توفي الصحفي و كاتب السير الذاتية للوجوه البارزة في القرن الـ 21 و المحامي المتحمس من أجل تصفية الاستعمار جان لاكوتور يوم 16 جويلية الماضي عن عمر يناهز 94.
وقد فارق الصحفي الملتزم الذي عمل منذ عشرين سنة مع صحيفة «لوموند» جان لاكوتور الحياة ببيته بروسيون (فوكلوز بفرنسا) في «هدوء وسكينة» حسبما أكدته ابنته دومينيك ميلولون-لاكوتور موضحة أنه سيتم تنظيم وقفة في سبتمبر بباريس تخليدا لذاكرته.
و يعد لاكوتور شاهدا متميزا على القرن الـ 20 حيث التقى بأبرز الوجوه فضلا عن مساره الفريد و كثافة أعماله التي جعلت منه صحفيا و كاتبا للسير الذاتية و مؤرخا منقطع النظير هو المولع بالتاريخ منذ طفولته. ففي نهاية الأربعينيات أدرك أن تصفية الاستعمار أمر لا محال منه ليصبح محاميا متحمسا من أجل هذه المسألة.
و بدأ مشواره كصحفي بصحيفة «كومبا» قبل أن يلتحق بقسم التحرير بصحيفة «لوموند» حيث كان يقوم بتغطية الأحداث المتعلقة بتصفية الاستعمار بتحمس لا سيما القضية الجزائرية التي خصص لها كتابين.
و تطرق جان لاكوتور الذي يعتبر ملاحظا مباشرا لصراعات حرب الجزائر و مفاوضات إيفيان الصعبة بين الحكومة الفرنسية و الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في كتابه «الجزائر- انتهت الحرب» الذي صدر في 1985 بدار النشر «كومبلاكس (بروكسل) إلى الصعوبات الناجمة عن الهوة الأولية لمواقف الطرفين و اختلافاتهما.
و في 2008 أصدر جان لاكوتور كتابا كرسه لإستقلال الجزائر و نهاية الحقبة الاستعمارية الفرنسية تحت عنوان «الجزائر جزائرية: سقوط الإمبراطورية و ميلاد أمة» الذي كتب افتتاحيته جان دانيال.
كما أدرج الرئيس الأسبق فرحات عباس ضمن خمس شخصيات خصها بكتاب خمسة رجال وفرنسا وهم لحبيب بورقيبة وهوشي مينه ومحمد الخامس وسيكو توري.
ويرفض الكاتب الراحل التسرع في كتابة السير حيث انتظر أربعين عاما ليشرع في ذلك ومبرره أن الصحفي الشاب يحتاج إلى خبرة حياة ليكتب السيرة ولا بأس أن يعلق ساخرا بأن الناس في بوردو يتركون النبيذ يتعتق. وفي موضوع مؤثر كتبته عن رحيله قالت جريدة لوموند أن لاكوتير كان يكتب الافتتاحية الدولية واقفا، كما كان يعتبر الكتابة ضربا من التسلية والعبث.
و قدم لاكوتور الصحفي بصحيفة «لوموند» إبان حرب التحرير و كاتب السير الذاتية لديغول و منديس فرانس، و هو شي منه، و الزعيم المصري جمال عبد الناصر، وقائع تاريخية و سردا صحفيا عن الكفاح الذي شنه الجزائريون من أجل الاستقلال. كما كتب سيرة الكاتب ووزير الثقافة الفرنسي أندري مالو بعنوان أندري مالو: حياة في القرن.
ويفضل الكتابة التمجيدية في السيرة مع انه يعترف بأن ذلك قد يؤدي إلى نوع من المجاملة، هو الذي لا يعترف بالموضوعية والحياد في الكتابة.
و كان الرجل يساريا يدافع عن «صحافة تدخل» كونه لا يؤمن بالموضوعية.
فالصحفي يتصرف كالدبلوماسي : يحاول فهم و شرح مختلف وجهات النظر من دون إخفاء أنه يفضل مخرجا بدل مخرج آخر، بحسبه. لكن الصحافة التي كان يمثلها لاكوتور لم تعد موجودة في زماننا ، وإذا كان هو تحديدا يهجو سلطة المال على الصحافة، فإن أكثر من سلطة قوضت سلطة الصحافة العالمية في عصر الحروب والانقلابات الجيوسياسية وظهور نزعات الاستعمار الجديد، حيث تحولت الصحافة ذاتها إلى أداة من أدوات الحرب. ق-ث