُوجّهة لمشاريع الطّاقة الملعونة وتشجيع الطاقات النّظيفة، حتى وإن كانت الحاجة هي المحفّز الأول لهذا التوجّه، وليس النّضال من أجل الأرض الذي تبنّاه فلاسفةٌ وخاضته مُنظمات غير حكوميّة وقفت في وجه الشّركات الشّرهة التي أتت على كلّ ما هو أخضر في حياتنا، بل والتهمت الإنسان نفسه وحوّلته إلى مجرّد محصّل للمال في سوق الكون الذي فرض شريعته على العصر.
في الاقتصاد كما في السيّاسة و الاجتماع يمكن أنّ يفرض "الفحّامون" منطقهم، لأنّهم يُديرون عجلة يصعب إيقافُها، ربّما لأنّهم يواجهون مشكلة مع "النّظافة" لا يمكن تفسيرها خارج جداول التحليل النّفسي، التي تربط السّخاء والعطاء والاستحواذ والبخل بالتدرّب على النّظافة في بداية عمر الإنسيّ، ويمكنُ تفسير وحشيّته في التعاملِ مع غيره ومع محيطه على ضوئها أيضاً.
والطريف في القصّة أنّ العلم يثبتُ اليوم صحّة معتقدات ساذجة تربطُ بين ظواهر طبيعيّة متطرّفة وسوء تصرّف الإنسان الجالب للّعنة، فما نعيشه من جفافٍ وفيضانات وحرارة، ليس في نهاية المطاف سوى نتيجة لممارسات ذوي القلوب السوداء والنوايا السّيئة الذين نكّلوا بأمّنا وتسبّبوا في ارتفاع ضغطها و ارتفاع درجة حرارتها و ضعف قدرتها على الصّبر والتحمّل، فانفجر غضبها الذي شمل جميع الأبناء، حتى غير المذنبين.
و تنطبقُ الحال على حقول الاجتماع أيضاً، فكلّما وقع احتباسٌ وبرزت مؤشرات حمراء، فتّش عن "الأحفوريِّ" الذي يتمرّغ في الفحم ويُناهض الطاقات النظيفة!
سليم بوفنداسة