كان ينطلق من رؤية فكرية وفلسفية مُتماسكة عكس شعراء جيله
• لم يكن عبقرية مُبكرة فحسب وإنما ظاهرة إنسانية وهو إحدى أبرز قاماتنا الأدبية والشعرية في الجزائر
الكاتب والمفكر أحمد دلباني، يتحدث في حواره لــ»كراس الثقافة»، عن الشاعر الرّاحل عبد الله بوخالفة (1964-1988) بمناسبة ذكرى غيابه، (2 أكتوبر 1988)، التي حلت منذ أيام. دلباني وهو يستحضر الطائر الذي غرد بصوت مختلف في سماء المشهد الشعري الجزائري، والذي رحل باكرا، كما عادة البلابل الحزينة. يستحضر أيضا تجربته الشعرية ويتحدث عنها باستفاضة، كما يتحدث عن أزمة «بوخالفة»، أو مأساته التي ذهبت به إلى نهاية تراجيدية، ويرى دلباني أنَّ انتحار «عبد الله بوخالفة»، لم يكن انتحارًا مُرتبطا بقضية، وإنما بأزمة الإفاقة على العراء الوجوديّ الذي لم يستطع مقاومة لفحاته، رغم مُحاولاته اليائسة في تأثيث باقي أيامه بمصابيح المعنى الدينيّ الذي وفرته له ثقافته بالمعنى السوسيولوجي.
حاورته: نـوّارة لحــرش
الجدير بالذكر، أن دلباني أنجز كتابا، عن الرّاحل، بعنوان ««فجيعة التروبادور» صدر عن منشورات البيت/ الجزائر العام 2010. احتفى فيه بالشاعر وسيرته وتجربته الشعرية، وبقصائده القليلة التي شكلت بكثافتها وحساسيتها الفنية والجمالية، كونا شعريا مستقلا بملامحه ونبرته، وقيمة حقيقية في خارطة الشعر الحداثي في الجزائر. كما ضم الكِتاب دراسة مطولة وشهادة عن صاحب «شلال المغامرات»، واحتوى على مختارات من شعره، جاءت تحت عنوان «سقوط سارق النار». وهي قصائد في أغلبها نشرت في جريدة النصر، التي كان الشاعر يخصها بكتاباته الشعرية والنقدية. واليوم تحتفي الجريدة من خلال ملحقها الأدبي الأسبوعي «كراس الثقافة» بفتاها الشاعر، الذي لطالما غرد على صفحاتها، وأنشد أجمل القصائد، حيث ترك أثره الشعري والنقدي منشورا في الكثير من أعدادها.
مرت منذ أيام، ذكرى رحيل الشاعر عبد الله بوخالفة. ما الذي تقوله بهذه المناسبة المكتظة بغيابه وبقصائده مكتملة الحزن وبهجات المعنى في آن، خاصة وأنك كنت من المقربين إليه؟
أحمد دلباني: أعتبرُ، شخصيا، الشاعر الرَّاحل عبد الله بوخالفة (1964-1988) إحدى أبرز قاماتنا الأدبية والشعرية في جزائر الثمانينيات، وسؤالا مثل حرابا مغروزة في جسد الكتابة الجزائرية أيقظتها على قلق الوجود وظمأ الكينونة المُعَذبة في توقها إلى الامتلاء الوجوديّ والإنسانيّ، وفتحتها على مُغامرة الحداثة في أعتى اختراقاتها: حداثة الرؤية وحداثة الكتابة. وأعتقدُ أنَّ أهمَّ ما كان يُثيرني ويستوقفني فيه وأنا ألازمه وأقرأه لسنواتٍ هو ذلك التميز الكبير الذي أدركه باكرًا، وتلك النبرة التي استطاع أن يُحقق بها استقلال صوته وسط سرب المُنشدين الذين تفننوا في حفظ اللازمة الإيديولوجية والتنويع على الكلام المُستنفد. لقد كان «عبد الله بوخالفة» شاعرًا اجتهد من أجل بلوغ مقامات كتابةٍ حداثية تقطع جماليا ورؤيويا مع السائد، مُحتضنة لحظتها التاريخية ومُلتزمة بقضاياها الإنسانية وباحثة عن نشيدها الذي يُدشنُ تاريخ الحساسية الجديدة إزاء العالم والتاريخ والوجود.
