يستعيض المغرّد عن السيف بالكلمات الجارحة مسخّرا شبكات التواصل الاجتماعي في “غزواته”، حتى تحوّل الفضاء الأزرق إلى ساحة قتال باسم الدّين أو باسم الوطن أو باسم الهويّة.
و لم تتأخرّ « نخبٌ» في الانخراط في حروب تُشعلها الغوغاء ويستغلّها السّاسة لحجب المشاكل الجوهريّة في ممارسة باتت مألوفة في بلاد العرب وما جاورها.
فحين لا يتردّد كاتبٌ في شتم شعوب أو إثنيّات أخرى، وحين يروّج أخٌ له في الممارسة خطابا تكفيريا أو عنصريا، فإن المسألة تحتاج إلى نقاشٍ جاد بين النّخب التي لم تفقد “العقل” بعد و في وسائل الإعلام التي لم تفرّط في صفتها ومهمّتها، لأن ازدهار الشّتيمة والتقليل من شأن الآخر و إهانته ظاهرة تحيل إلى مأزق في العيش والتعايش، وتحتاج إلى إبرازٍ ومُعالجةٍ لأن الأمر يتعلّق باستخدام سلاح خفيف في تسويّة مشكلات صغيرة، قد يتطوّر إلى استخدام سلاح أثقل مع تعقّد المشكلات، أي أنه يتجاوز اللّغة بوصفها أداة تعبير إلى بنية تشكّلت في مختلف عصور الاستبداد، فالمغرّد الذي لا يملك من أدوات التسلّط سوى أصابعه يتقمّص نماذج جاهزة من المعتدين الكامنين في لاوعيه أو الظاهرين في حياته أو على الشّاشات، فيطلق رصاصه المكتوب على أعداء متخيّلين من خصوم الدين والوطن والهويّة في لعبة أشبه ما تكون بالألعاب الحربية التي يمارسها الأطفال، وقد يختلف رصاصه عن الرّصاص المطّاطيّ أو الرّصاص الحيّ، لكنه يلتقي مع الرّصاصين في المقاصد.
هذا المرض يحتاج إلى علاج جماعي يتطلّب الحريّة التي تجرّد “المعتدي” من الحصانة وتعيد النظر في تعريفه في قواميس الوجاهة وفي الحقول الرمزيّة، ويتطلّب المرور من “الحالة الاستعمارية وما تلاها” في حياة الشعوب إلى مرحلة الدولة الحديثة التي يصبح الفرد فيها مواطنا يؤمن بالقوانين التي تسري على الجميع ويحتكم إليها ولا يحتاج في تدبير شؤونه ومعاشه إلى التذكير بقبيلته أو سلالته الكريمة أو التربة التي مشى عليها أوّل مرّة، ولا يحتاج إلى “القفز” على الحواجز والأسوار والممنوعات، لأن هذه “الرياضة” تنتمي إلى المراحل البدائية التي سبقت مرحلة الدولة.
ملاحظـــة
لا يعبّر المغرّد الجارح عن حالة خاصّة بقدر ما يدلّ على قوم ينشدون الخلاص من سجن الشراسة.