الاثنين 16 سبتمبر 2024 الموافق لـ 12 ربيع الأول 1446
Accueil Top Pub

التكنولوجيا تعولم السرقات العلمية

تطفو ظاهرة السرقات العلميّة بين فترة وأخرى على المشهد الأكاديمي، وتُشكل الحدث الّذي يتم تناوله من مختلف الجوانب، خاصةً مع تزايد آفة السطو على الجهود البحثية دون رادع علمي أو أخلاقي. اليوم نتساءل عن دور التكنولوجيا في الظاهرة. وأي دور يمكن أن تلعبه أكثـر؟، وهل ساهمت (التكنولوجيا) في ردع ظاهرة السرقات العلمية والأدبية أو الحد منها؟ أم على العكس ساهمت وساهم معها التطور التكنولوجي في تسهيل مُمارستها بفعل سهولة الولوج إلى المصادر الرقمية المخزنة لهذه البيانات المسروقة، واستفحالها من جهة وتزايد حدتها وتعاظمها ما جعل التطاول على جهود الآخرين من بحوث ودراسات ورسائل تخرج وكُتب وحتّى مقالات، عرضةً للاِنتحال والسرقة.
إستطلاع/ نــوّارة لحــرش
أيضا هل حقًا بإمكان برامج ومواقع الكشف عن السرقات العلمية والأدبية، مكافحة وتطويق هذه الظاهرة؟
حول هذا الشأن «التكنولوجيا والسرقات العلمية». كان ملف هذا العدد من «كراس الثقافة»، مع مجموعة من الأساتذة والدكاترة الأكاديميين الذين تناولوا الظاهرة كلٌ من زاويته وحسب وجهات نظر مختلفة لكنّها تلتقي في ذات المعطى والسياق.

 

*  عبد اللطيف بوروبي أستاذ العلوم السياسية بجامعة قسنطينة 3
التكنولوجيا ساهمت في اِستفحال السرقات العلمية
تُساهم الثورة المعلوماتية والتكنولوجيا بكونها (تراكم معرفي إنساني مشترك) في تشكيل ثقافة عالمية وفلسفة تنظيمية معيشية واحدة، تُساعدنا على التدفق السريع للمعلومة دون تكلفة وجهد ووصولها إلى الجميع. بالمُقابل هناك من يعتبرها أنّها (تطور اختزالي) للثقافات الإنسانية المُتعدّدة والمتنوعة بجعل من الثقافات واللّغات والأنماط المعيشية في شكل واحد غربي في ظل تحوّل العالم إلى قرية كونية.
هذا الجدل المُرتبط بثنائية «مساند/معارض» في كيفية فهم وتفسير الدور الوظيفي للثورة المعلوماتية والتكنولوجية في مجال العلوم، اِنعكس كذلك على ما مدى مساهمة التكنولوجيا في ردع ظاهرة السرقة العلمية والأدبية أم في اِستفحالها.
نحتاج في قراءتنا لثنائية «الحد/الاِستفحال» للسرقات العلمية والأدبية تحديد مجموعة من المُلاحظات التي نُؤسس من خلالها للطرح المُقدم بكون فهم طبيعة الظاهرة والفواعل والعوامل التي تُحددها هي نصف الإجابة على هذه المُعضلة العلمية بأن يُطرح الموضوع بموضوعية بعيداً عن تدخل الميولات والرغبات والجهات الرسمية أو غير الرسمية، حيث الإحاطة والإلمام بالعوامل والمُتغيرات المُتحكمة في الظاهرة واِقتراح الحلول المُمكنة والمُتاحة:
أوّلاً: إنّ طبيعة العلاقة ثلاثية الأطراف في موضوع السرقة العلمية للمقالات والمذكرات، والأبحاث العلمية مُحدّدة بدور الطالب أو الباحث، والمُشرف على العمل، والجامعة أو الهيئة العلمية المسؤولة عن تقديم الشهادة سواء مركز بحث أو مؤسسة جامعية فالمسؤوليات مشتركة، وفي مستويات مختلفة على حدٍ سواء ومن ثمّ تحديد الأطراف المسؤولة عن العملية يتطلب منظومة قوانين تكون من حيث الحالة الطبيعية تنظيمية للوقاية منها، وبطابع ردعي تكون بسحب العمل العلمي أو الأدبي، والشهادة الممنوحة وتكون بتبعات جزائية.