ما الذي يشكل قيمته الحقيقية في خارطة الشعر الحداثي في الجزائر، هل صوته الشعري المختلف والذي فيه من العبقرية ما يكفي ليتفرد بنبرته وخصوصيته الشعرية؟، وهل مأساته التي تجسدت في إقدامه على إنهاء حياته بطريقة تراجيدية بالغة، كانت نِتاج حالة شعرية/ وأزمة وجودية فائضة بالمعنى والأسئلة؟
أحمد دلباني: يقترنُ الحديث عن «عبد الله بوخالفة» –كما هو معروف– بأمرين بارزين: العبقرية المُبكرة والانتحار. هذا ما صنع أسطورته بوصفه شاعرًا ومبدعا استثنائيا في تاريخنا الأدبيّ الجزائري القريب. ورغم أنَّ الأمرين لا يتلازمان ضرورة، إلا أنَّ قدَرَه كان قد حسم رسمَ منحى حياته القصيرة الفاجع. إنَّ الأمر الجدير بالذكر هنا هو أنَّ الراحل كان قد بدأ، فعلا، بحفر مسار أدبيّ مُتوهج وحضور نقديّ قوي من خلال إسهاماته الكثيرة التي كان ينشرها في الصحف الوطنية كجريدة «النصر» اليومية تحديدًا، ومن خلال مشاركاته في المهرجانات والملتقيات الأدبية المختلفة. وكان يُستقبل، في غالب الأحيان، باعتباره شاعرًا شابا مُتفردا وذا صوت مُتميز. كما كان يُعتبرُ من القلة التي يُمكن أن نقرأ في حضورها الأدبي رجة الحداثة بما هي خلخلة للجاهز، وبما هي سؤال كيانيّ يُؤسِّسُ لوجود الإنسان في أفق المغامرة والإبداع والثورة. لا يسعني هنا، شخصيا، إلا أن أتذكر أنني كنت أرى فيه صورة المُبدع الحقيقيّ الذي يدرك، جيدا، أنَّ الكتابة موقفٌ شامل من الوجود ومعاناة إنسانية وسؤال مطروح على الثقافة السائدة والعالم. أذكر كذلك، هنا، أنني كنت أقفُ مشدوها أمام تميز إبداعه وقوة نبرته مُلاحظا الفرق الجليَّ والكبير بينه وبين الشعراء الشباب الذين لم يكونوا ينطلقون، مثله، من رؤية فكرية وفلسفية مُتماسكة، ولم يستطيعوا، فنيا، أن يصنعوا أجنحتهم الخاصة داخل شرنقة السائد الأدبي.
لا يستطيعُ الواحدُ منا – خصوصا عند من عرفوه عن كثب – أن لا يرى فيه عبقرية مُبكرة تذكر بكوكبة الشعراء / الأطفال الذين عانقوا صبوات الإنسان الأولى وأسَّسوا لشرعية الحلم المُستحيل بعالم أكثر انفتاحا وحرية وعدالة، وبكلام أكثر تيها وترحالا في مفاوز المعنى البكر المُنسلخ من مؤسَّسة العالم الشائخ: طرفة بن العبد. جون كيتس. شيللي. رامبو. أبي القاسم الشابي. هذه هي عائلة الشعراء الذين لم تسعفهم الطفولة المُتوثبة الجَموح في الانضمام إلى عالم الأدب الذي ترعاه عائلة الثقافة المقدَّسة. لقد كان فيضُ الطفولة عندهم جريمة ونزقا لا يُغتفران. وكان لعبهم البهيّ المُغتبط تخريبا يُشوشُ على الفكر والثقافة السائدين نُعاسَهما وخدرهما.
لكنَّ «عبد الله بوخالفة» لم يكن عبقرية مُبكرة فحسب وإنما ظاهرة إنسانية بلغت الأقاصي وغامرت بكيانها كله من خلال فعل الانتحار كذلك. لقد اختار، خلافا للشعراء/الأطفال الذين ذكرناهم، موته. ربما كان، وراء ذلك كله، حاجة حارقة إلى سَفر يطمسُ جمرة الوعي الشقيّ. ولكنني أستبقُ فأقول: إنَّ انتحار «عبد الله بوخالفة» لا يُمكنُ أن يُقرأ كانتحار «أرنست همنغواي» أو «خليل حاوي» مثلا. فقد انتحر همنغواي، ربما، لحظة شعر أنه لم يعُد قادرًا على الكتابة على ما يروي سكرتيره الخاص الذي لازمه. كان الأمرُ قاصما لكيانه، هو الذي جعل الكتابة نشيدًا للعلو على كوميديا الحياة العنيفة الصاخبة. وانتحر «خليل حاوي» في شرفة بيته البيروتي مطلا منه على تراجيديا الانسحاق العربي سنة 1982، هو الذي ظل يحلم بزمن عربيّ تموزي يبعثُ الحياة في أوصال الأرض العربية اليباب.
