يؤشر التنابزُ بالأعراق على شبكات التواصل الاجتماعي إلى إخفاق في الانتساب إلى «العصر الحديث»، أي في تكريس قيّم المواطنة التي تتسامى على الهوّيات دون أن تنكرها، وتمنح المواطن نسباً إلى الدولة التي تحتكمُ إلى القانون في إدارة الحياة العامّة وتعتمدُ الاستحقاق كمقياسٍ وحيدٍ في نيل الوظائف والتقدير و تحصيل ما “يجوز” تحصيله، وتضرب اليد التي تمتدُّ إلى السّلال أو تحاول الاستئثار بالغلال، أي تجعل فرص النجاح متكافئة بين جميع الأفراد وتسهر على احترام قواعد اللّعبة.
و عادةً ما يكون التمركزُ حول الدين أو العرق جواباً على صعوبةٍ في ارتداء ثوب المواطنة في البلدان قيد البناء أو التي تواجه مشقّةً في تجسيد الديمقراطية، فيلتبس مطلب الحريّة بمطالب أخرى ويفقد “وجاهته” وهو يستجير باليقين الديني أو ببوق القبيلة.
و إذا كانت النّخب الجزائرية قد تصدّت للخطاب الديني بالنقد بوصفه خطاباً ماضويًا منغلقاً، فإنها أنزلت خطابات الهوّية والعرق منزلة المقدّس، في بعض الأحيان، ما يستدعي الانتباه، لأنّنا قد ندخل حقل العنصريّة البغيض ونحن نعلي من شأن عرقٍ أو نقلّل من شأن آخر، كما يفعل كثيرون في أيامنا هذه.
يحتاج المواطن أن يكون مواطناً، وبعد ذلك تتحقّق له مختلف الإشباعات، في التعبير وفي العيش الكريم أيضاً، دون أن يعتمد على الجهة أو القبيلة و دونما حاجة إلى «الاعتداء» على الآخرين بالكلام أو بالحجارة أو ... بالسّلاح، لأن الفضاء يتّسع للجميع متى تحقّق الشّرط المذكور، ولأن التعدّد لن يكون مشكلةً في هذه الحالة، وبإمكاننا رصد التجارب الإنسانية على شاشة التاريخ والوقوف على النماذج التي مكّنت من بناء دوّل عظيمة والمغامرات التي انتهت بالحروب والخراب.
تمرض الشعوب والأمم تماما كما يمرض الأفراد، وقد تلجأ إلى باعة الأعشاب وباعة الأوهام و تغفل عن العلاج الضروري للشفاء.
وقد يكون “النكوص” إلى مراحل سحيقة من أمراض الشعوب أيضا، والهارب إلى التاريخ يواجه بالضرورة مشكلة في الذهاب إلى المستقبل، قد تكون حجرا في الحذاء وقد تكون جدارا في الأفق.
لذلك تحتاج الشعوب إلى نخب تفتح المعابر في الوقت المناسب، من موقعها كمنتج نزيه للأفكار وكمطبّق، أبيض اليد، لها.