يقتل أحدهم ابنه ويحرق جثّته ويذهب لصلاة الفجر، ويقول للمحقّقين بعد ذلك إنه نفّذ ما أُمر به، في تكرار واضح لقصّة النبيّ الذي شرع في ذبح ابنه لأنه رأى ذلك في المنام.
و لأن الذّبح العظيم الذي افتديّ به الطّفل الأوّل، لم يتوفر في القصّة الثانيّة فقد قُتل طفل في حادثةٍ مروّعةٍ ، لكن الجيران قدموا شهادات عن “ورع” الأب القاتل ومواظبته على الصلاة في المسجد، في سلوك يعزّز روايته للمقتلة.
الحادثة ليست الأولى أو الأخيرة في مجتمعٍ تعايش مع فعل القتل حتى ألفه، وتعايش مع الخرافة حتى صدّقها وناصب العلمَ العداء. فكيف يُعقل أن يبلغ “مريضٌ” درجة قتل ابنه دون أن يُعالج، بل ويغذي الخرافة حتى بعد المأساة، فتشيد الصحافة بتديّنه وهو يقطع تحقيق المحقّقين بالوضوء والصلاة، و تذهب صحفٌ إلى حدّ إسقاط المرض عنه استنادًا إلى خبرةٍ سريعةٍ مسنودة إلى ضميرٍ مستترٍ؟
يحذّر الخبراءُ، منذ سنواتٍ طويلةٍ، من انتشار الأمراض النفسيّة والعقليّة في المجتمع الجزائري، خصوصًا في مرحلة ما بعد الإرهاب، نتيجة الصدمات غير المعالجة وتغيّر نمط العيش الذي لم يرافق في عمليات التنشئة، وعوض أن يُطرح الملفُّ للنقاش بصورةٍ جديّةٍ وتُسطّر سياسات صحّة لمواجهة الظاهرة، انتشرت الشّعوذة وساهمت وسائل الإعلام الحديثة في خدمتها بشكلٍ مشؤومٍ وسافرٍ.
و النتيجة، هي هدر طاقةٍ بشريّةٍ هائلةٍ وتوسّع دائرة “الوباء” الصّامت في المجتمع و في مواقع حسّاسة كالتعليم والصّحة وحتى في الصحافة التي تعدّ مهنة مستقطبة للأنبيّاء!
ويمكن لصاحب علوم قليلةٍ أن يرصد يوميا في الفضاءات العامّة ومواقع الخدمات حالات مرضيّة تتطلّب العلاج الذي لا ينفع معه التأجيل، غير أن الضحايا يواصلون حياتهم بل ويشيعون جوًا “سايكوباتيًا» مرِحًا في محيطهم، يضطرّ الذين لم تسقط “كرتهم البلّورية” بعد إلى التكيّف معه.
والغريب أن طبّ العمل مازال يكتفي بالبحث عن السكري والضّغط الدموي، ولا يتوقف عند حالات الاكتئاب والانهيار العصبي و الشيزوفرينيا، فيما تدعو حملات تقوم بها وزارة الصحة وجمعيات مهنيّة ومدنيّة إلى الكشف المبكّر عن أمراض السرطان والقلب والشرايين ولا يلتفت أحدٌ إلى أمراضٍ خطيرةٍ يدمّر المصابون بها محيطهم، كما هو حال المصابين “بالنبوّة”.