قد تُرى قطرة منه و تشغل الناس و لا تُذكر الأنهار. ثمّة دم غالٍ ودم لا أحد يسأل عن سعره في بورصة التقدير، هكذا جرى العرفٌ مذ أثبت جدُّ الغربان أنه أرحم بالإنسان من أخيه الذي ألقى به في العراء دون أن يداري سوءته، ومنذُ اخترع الخائفون القربان لإسكات شهوة الأذى في جسد الغيب، إلى يومك السعيد هذا!
جرى دمُ رونالدو و"تقاسمه" الملايين، بين متأسفٍّ وشامتٍ في النّجم المعتدّ وساخرٍ من هوسٍ دفعه لمعاينة الجرح في هاتف الطبيب. جرى دمه في الشّاشات الكبيرة والصغيرة. جرى في الصّحف. جرى في الكلام. جرى في كلّ اللّغات.
ثلاث غرزات سيتولى جرّاحون مهرة محوها كي تبقى قيمةُ الوجهِ ثابتةً في السوق (رغم تراجع الأداء) و يبقى الوجه مطابقا للوجوه الشقيقة في تماثيل الشّمع والبرونز. وقد تتحوّل الدقيقة الرابعة بعد الثمانين التي أصيب فيها إلى “ذكرى” تقفُ فيها الجماهيرُ احتراما للدم “المسفوك”.
ترتفعُ قيمة الدم كما ترتفع قيمة حذاءٍ أو قفّازٍ أو قميصٍ، بحسب قيمة صاحب الدم أو القميص، منذ حوّل تجار العصر "الفيتيشية" إلى أسلوبٍ في التسويق تجعل “الزبون” يتقمّص نجمه و هو في الشقاوة ينعم هناك في قريةٍ منسيّةٍ أو في بلادٍ لا ينزل النعيم في قواميسها، في تمثّل كاذبٍ للمجد هو عزاء مدركٍ بأن المجد لن يصيبه أبدا.
قد تكون “النجوم” ذاتها مجرّد أحصنةٍ في سباقٍ يكسب فيه منظّموه مهما كان الخاسر، هكذا شاء “السوق” السيّد وشاءت الجماهير حارسة «الأيقونات» بشراء التذاكر و الأغراض أو التصفيق و الهتاف، أو بالنّقر إعجاباً وذلك أضعف الإيمان.
صنع دمُ رونالدو الحدث في الساعات الأخيرة، لكن الدماء التي تسيل في العالم لا تُرى، دماء الأطفال التي يسفكها تجار السلاح والنّفط وسماسرة الخرائط والمنقّبون عن الثـروات في أجساد الشعوب والمتمسكون بالماضي والديكتاتوريون وناشرو الحريّة والمبشّرون بأمل مشكوك في اكتماله، لأن قطرة دم في جبين نجم تعادل أنهار الدم التي تجود بها شعوب فائضة عن حاجة العالم، ولأن الجثث الصغيرة و المجهولة لا تبيع القمصان والصّحف.