إنَّ انتحار «عبد الله بوخالفة»، خلافا لذلك، لم يكن انتحارًا مُرتبطا بقضية على ما أعرف، وإنما بأزمة الإفاقة على العراء الوجوديّ الذي لم يستطع مقاومة لفحاته، رغم مُحاولاته الأخيرة اليائسة في تأثيث باقي أيامه بمصابيح المعنى الدينيّ الذي وفرته له ثقافته بالمعنى السوسيولوجي. لقد ابتلعت الرمال المتحركة لهذه الثقافة –بوصفها عنفا رمزيا– الطفل الجانح، وأطفأت سمومها فوانيسه في بداية رحلته إلى نداهة المعنى الذي اعتقد «عبد الله»، ككل الأطفال الثوريين، أنه يلبسُ وجه الإنسان في الجزر البعيدة.
بعد كل هذه السنوات على غياب الشاعر، إلا أنّ تجربته الشعرية القصيرة والمكثفة في حداثيتها وتميزها وإبداعيتها ظلت حاضرة في المشهد الشعري الجزائري كأهم وأكثف تجربة شعرية جزائرية، فكيف تقرأ الآن هذه التجربة التي ظلت يافعة ويانعة وطازجة بالشعر والشعرية؟
أحمد دلباني: يُمكنُ، بمعنى ما، قراءة إبداع «عبد الله بوخالفة» الشعري بوصفه نشيدًا توسل السبيل إلى غبطة الكيان وغبطة البداية. من هنا اكتنز شعره بحس الطفولة: طفولة مواجهة العالم الشائخ، وطفولة اللعب البهيّ في تشكيل العالم على مقاس صبوات القلب الإنساني. هذا ما نسميه أيضا حس الثورة باعتبارها وعيا بضرورة استرجاع الطفولة حقها في السكنى في أرض الوعد بانعتاق الإنسان وتحرره الشامل. يمكنُ، بالتالي، العثورُ على مفاتيح الولوج إلى إبداع «عبد الله بوخالفة» من خلال تيمتيْ «الطفولة والثورة». هذا ما شكل مدارَ خطابه الشعري المُستند إلى وعي ثقافي وفلسفي وإيديولوجي مثل رؤية مُتماسكة، في لحظتها التاريخية، وموقفا مُؤسَّسا من العالم الخطاطة الفكرية التي اقترحتها المادية التاريخية. لقد تبنى شاعرنا هذا المنظور الفلسفي/ الفكري الذي يقرأ التاريخ البشريَّ في أفق الثورة والصراع الطبقي المُفضي حتما إلى زوال البنى السوسيو- اقتصادية التقليدية وزوال ثقافتها الأبوية القمعية تمهيدًا لمجيء «الصباحات التي تغني»، وهذا ضمن إضبارة الفكر الماركسي الكلاسيكي الذي تعرف عليه الشاعر من خلال بعض إسهامات الفكر العربي المعاصر كأعمال حسين مروة ومهدي عامل ومحمود أمين العالم بشكل أخص. ولكنَّ «عبد الله بوخالفة» لم يكن بحال، على ما أرى، مُنشدًا إيديولوجيا يكرز بعقيدته، وإنما اعتقد أنَّ الثورة، أيضا، يجبُ أن تكون انتفاضة ضدَّ نظام اللغة التقليدية وضد أشكال الكتابة النمطية التي رأى –مُتأثرا في ذلك بأدونيس– أنها تضمرُ موقفا إيديولوجيا مُحافظا. من هنا اعتقاده الجازم بضرورة مناهضة مُؤسَّسة اللغة الشعرية الموروثة، ومناهضة الشكل القديم بوصفه مُؤسَّسة تعكسُ نظاما ذهنيا عاما في الحساسية والفكر يعتقدُ بكمال الماضي وعصمته.
