* عادل بلغيث
أبي يبحث الآن عن فرَس في سهول الزهايمر
يفتش عن منجم في أعالي السّماء
ومن نجمة شد خيطا من الضوء كي لا يضيع
يكلمني عن حصاد قديم..
كلامه مثل العصافير في لولب العاصفة..
يحملق فِيَّ كأنّه يفتح كراسة الدِّيْن، أو جزء عَمَّا
وترمش عيناه، عند التبين من مخرج الصوت والعاطفة.
***
يخاف أبي أن أكون سِوَايْ...
أخاف القطار الْخَيَالِيّ ما بيننا أن يطول
أخاف اِنزواءه في ركن بيت محته السنون..
أخاف اِنتظاره فنجان قهوة ونحن نيام
أخاف اِفتراشه للحوش ليلا، وإضعاف عينيه بالياسمين..
***
يصوغ اِنتظارا لشيء وَيَنْسَاهُ
لكنّني ناقل ماهر من شروده، صوب أجندة المستحيلْ
وأبقى حزينًا، لعجزيَ عن عودتي بالفرس
وعجزيَ عن قطع واد معهْ
وعجزيَ عن جلب كأس الحليب من الذكريات
وعن حلب ضرع الهَوَسْ
***
يعيد اِنتصارا إلى الأرض
ينثر من وجهه الاِبتسامات زهوا
ويبكي الخلائق مِن أَوَّل الجند
حتّى الحمار، الّذي أحرقته الشظايا
أبي يحقر الراهن الْمُرَّ
لا اليوم يَوْمٌ، ولا الشمس شَمْسٌ
ولا ثورة مَشَّطَتْ شعرها
ثمّ لا فرحة أكملت سورها للنهاية
***
يدقق فِيَّ وفي إخوتي...
كأنّ الوجوه صخورٌ ليعبر مجرى مياه طويل
كأنّ التشبّث بالوقت كنهُ الرّحيل
***
أبي لا يعيد الحكايات..
بل يعدم السرد شيئا فشيئا:
عبور الفتى بلدة بين رَأْسَيْ جبل
بياته في منجم بين ظِفْرَيْ أزل
بناؤه بيتًا من اللوح والنوح، ليلة قصف الحدود..
صهيله في وجه ثلج تعدّى الحدود
***
لا يستفيق من الزمكانْ..
ولا الأغنياتِ التي موتُها صوتُها
ولا من حمامٍ يرجّ الزّجاجَ الّذي في الكيانْ
***
أبي يلبس الخوذة المنجميّة في غرفته
ويقرأ قرآنه المنزلي البسيطْ
صلاته تصغر شيئا فشيئا كنقطة لَيزرْ، على حائط في البعيدْ
دماغه كالقَطْرَميزِ، لتصبير أسمائنا والوجوه التي قد تعودْ
***
يقول: الحياةُ كدبابة،
«لستُ أحتاجُ كي أقطف التينَ، هذا العيارَ الكبيرْ.
وإن لم أطقْ حمل شيء، سأتقن حمل الندى
ربّما الكون يحتاج باتلةً كي يطيرْ..»
يدغمُ الصوتَ بالصوت،
كالمسرحيّ الّذي إن مشى فوق ركحِ، أجاب الصّريرْ..
أبي لم تعد ترتديه المرايا
يحوّل نفسه شيئًا فشيئا، لطفل يناغي ستار الشّعورْ
***
أبي غارقٌ في الألوهة
مذ أهملته الخطايا، يربّي الهواءَ
ويكرع زيت الفضاءْ
يضاعف جهده كيما يموت..
كأنّه لابدّ مِن رفع سقاّلة للسّماء
***
هو الآن في مِربد الدار، يبحث عن كوكبٍ ربّما
يُمشّش ضوءا رمته النوافذ في جفنة الكسكسيِّ...
ويَكتب فجرَه، عصره، ظهره... أكثر من مرّة في مصلاّهُ،
يوم تمدّدَ، قلبٌ تعدّد، ماضٍ سيأتي... وغيبٌ أتى.
***
أبي يطرح الموج والمرج والجرحَ والملح، في مائدة
أبي يغرس الكرمَ لكنْ نبيذه من غيمة صاعدة
سيمضي -مدى-، نحو أرضٍ بلا معول، قطنُها بطنُها
ثم لن يغتوي بالمسرّات.. بل سوفَ يبحث في الخُلد عن بيتنا
سأحتاج أكثر من مِكبسٍ «هيدروليكي»، لِليِّ اِبتساماتنا
فهذي السّهول التي تعبد الجرحَ لا تمنح القمح َ
أحتاج أنْ أعشق اليتمَ... كي أسجنَ الأمس في الأمسِ
كي لا يعيش وكي لا يموت أبي مرّة ثانية...