حيثُ توجد الآن تطبيقات اِلكترونية وهي متوفرة تُساهم في كشف السرقات العلمية، من خلال برمجة نسبة التمَاثُل في مضمون البحث بعدد مُعين من الكلمات يكون بين (15 إلى 25 كلمة) مثلاً، والمفاهيم والمصطلحات المُستعملة خاصةً في العلوم الدقيقة التي تعتمد على قوانين دقيقة، الكشف من خلالها على السرقات أمرٌ سهل، عكس العلوم الاِجتماعية والإنسانية أين الأمور مازالت نوعًا ما صعبة في ظل إشكالية التأويل والتشابه في الشكل وليس في المضمون، مِمَّا يتطلب وضع لجان مُتابعة دائمة للعملية المرتبطة بالسرقات العلمية.
ثانيًا: يجب التدقيق في دور كلّ طرف في هذه العلاقة الثلاثية الأطراف وفق قراءة موضوعية، والتي تبدأ من الأستاذ المُشرف كفاعل أساسي في العملية بكونها أمانة الإشراف تتطلب المُتابعة الدقيقة لكلّ مراحل إعداد العمل باِهتمامٍ بالغ. أمّا من يتحمل تبعات السرقة: الأستاذ المُشرف أو الطالب ومسؤولية من أكبر؟ إذا كان الأستاذ يتساهل مع الطالب في هذا السرقة عن عِلم أو دون عِلم يُعاقب كلاهما، لكن بمستويات مُختلفة، فالطالب يُسحب منه العمل والشهادة وتكون هناك تبعات جزائية، أمّا المُشرف فيُمنع من الإشراف لفترة معينة لأنّ مسؤولية هذا الأخير أكبر بكونه أثناء الإشراف والتعامل اليومي مع الطالب يمكن أن تخلق علاقة لها خصوصية معينة تتدخل فيها العاطفة وضغط الوقت في البحث العلمي، دون أن ننسى أنّه هو المُدرك من خلال التعامل مع الطالب على قدراته ومستواه المعرفي في ما مدى إمكانيته على إنجاز الموضوع وهنا تظهر أهمية الإحاطة والإلمام بالتطبيقات التكنولوجية للباحث في إنجاز العمل.
ثالثًا: لا يمكن تصوّر أنّ عملية السرقة العلمية تكون في مرحلة مُعينة أو في مستوى مُعين من مراحل التكوين في الدراسة سواء للطالب أو الأستاذ، بل هي تطور منظومة فساد وتراكم لمُمارسات اِستمرت لسنوات، حيث الظاهرة هي اِمتداد طبيعي لظاهرة الغش التي مارسها في مساره الدراسي، فالخلل في طبيعة التكوين منذ الصغر والّذي يغيب عنه الوازع الديني والبُعد الأخلاقي وعدم المُبالاة بالقوانين يتطلب إيجاد آليات تضمن الردع القانوني من خلال منظومة قوانين حازمة، دون إغفال البُعد الأخلاقي منذ مرحلة الاِبتدائي في التكوين والتذكير بهِ في كلّ مرحلة من مراحل التعلم.
رابعًا: إجبار الطالب على تقديم السندين (الاِلكتروني والورقي) لمذكرات التخرج والمقالات العلمية المنشورة في المجلات المُحكَّمة في الداخل أو في الخارج بإشهاد يلتزم فيه بأصالة العمل وأنّه شخصي ممضي من قِبل المُشرف، مع إيجاد مراكز على مستوى المؤسسات الجامعية لأرشفة المنشورات العلمية، وأنّ تبعات السرقة لا تُتقادم ولو بعد سنوات. فالقانون الأخير للوقاية من السرقة العلمية وضع آليات للعقوبات مُتعلقة بالسرقات العلمية يلزم الطالب بإمضاء تعهد حول العمل ومن أنّه غير مسروق وأنّ العمل أصيل، وهنا تكمن أهمية التكنولوجيا في اٍستعمال التطبيقات المُساعِدة على ذلك.