وماذا عن الشق الآخر من حياته، الاكثـر ـتراجيدية، بمعنى آخر: كيف تقرأ المأساة الأخيرة للشاعر؟
أحمد دلباني: «لقد وصلتُ إلى الجدار». كان هذا آخر ما قاله لي الرَّاحل في البيت العائلي، صيف العام 1988، بعد أن سمحتُ لنفسي أن أسأله عن السبب العميق لانقلابه الفكري والإيديولوجي المفاجئ. حدث ذلك، في حدود علمي، بصورة لم أنتبه إلى مقدماتها أو بوادرها، أنا الذي قاسمته الغرفة لشهور في الحي الجامعيّ بقسنطينة. هذا ما يُفسِّر، نسبيًا، عنفَ الانقلاب والتحول الجذري الذي لم يكن، على ما أرى، نتيجة تأمل فكريّ هادئ وطويل في المعنى والدين والوجود. لقد كان الأمرُ أزمة نفسية حادة خلخلت توازنه وأغرقته في ألم عميق وأزمة ضمير لم يكن ليُهدِّئ من نارها تديّنه المُتسرِّع وعودته إلى الدين في صورته الإمتثالية الطقسية.
لكنَّ الوصول إلى الجدار فكريا و وجوديا، برأينا، لا يُبرِّرُ هذه العودة الامتثالية إلى حضن الثقافة التقليدية التي نشأنا عليها وانسلخنا، نقديا، من فضائها الرمزي. إنَّ «الوصول إلى الجدار» كما يُعبِّر كان يمكن أن يكون بداية لمراجعةٍ شاملة هادئة، تمثل وعيا أقل حماسة بالتغيير وأقل إيمانا بالوعد الثوريّ الذي يشكل لب المنظومة الإيديولوجية الماركسية، وأكثر انفتاحا على احتجاجات المرحلة معرفيا وسياسيا. لكنَّ الذي حدث يدل، بالتالي، على أنَّ رغبة الاحتماء بمصابيح المعنى المتوفرة، مهما كانت، غلبت عند شاعرنا قدرتَه على مواجهة عتمة الوجود أو الرغبة في المراجعة الفكرية لأسس مشروعه الثقافي والإبداعي في ميعة توثبه. من هنا أسمح لنفسي أن أقرأ أزمة «عبد الله بوخالفة» بوصفها أزمة مُثقف استرجعته الثقافة السائدة في شكلها المُنهك الخائب بحدة، والجزائر تشهدُ صعودًا لا سابق له للخطاب الأصوليّ تزامن مع إخفاقات مشاريع الدولة الوطنية.
لقد تحول «عبد الله بوخالفة» الذي عرفناه في صورة بروميثيوس سارقَ نار ومُنشدًا باسم الإنسان، إلى آدم يكف يده عن قطاف المعنى من شجرة السر، ويستجدي مرضاة آلهة المؤسَّسة الثقافية والاجتماعية السائدة. إنَّ الشعر الذي كان قنديلا في العتمة ما لبث أن تحطم بين يديه في لحظةٍ كشف فيها التاريخ عن أوهام ألوهتنا واتساع هاوية متاهتنا.
تجربة شعرية متفردة جماليا وفكريا وحداثيا، أغفلها النقد، ولم يبادر للاحتفاء بها كما يجب. لماذا برأيك النقد عندنا ظل يتجاهل تجربة «عبد الله بوخالفة» الشعرية؟
أحمد دلباني: النقد في الجزائر -وأقصد النقد الأكاديمي تحديدا- لم يلتفت بشكل كاف إلى كل التجارب المفردة وغير المكرسة. إنه نقد لا يتمتع بفضيلة اكتشاف الظواهر الأدبية الاستثنائية أو الإصغاء الجيد إلى دبيب الحركة الأدبية. كل ما هنالك هو تمارين على ترويض المناهج الجاهزة بعيدا عن الوعي الضروري بكونها نِتاجًا لسياقات ثقافية وفكرية وحضارية مختلفة. إن إبداع «عبد الله بوخالفة» لا يشكل الاستثناء من حيث الغياب وإنما يشير إلى جانب من جوانب القصور النقدي أكاديميا وسياسيا أيضا. فالجامعة لم تعد تتمتع باستقلال النظر وفضائل الانفتاح على المعرفة دون مسبقات ثقافية فرضها التردي العام. نحن لا نعيش عصر السؤال والنقد، وإنما عهد العلاقات الخاصة وسطوة الإيديولوجي في تكريس الظواهر الطفيلية المتساوقة فكرا ورؤية مع الوضع القائم.
