قد يُفسد اللّسانُ ما صنعَ الكعبُ، لذلك يُنصح بالصمّت في مواضع كثيرة للكلام، حماية للنّاطق من حوافر حصانه وحماية للّغة من استخدامٍ خارج وظيفتها.
يعرف علماء اللّسان تخبّطنا بين اللّغات الأولى واللّغات التي حملها الغزاة مع سيوفهم ومدافعهم قبل ظهور القواميس ومدارس تعليم اللّغات بأجر معلوم، و يعرفون نزاع اللّغات على ألسنتنا المُؤجرة، غير أن استخدامنا للّغة يشير إلى خللٍ ما في “التركيب”، بحيث تبدو “الصورة” غير مطابقةٍ للصوت في أغلب الأحيان!
و كثيرا ما تتضرّر الصورة مباشرة بعد مزْج الصوت، ويسبّب ذلك خيبة للأذن والعين معاً فنتمنى لو ظلّت الصورة محميّة في الصّمت، حمّال الأوجه الكريمة، كي يبقى الرمز رمزًا حتى يختفي. حدث ذلك مع وجوهٍ تاريخيةٍ غذّت الأساطير لعقودٍ، وحين نطقت هدّمت منجزَ الصّمتِ، وكذلك يفعل بأنفسهم كتّاب في خروجهم من تمرين الكتابة إلى تمرين الكلام، وكذلك يفعل ساسة ورياضيون و مترشحون لمسابقات غناءٍ أو مجالس منتخبة وقعوا في كمائن كاميرات وتمّ إجبارهم على الحديث، ولعلّ أقسى الأمثلة والحالات ما يتداوله صيّادو الوضعيات من فيديوهات متسابقات على تاج الجمال منزوعات اللّغة، يختبرهن مُمتحنون يعانون من المحنة ذاتها، فيسأل – مثلا- أحدهم إحداهن: «ما هي صلاحيات المرأة في المجتمع»؟ لا تهمّ الأجوبة بعد ذلك، لأنها تحيل في نهاية المطاف، إلى نكسة الجسد الجميل، الذي هو حاصل عبور جينات للزمن، في استخدامه لمنطوقات يجري تلقينها بأساليب مُجحفة أو مُغرضة أو غير لائقة أو غير ناجعة، فتبدو الصورة مختلّة وغير متجانسة بعد مزج ما قدمته الطبيعة مع ما تدبّره الإنسان بغرض الإشارة إلى بقية الكائنات والموجودات باستخدام الهواء.
ومن أقسى الحالات أيضا، فيديو الرجل الغاضب يدعو رجلا غير مرئي إلى الصّمت، ترجمة لاستبداد المتكلّم، الذي تجاريه الصّورة وقد أبرزت الغاضب و أغفلت المغضوب عنه، فيتحوّل الكلام إلى أداة قوّة في تبارٍ غير متكافئ، قبل أن يحيل إلى الخلل ذاته، خلل في «الميكساج» بين صورة المتكلّم المُؤسطرة والكلام الذي لا يناسبها.
ملاحظة: ليت أن ماجر تجنّب مزج الكلام بصورته في «غضبته» على معمّر، ليتنا نهتدي إلى تجاوز معضلة عدم تطابق الصورة مع الصوت!
سليم بوفنداسة