إنّ مساهمة التكنولوجيا في توفير المعلومة دون جهد وتكلفة، وسرعة من جهة، واِستفحال السرقات العلمية من جهة أخرى يتطلب منا إيجاد منظومة قوانين تنظيمية وردعية فعّالة بلجان دائمة في المؤسسات الجامعية ـوالتركيز على الوازع الديني والأخلاقي للحد منها منذ المرحلة الاِبتدائية والتذكير بذلك في كلّ مراحل التعلم.

*  زكرياء بوروني أستاذ العلوم السياسية
التكنولوجيا ساهمت في تفشي السرقات وفي  تطويقها ببرامج الكشف
تُمثل ظاهرة السرقة العلمية والفكرية والأدبية هاجسًا مُؤرقًا للجهات واللجان المُكلفة بتقييم ونقد وإجازة الإنتاج والإبداع في هذه المجالات، وتتويجه بالجوائز وبالشهادات والترقيات التي ينال معها التقدير المعنوي والمادي، وهو ما يُشكل دافعًا قويًا يُؤجج الطموح كما الجشع  لدى البعض، والّذي لا يجد ما يثنيه أو يحده فيسعى فيه صاحبه بكلّ طريق ووسيلة، لاسيما إذا وجد ثغرات للتهرب من قبضة الرقابة والإفلات من عقوبات القانون، إذ ينتهزها معفيًا نفسه من مشقة بذل المجهود، والتصبر على الوقت وحتّى تكبد تكاليف المال، ليعزو إليه عمل وكتابة وإبداع غيره.
وليست ظاهرة السرقة العلمية والأدبية حكراً على مجتمع بعينه أو دولة بالتحديد، رغم أنّها منكرة شنيعة لا تقبلها أي منظومة للقيم، فهي سطو على جهود الغير وغل لثمار كدهم باِنتهازية وبلا ضمير ديني أو أخلاقي، لكن الفارق بين الأُمم تصنعه فعّاليّة وقوّة القوانين وأجهزة الرقابة التي تُجرم وتُعاقب هذا الفعل وتحمي في الوقت نفسه حقوق الملكية الفكرية لأصحابها، فقد راجت الأخبار مثلاً سنة 2013 عن سحب جامعة «دوسلدورف» الألمانية شهادة الدكتوراه من وزيرة التعليم «أنيته شافان» بعد التحقّق من نسخها وانتحالها لأجزاء من الأطروحة، كما أُثير الجدل مُجددًا في سنة 2020 حول عمل بنفس الدرجة لوزيرة الأسرة «فرنتسيسكا غيفي» بعد خضوع أطروحتها للمُراجعة من قِبل جامعة برلين الحرة.
وقد كان التطوّر الهائل لتكنولوجيا المعلومات والاِتصالات وخاصةً اِنتشار الإنترنت خلال العقدين الأخيرين سلاحًا ذا حدين بالنسبة لظاهرة السرقة العلمية، فمن ناحية سهل هذا التطوّر الوصول والاِطلاع وتحميل البحوث العلمية وغيرها من الكِتابات والمنشورات من خلال المواقع الإلكترونية، والمُنجزة عبر العالم وبلغاته، ما جعل السارق في حلٍ من الترحال والبحث المطول والنسخ والكتابة، فإذا كان على أحدهم من قبل أن يُسافر ويجوب المكتبات ليجد عملاً في تخصصه ومجال بحثه، فالتكنولوجيا قد أعفته اليوم من كلّ ذلك لتضع أمامه خيارات مُتعدّدة بكبسة زر، لكن ومن ناحية أخرى فإنّ فضاء الشبكة العنكبوتية غير مُنفتح أمامه وفقط، فلجان التقييم هي الأخرى بإمكانها الاِستفادة من مزايا الإنترنت، ويقع عليها فقط بذل الجهد في التحقّق من أصالة العمل وسلامته من السرقة، مع ضرورة تنبُهها للحيل المُمكنة بأن يعمد السارق إلى عِدة مصادر، أو إلى ترجمة إنتاج علمي بلغة أجنبية، أو غير ذلك.
ويعود الفضل كذلك لتطوّر تكنولوجيا المعلومات في إطلاق مجموعة من البرامج والمواقع للكشف عن السرقة العلمية والأدبية ومكافحتها، والتي شاعت مؤخرا، ومن شأنها تطويق هذه الظاهرة مع حاجتها لمزيد من التحديث والتطوير لمراعاة خصوصية المجالات العلمية، وكذا الطابع التراكمي للعِلم، فالمفاهيم العلمية وتعريفاتها من قِبل الرواد وأهل الاِختصاص مثلاً التي تتخذ كشواهد، وأيضا النصوص الدينية كما القوانين والتشريعات واللوائح لا يمكن التصرف في صياغتها، ولا يعقل في نفس الوقت أن تحتسب على الباحث والطالب فتزيد من نسبة الاِقتباس التي تقيسها هذه البرامج.

