السبت 21 ديسمبر 2024 الموافق لـ 19 جمادى الثانية 1446
Accueil Top Pub

المقاومُ الأخير

غاب سماح إدريس في ظرفٍ ازدادت فيه الحاجةُ إليه كمقاومٍ بالثّقافة في جغرافيّةٍ مريضةٍ بأهلها وبتكالبِ الاستعمار الجديدِ وخدمه عليها، وفي لغةٍ منكوبةٍ بالفقر والهجر وسوء الاستخدام.

أخذه السّرطانُ فجأةً ليترك مشاريعه مفتوحةً، ويترك فلسطين "يتيمةً" في مُحيط من الخيّانات، وقد عشنا ورأينا أكاديميين عرب يهلّلون للتطبيع ويبشّرون بثماره من طائرات "الدرون" التي تقتل أشقاءهم إلى التفوّقِ الاستراتيجيِّ الذي يضمن بقاء عروش جلاديهم لقرونٍ أُخر!  
كلّ ذلك أمام صمت النّخب التي رعت في سالف العصر والأوان أحلام المصير المشترك الكاذبة.
حمل سماح إدريس همّ والده سهيل إدريس  فأبقى مجلة "الآداب" على قيد الحياة  بخطّها الرّافض للأمر الواقع، وزاد عليه نضالاً  فخرج إلى السّاحة مناهضاً لإسرائيل داعيا إلى مقاطعتها.  واهتم بأجيال المستقبل من خلال تخصيص نتاجه القصصي للأطفال.
لم يتعب من النّضال ولم يخرج من اليسار حتى حين فقد اليسار شماله في بلاد العرب و سكن اليساريون طابق أمراء الحرب ولصوص الأنظمة. لم يستسلم في زمن الاستسلام والخنوع والسقوط و اختار الطريق الصّعب وكان بإمكانه الاطمئنان في رفاهيّة مُتاحة.
ينبّهنا موت هذا الكاتب إلى ما فعلته مؤسّسة "الآداب" في حياتنا، بإصداراتها وترجماتها التي حملت إلى العربيّة أنفاس أهمّ كتّاب العالم، وقبل ذلك كان صاحبُها قد جعل من حياته حطباً لتجربةٍ روائيّةٍ مثيرةٍ قبل أن يُلقي بالسيرة عاريّة في ثقافة تُناهض الاعتراف وتكتم الحقيقة. وقد صمدت الدارُ التي بُنيّت في بداية الأمر بإرادة كاتبٍ وزوجته الكاتبة، ويروي الراحل سماح في مقال عن أمّه عايدة مطرجي إدريس، كيف كان يستيقظُ وهو صغير على صوتي والديه وهما يدقّقان مادة المجلّة أو الكتب التي ستنشرها الدار التي اتسعت للأبناء بعد ذلك، بل وصارت بيتا لكتّاب العربيّة الذين لم تتّسع أوطانهم الشّاسعة لكلماتهم.
و تُقدّم هذه التجربة درساً في العمل الثقافي واسع التأثير، في بلدٍ صغيرٍ لا ثروة له سوى عبقريّة أبنائه. ويؤكد نجاحها أنّ الإصرار على "القيمة" ورعايتها قد يُثمر في نهاية المطاف حتى وإن كان الزّرعُ في صحراء قاحلة.
سليم بوفنداسة

المزيد من الأعمدة

أبوابٌ ونوافذٌ

بيّنت الأحداث الأخيرة، التي استخدم فيها طرفٌ أجنبيٌّ، كاتبين جزائريين ضدّ بلدهم الأم، في حرب...

  • 09 ديسمبر 2024
صوتُ الحياة

شاخ الوقتُ حولها لكنّها ظلّت في مقتبل الصّبا تسقي الدهشة وتشيعها، لأنّ المنادي الذي نادى النّاس...

  • 25 نوفمبر 2024
المُنمركون !

يصعبُ توقّع ما ستكون عليه الحياة بعد سنوات قليلة، نتيجة التدخّل المفرط للتكنولوجيا فيها، الذي لا...

  • 18 نوفمبر 2024
لا تلوموا أسامة!

يطرحُ الإقبال "غير المتوقّع" على الكاتب السعودي أسامة المسلم في صالون الجزائر الدولي للكتاب،...

  • 11 نوفمبر 2024
«لأسبابٍ سياسيّة» !

قبل سويعات من الكشف عن الفائز بجائزة الغونكور، أمس، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ناشرٍ قوله، إن...

  • 04 نوفمبر 2024
الصّورة و النّص

عاش كاتب ياسين حياةً قليلة وبسيطة، عانى فيها من "سوء الفهم" و الأسطرة، فضلا عن الجدل الذي لم يفتر...

  • 28 أكتوير 2024
المُستريحون

تُخفي الفرحةُ بموت أحدٍ، حالة قهرٍ عاشها الفَرِحُ في وجود الرّاحل الذي حقّقت ميتتُه زوال غمٍّ،...

  • 21 أكتوير 2024
طفولــة

سليم بوفنداسة ينشغلُ عددٌ غير قليل من الجزائريين بنظرة الآخر التي تتحوّل إلى مصدر فخرٍ أو سبب...

  • 15 أكتوير 2024
ضرورة الفرز

سليم بوفنداسة لا يواجه الأدب الجزائري مشاكل في التلقي فحسب بل يواجه أيضًا مشاكل في الكتابة...

  • 01 أكتوير 2024
سُقــــوط

سليم بوفنداسة فرضت ثقافة السّوق التي تهيمن على عالمنا المعاصر نمطًا جديدًا من النّخب، تنتجه...

  • 24 سبتمبر 2024
حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
الفيلسوف متوحشا

أصاب الحراك الطلّابي في الغرب، الفيلسوف الفرنسي الصهيوني الهوى ألان فينكلكروت بالرّعب، إلى درجة...

  • 20 ماي 2024
الخروج من حُجرة الكتابة

خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو...

  • 06 ماي 2024
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com