تعوّد كتّاب المغرب العربي على تجنّب الخوض في الخلافات السياسيّة القطرية في خطاباتهم خارج النص، احترامًا لما يجمعهم وصونًا لمكانة المثقّف، الذي «يتفادى» السيّاسي ولا يُجاريه.
لكن الطاهر بن جلون المعروف بالتزلّف للمؤسسة الفرنسية ولدوائر صناعة القرار وإطلاق البالونات والنجوم، لم يخرج عن التقليد فحسب، بل بلغ، أخيرا، من الإسفاف والغوغائية درجةً تثير الاستغراب وهو يكتب لقرائه: «يجب أن تمتلك أعصابًا صلبةً لتستمرّ في احترام الشعب الجزائري”!
وسبب هذا الاستنتاج القاسي أن هذا الشعب ضحيّة «نظامٍ عسكريّ يعيش على كليشيهات الستينيات»، عكس حكّام المملكة السعيدة، الذين سبقوا عصرهم وأوانهم ووفروا الرّفاه لشعبهم والمشكلة الوحيدة التي تواجههم، في تقدير سي الطاهر، هي «حقد وغيرة» الجزائريين!
ولا بأس أن يبحث الكاتب «هجّاء العنصريّة» في جذور هذا الحقد الذي يعود إلى شبابه (فهو مركز التاريخ) في السنوات الأولى للاستقلال، حين اندلعت «حرب الرمال» التي لم تكن سوى ردّ اضطراري مغربي على «الاستفزازات المتكرّرة لجيش بن بلة»، ليتشكّل بعد الانقلاب عليه «الحقد الممنهج على المملكة».
الكاتب الذي قرّر أن يحرمنا من احترامه يعيش في بلدٍ غربيّ، و يفترض أن يتدرّب على «ثقافة ديمقراطية» تمنعه من سحب الأحكام على شعب كامل، ويمارس الكتابة الأدبية التي كان يفترض أن تجعله يترفّع عن الخوض في مشكلاتٍ آنيّةٍ يثيرها «العاديون» في مواقع التواصل الاجتماعي أو تختلقها نخب سياسيّة لها حساباتها و تتداولها صحافةٌ مغلوبةٌ على أمرها، ويحترم القراء الذين مازالوا يشترون كتبه في جنوب المتوسط رغم ارتفاع سعرها مقارنة بمستوى دخل الأفراد في هذه المنطقة من العالم، إن لم يمتلك سلطة احترام ذاته!
يعرف بن جلون دون شكّ، أن الحريّة غير قابلة للتجزئة وغير قابلة للتأويل، وأن النزاهة تقتضي ألا تنتقد «شيئًا» وتشيد بشبيهه في نفس الوقت. فإذا رفعنا عنه حرج قول ما يجب قوله بشأن نظام بلاده تسليما بأنه لن يفعل ذلك، هل يستطيع الحديث عن الدور الفرنسي في المشاكل القائمة بين الجزائر والمغرب؟ وهل يستطيع انتقاد السياسة الفرنسية في المنطقة؟ وهل يستطيع انتقاد الاستعمار الجديد الذي يستهدف إخوانه؟ وكيف سيشرح الحقد لابنته وهو يصدّره لجيرانه؟ وكيف يتحدّث عن حقوق الشعوب وهو يعذّب مغربيات صغيرات في بيته؟