* إبراهيم بولمكاحل أستاذ جامعي
نحو عولمة السرقات العلمية
أتاح التطور التكنولوجي الكبير في مجال الاِتصالات بمختلف وسائطه وسهل سُبل الوصول للمعلومة، بل صار الحديث عن اِحتكار العِلم وحجبه أمراً مُستبعداً مع حجم التطور الكبير في مجال عمل شبكات ومنصات التواصل الاِجتماعي، في عصر صارت «المشاركة-share» أحد أبرز خصائصه وسماته، وعامل رئيسي في سرعة اِنتشار المعلومة وانتقالها دون مراعاة لعامل المكان والزمان، ودون أي قيود مادية تمنع ذلك، بحيث نجد أنّ المنصات المُتخصصة والأرضيات الرقمية تُساهم في تخزين وعرض عدد كبير من الأعمال والإنجازات الفكرية من كُتب ومقالات ومذكرات ورسائل تخرج، من ناحية يعتبر البعض هذا الأمر محموداً وعاملاً مساعداً على اِنتشار العِلم وتسهيل الوصول لمصادره ومنابعه، غير أنّ الأمر يأخذ في جانبه الآخر أبعاداً سلبية، بحيث سهلت هذه الوسائط المُتاحة عمليات السطو والاِستغلال غير الشرعي والقانوني للأعمال العلمية للغير بطُرق بسيطة، الأمر الّذي ساهم في اِنتشار وتوسع ما يُعرف بالسرقة العلمية أو البلاجيا «plagiarism”، بحيث عرفت هذه الظاهرة اِنتشاراً واسعًا داخل الأوساط الأكاديمية، مع حجم التطوّر الكبير في المجال الرقمي، ما جعلها تُشكل تهديداً حقيقيًا يمس أصالة البحث العلمي ويُهدّد خصوصيات الباحثين ويُصَّعِب من عملية حماية ملكيتهم الفكرية.
تُعرف السرقة العلمية حسب المُشرع الجزائري في القرار الأخير رقم1082 المُؤرخ في27 ديسمبر2020، على أنّها “كلّ عمل يقوم به الطالب أو الأستاذ الباحث أو الأستاذ الاِستشفائي الجامعي أو الباحث الدائم أو من يُشارك في فِعل تزوير ثابت للنتائج أو غش في الأعمال العلمية المُطالب بها، أو في أي منشورات علمية أو بيداغوجية أخرى”. ولا يقتصر الأمر حسب التفسيرات المُتعدّدة على سرقة وإعادة اِستخدام المفردات والنصوص شكلاً، بل يمتد إلى سرقة الأفكار والآراء والتوجهات.
تُطرح العديد من الإشكالات والتساؤلات حول سبب تزايد اِنتشار هذه الظاهرة، بالرغم من توفر الأُطر القانونية التي تُحدّد القواعد المُتعلقة بالعقوبات وطُرق الوقاية من السرقة العلمية ومكافحتها، في تقديري إنّ اِستمرار بعض المُمارسات على غرار اِتجاه الجامعات مثلاً لخلق قواعد ومنصّات تخزين رقمية تحتوي على مذكرات وأطروحات مُتاحة للتحميل، حرصًا منها على مُواكبة معايير العصرنة والجودة في التقييم، دون مراعاة أبسط أُطر الحماية والتشفير مثلاً، جعلها تُسهِل من عملية سرقة أعمال الباحثين، ضمن هذا السياق كنتُ تعرضتُ مؤخراً لسرقة من قِبل باحث مصري المدعو (ح.ص.م)، كان سببها الرئيسي توفر نسخة رقمية من مذكرتي على موقع الجامعة مُتاحة للتحميل برابط مفتوح المصدر، أين قام بسرقة محتوى مذكرتي للماجستير، لينسبها لنفسه في حالة سرقة كاملة، وينشرها في كِتاب باِسمه. وقد علق الدكتور “رابح زغوني”–أستاذ العلوم السياسية أنّ المسؤولية الأولى في مثل هذه الحالات من السرقات العلمية الكاملة تقع على عاتق الجامعات الجزائرية التي تُسارع لنشر الرسائل والأطاريح كاملةً على مواقعها بحثًا عن زيادة مرئية زائفة وسعيًا وراء تحسين ترتيب كاذب، دون تحمل مسؤوليتها في حماية حقوق المؤلفين، على عكس أغلب الجامعات العالمية التي تكتفي بنشر ملخصات الأعمال فقط.