إن هناك قلة قليلة من المثقفين النقديين تشتغل من أجل إخراج الهامش المضيء من جبة الاستبداد الذي فرضه مركز أدركه سن اليأس.
«فجيعة التروبادور» كتابك الذي التفتَ فيه إلى تجربة «بوخالفة» الشعرية واحتفيت بسيرته وأثره، كأنه جاء ليضيء على عتمة شاعر في زمن أطبق فيه ليل طويل وبمخالب من نسيان على كائن حلق شعريا بأجنحة من نور ونار، ولينصف هذا الكائن الذي سقط من شجرة الحياة، وظل يانعا أكثر في أشعاره، كما أينع بشكل ما في كتابك
أحمد دلباني: كتابي عن «عبد الله بوخالفة» هو شهادة ودراسة ومنتخبات شعرية. أردته تقديما لتجربة شعرية متفردة من خلال معرفتي بها ومن خلال مأساته الأخيرة أيضا عندما اختار الانسحاب من الكوميديا الأرضية التي دوخته. هو فاتحة لدراسة الشاعر وتناول جيل كامل من المبدعين الذين انخرطوا في ثقافة السؤال عبر كتابة تعلمت طرح الأسئلة كلها: أسئلة الموقف وأسئلة التشكيل.
1 - من "شلال المغامرات"
مغامرة المعاني
أراني أجمع الأطفال
أعطيهم حكاياتي وأرسلهم إلى الهذيان
- أنت تحطم الأسلاك
- أنت تغازل المرجان
- أنت تباعد الأعماق بالرقصات
ثم أسيرُ مجنونا
أفيض مع المنازل
أنتهي في الضوء شلالا وموكب بلدة
وأجر دمعي.
سوف تفترق المروج على شرودي
سوف تصطدم البحار
فأعجن الميقات
أفرح
ثم أنزع حيلتي
وأدوم.
يلتفت الخريف إلي
يقتلني.
أنا الظمأ
النهار ملابسي.
معناي ليس له حدود
معناي مزمار الحجر
معناي في روح السفن.
2 - رحلة التروبادور إلى جبل بومنقوش
لم ينتبه
لم يبتدئ
لم ينفجر.
مُسِّي إذن دموع الغبش القاحل
إني منتم للارتحال
وتعرفين جبهتي
يا شجر الصهيل
تورق في الغصون غربة المياه
لا هنا ينمو
ولا رفيقتي آتية – النساء الجميلات متن
والجحيم لعبة الطغاة والملوك
حفلة للبوح
حفلة للجري
حفلة للريح.
وهكذا بيوتنا مغلقة – تقطر بالأدغال والصقيع
كي تخبئ الأحزان والخطى
وهكذا
وهكذا...
سألت الينابيع عن صخرة في الكآبة
قيل:
غريب يفتش عن شارع في الرماد
انزلقت إلى وجه أمي
تحسست كل التضاريس فيه
ونمت قليلا على النبض.
كان الشراع صغيرًا
وكانت طفولتنا مشهدا كالخنادق
حين تقاسمني المتعبون
التحمت
وهرولت خلف العذوبة والياسمين
وضعت يدي فوق اسمي
فلاحت قسنطينة الفقراء
لحظات
لحظات
لحظات
نقتلع العمر
ونترك للطين صلابتنا
ياتي الحلم
وتنتحر الأصداء
يغلفها الموج تمد طريقا
للغضب القادم
نفتح للآتين غرابتنا
ونعانقهم
فيقولون لنا:
- ويحكموا-
لكنا نشعل فيهم طعم الرفض
فيزدحمون على النار
يطوفون البلد الآمن
يحتضنون الإنسان
ويغتسلون بعين الشمس.
عاصفة
من طوفان الليل
من طوفان المدن المنسية والبرد
من لحم العشاق المهجورين
ومن جمر الفقراء
من حزن الأرض
ومن غليان الدم.
باسم الحلم الكامن في أعماق الإنسان
باسم الأطفال المنسابين مع الريح
باسم الكلمات الأولى للجوع
نشعل فيهم طعم الرفض
نبعثر صورتها
ونبعثر أنفسنا.
وحين يبللنا الماء
لا ننحني للجماجم
نبحر أكثر
نبحث عنك
ونعرف أنك لا تبدئين
يا ذات العينين الغامضتين
كم مرة طار المدى؟
كم مرة طار الحصى؟
كم مرة سقط الندى؟