في ظل تزايد حالات السرقات العلمية العابرة للحدود التي مست الأعمال في التخصصات الاِجتماعية أو التقنية، صار لزامًا على الحكومات وكذلك الهيئات الدولية المخولة بذلك، وضع إطار قانوني وإجراءات جزائية وعقابية صارمة للحد من مثل هذه المُمارسات. على الصعيد الدولي تُقدم المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO) إطاراً مقبولاً للتعاون وتبادل الخبرات والمعلومات في مجال السرقات، وأيضا تُساهم في تسوية العديد من المنازعات في مجالات عِدة على صلة بالسرقات العلمية، غير أنّ بعض التعقيدات القانونية داخل بعض الدول خاصةً التي لم تتكيف مع طبيعة السرقات الرقمية، تُعيق أداء مهامها بشكلٍ جيد وكامل.
أعتقد أنّ دور الجامعة والجهات الوصية محوري في وضع حد لهذه الظاهرة، من خلال: -إدراج مواد في مختلف أطوار التكوين تتطرق لتقديم محتوى علمي وتحسيسي حول أخلاقيات البحث العلمي وأصول التوثيق الأكاديمي والأمانة العلمية. -إدراج إجراءات تسبق أي عمل أو مشروع علمي تُلزم صاحبه بتقديم تعهد يُخضعه لاِلتزام أخلاقي وقانوني يُحمِلُهُ المسؤولية كاملة في التعرض لعقوبات في حال تورطه في سرقة علمية من عمل أصلي آخر داخلي أو خارجي، الأمر الّذي يترتبُ عنه خلق رادع قوي قد يحدُ من اِنتشار هذه الظاهرة. -تطوير وتحيين نُظم وبرامج الكشف وفحص السرقات العلمية بقاعدة بيانات عالمية وليس فقط محلية.

محمّد بن ساعو أستاذ بجامعة سطيف 2
السرقات العلمية اتسع نطاقها مع التطور التكنولوجي
لا شك أنّ إتاحة المواد العلمية من كُتب ومذكرات تخرج وأبحاث علمية على شبكة النت للقراءة والتحميل قد شكّل سنداً وحافزاً مُهمًا نحو ترقية البحث العلمي، لأنّه اِختصر الوقت والجهد على الباحثين في إطار إنجاز بحوثهم وأعمالهم العلمية وحتّى نصوصهم الإبداعية، غير أنّ الأمر يَطرح في المُقابل ظاهرة الاِنتهاكات التي أصبحت تحدث في ظل التكاثر المُتسارع لحجم المواد المنزّلة مع سهولة الحصول عليها -سواء تلك التي تُـتيحها الجامعات ومراكز البحث أو التي يقوم أشخاص أو جهات معينة بتصويرها ورقمنتها- حيث أصبحت في متناول محترفي السرقات العلمية بسهولة ودون أدنى مجهود.
تتعاظم السرقات العلمية لتُشكل ظاهرة يتّسع نطاقها في ظل قدرة اِستيعاب شبكة الانترنت وسرعة الاِنتشار وتعدّد الحوامل والتطبيقات، مِمَا جعل من اِقتناص المنشورات والتعدي على حقوق ملكيتها الفكرية والأدبية هاجسًا يُهدد أعمال الباحثين والأكاديميين، وهذه العملية في حقيقة الأمر ليست محلية بل إنّها تتخذ طابعًا دوليًا يُنذر بتفاقم الأمر، الشيء الّذي يجعل من الصعوبة الحد منه، خاصةً مع لجوء كثير من المؤسسات والمجلات للتغطية على السرقات التي يقترفها المنتسبون إليها، حفاظًا على سمعتها العلمية من جهة وتلافيًا للدخول في معارك قانونية من جهة أخرى.
تحرص عديد المؤسسات الأكاديمية والعلمية في مناطق مختلفة من العالم على منع التداول الاِلكتروني للبحوث المُقدمة لدى هيئاتها العلمية في إطار نيل الشهادات العُليا كرسائل الماجستير والدكتوراه، وتقتصر الاِستفادة على تصوير صفحات مُحدّدة منها، ناهيكَ عن رواج بيع الصيغ الاِلكترونية للمنشورات والكُتب، كلّ هذا في ظل حيازتها على قواعد بيانات ثرية تتضمن كلّ الدراسات داخل الوطن وحتّى خارجه، في حين نُلاحظ أنّ عِدة جامعات جزائرية تقوم بإتاحة مثل هذه الدراسات على مواقعها وتنقل روابطها لتنشر على أوسع نطاق، في ظل فقر منظوماتها المعلوماتية التي تُمكنها من وضع قاعدة بيانات علمية متطورة تلم بالمنتج الأكاديمي، الّذي يُعاني غياب التشفير الإلكتروني كذلك، الأمر الّذي من شأنه أن يحد من كفاءة برامج كشف البلاجيا.
في ظل هذا الوضع، يبدو إغراق شبكة الانترنت بالبحوث والدراسات ومن طرف الجامعات أمراً غير محسوب العواقب –رغم اِنعكاساته المهمة على البحث العلمي- لأنّه يُشجع ويُسهل السرقات العلمية داخل وخارج الوطن، وهو ما يعكس حالة من غياب ثقافة تأمين المُنتج الأكاديمي الجزائري الّذي أصبح عرضة للسلخ والاِنتهاك، ويعكس حالة من الاِنتهازية المقيتة التي يتبناها بعض المحسوبين على عالم البحث والكتابة.
من غير المعقول حرمان الباحثين مِمَا يتوفر من مواد على شبكة الإنترنت، لما أصبحت تُمثله من نسبة قد تتجاوز أحيانًا 80% من مجموع المراجع المُعتمد عليها، وعليه فالأولوية هي التفكير في تحديث المنظومة المعلوماتية المُتعلقة بالبحث العلمي لتجعل من الكشف عن التجاوزات العلمية أمراً غير معقد، فضلاً عن ضرورة مُسايرة قوانين العدالة لهذه الظاهرة والتعامل معها كغيرها من الاِنتهاكات التي تتعرض لها الملكية.

* نبيل دحماني أكاديمي وباحث
التكنولوجيا خدمت الاِنتهازية العلمية والأدبية وعمليات السطو المُنظم
تُعد السرقات العلمية والأدبية في وقتنا الحاضر أحد المُمارسات المذمومة الأكثر اِنتشاراً على مستوى الدوائر العلمية والأدبية وحتّى الفنية والمهنية، وتزداد حِدةً كلما ضعُفَت وتقلصت مساحات الفحص والتدقيق العلمي والأدبي، ناهيكَ عن حالات التواطؤ مع مُمارسيها من قِبل هذه الدوائر أو تلك، وهي شكلٌ من أشكال الفساد المُرتبط بالسلوك الاِجتماعي للأفراد والمُنظمات على حدٍ سواء.
وقد ساهم التطور التكنولوجي الهائل الّذي تعرفه المجتمعات المُعاصرة مع تزايد حِدتها وتعاظمها، وتسهيل مُمارساتها بفعل سهولة الولوج إلى المصادر الرقمية المُخزنة لهذه البيانات المسروقة، أو التي يمكن سرقتها واستغلالها بشكلٍ أو بآخر. لذلك يمكنُ الجزم أنّ سرعة الوصول للمعلومة ولاِنكشافية المصادر المخزنة عبر المواقع الاِلكترونية للجامعات ومراكز البحث والنوادي الاِلكترونية وبنوك المعلومات والمكتبات الرقمية والمخابر يُعدُ عاملاً مُحفزاً للمزيد من السرقات وعمليات النسخ غير المشروع والاِعتداء الفاضح على حقوق المُؤلف والتأليف على حدٍ سواء، وبخاصة إذا كانت البنية القانونية غير قادرة على التكيف مع هذه الوضعيات، أو لمحدودية نُظم المُتابعة والتحليل البياني للمصادر من قِبل دوائر عِلمية أو أدبية يُفترض أن تتولى مهمة حماية وتحصين هذه المواد المسروقة.
لطالما نظر المهتمون والبحّاثة إلى كون تكنولوجيات الإعلام والاِتصال على أنّها وسائل تُساهم بفاعلية كبيرة في نقل المعلومة وسرعة الوصول إليها، من خلال المواد المُخزنة عبر مواقع إلكترونية وبنوك معلومات خاصة بمراكز البحث والجامعات وغيرها، غير أنّ الواقع وإن كان لا ينفي هذه الخاصية يُؤكد أنّها ساهمت بممارسات فضائحية، إن صحَ التعبير، في إهدار حقوق المُؤلف والتأليف، وساهمت في دعم الاِنتهازية العلمية والأدبية وعمليات السطو المُنظم الّذي يُمَارس على الكثير من الأعمال التي اِجتهد أصحابها واشتغلوا بكدٍ وجد من أجل تحصيلها قبل أن يسطو عليها الكسالى والحمقى، دون أن تتوفر البنية القانونية والمعلوماتية والإدارية والبحثية على الوسائل الكفيلة بالردع واسترداد الحقوق المهضومة حتّى وإن تمّ سحب الشهادات العلمية والرُتب المُحصل عليها اِحتيالاً وانتحالاً لصفة ليس أهلاً لبلوغها.
هذه الجدلية بين دور التطور المعلوماتي والتكنولوجي الهائل في تسهيل عمليات السطو والسرقات العلمية والأدبية، تمثل أحد النقاشات المُعاصرة الأكثر تعقيداً ليس لدى الأفراد فيما بينهم والمجموعات البحثية ولكن أيضا بالنسبة للدول بحكوماتها المختلفة والمنظمات الدولية والإقليمية الحكومية منها وغير الحكومية، في مقدم كلّ هذه النقاشات تلك المُتعلقة بالجدل القائم ببراءات الاِختراع بين الولايات المتحدة والصين، وبين الاِتحاد الأوروبي والصين والولايات المتحدة وبين الدول المتقدمة والدول النامية. وبين هيئة الأُمم المتحدة بوكالاتها المُتخصصة كاليونسكو، ناهيكَ عن المنظمة العالمية للتجارة.
فالكثير من التشريعات داخل الدول تتساهل بشكلٍ أو بآخر مع هذه السرقات بِمَا في ذلك حكومات الكثير من الدول العربية، بِمَا تتوفر عليه من مراكز بحثية وأكاديمية وجامعات ومعاهد مُتخصّصة والتي تُتيحُ للأفراد الوصول إلى أطروحات الدكتوراه والماجستير وغيرها من الدراسات غير المنشورة تحديداً والتي تظهر فيما بعد بأسماء غير أسماء أصحابها في شكل كُتب تتفنن دور النشر الخاصة في إصدارها والمُشاركة بها في المعارض الدولية والمحلية، ولا يَهُمها مصدرها بقدر اِهتمامها بالعائد التجاري منها. فقد تتحوّل رسالة ماجستير منشورة في الجزائر إلى أطروحة دكتوراه في جامعة القاهرة أو كِتاب في دار نشر عراقية. أو تتحوّل سلسة دراسات منشورة في جامعة بغداء إلى مجلد في إحدى دور النشر المغربية، وقد يستل «باحث» كسول رسالة ماجستير أو أطروحة دكتوراه من جامعة ما ويُناقش بها ترقيته أو تأهيله أو نيل درجة دكتوراه في الجامعة التي ينتمي إليها.
لذلك أعتقد من وجهة نظر خاصة إلى ضرورة إعادة النظر في قدرة الأفراد في الوصول إلى هذه المواد من خلال نظام الاِشتراكات وتفعيل آلية تتبع حركة المادة من خلال نظام الهوية الرقمية للمُشترك على اِعتبار أنّ الكثير من الجامعات ومراكز البحث في وقتنا الحالي تشتغل بنُظُم أرقام التسجيل الاِلكتروني لباحثيها، وهو طبعًا ما تعمل به هذه الهيئات وتلك في الدول التي تعرف حمايةً عالية لحقوق التأليف كما هو الشأن في دول الاِتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وكندا وأستراليا، وهي الدول التي بلغت أعلى المستويات من حيث حماية حقوق التأليف والحقوق المُجاورة.

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com