1 - الدخول في مرآة القماش الأبيض
دخل في مرآة بلون الفجر, وراح يشرب أنهر التأمل من دمه, ماذا يصنع مثقف وفنان مثله؟
هل يجلس على كرسي حرقته لكي يرسم زهرة الماء والياسمين؟
هل يشرب جفافه كله حتى يسقي في «شوفالييه» الحنين عينا جفت منذ الإنسان البدائي؟
هذه مساءلته لنفسه..
بادرته: من أنت؟
أنا غريب من زمن الأتوال
أشرفت على حد السيف, حد الجهل, أكاد أسقط في عالم لا يعترف بالألوان, ولا بالأشكال, من سوّل لك أن تقول عن نفسك: غريب؟
هذا الصدق الذي يرضع من الزرقة والبحر.
كأني بدائي على مراعي قماشتي العذراء.
والعالم أيضا قماشة لكنهم لا يعلمون ولا يفقهون...
يبتسم في صمت:
لعلك ريشة تعتقد أنها رسام يفلسف الوجود بالألوان, فيرسم الوجودية بالأحمر, والشيوعية بالأصفر, والعدمية بالشفاف, و, و, و, و ...
هذا صدر البحر, قل لو كان البحر مدادا لكلمات الفن منا نفدت كلماته ولو جئت بمثله مددا...
أغلق الحوار وراح ينسفح كطفل طائش في لوحته, جنان «لاندو» المزهر
آه فاته لم يتأوه, لأنه لم يذكر جنته.
وحين سمعني أورقت عيناه بالبكاء, وسقطت دمعة من نور على خده المتلألئ, وتكلمت في مهدها المورد: «لاندو» كما أن أعناق الكالبتوس والزيتون والخيزران ورؤوس النخل الفرنسي, كانت تدين وتخضع إلى قادوم أبي, ومنشاره, فإن أنفاس هذه الحديقة الغيضة الغناء تتطيب في لوحاتك (مسيو) الفنان ياسين, جنة الفلاسفة والفقراء, جنة «ابن خلدون» و«أندري جيد» و «جان بول سارتر» و »دو لا كروا», جنة العصافير والكتب, كلنا آدم, ستفنيه جنته إن أخطأ, هل أكلت من جنة المعرفة كما يقول صوت العهد القديم حتى يكتب «كولن ولسون » اسمك في «اللاّمنتمي»؟
أكلت من شجرة الألوان
وشربت ساقية الأشكال كلها
لذلك اعتقد الحاسدون في هذه البلاد أنني سأصنع مدينة وحدي, أو سأزرع جنة في قماشتي وجنائن آمنة في لوحتي.
هذا هو ذات صباح ألقى رمشه الخفير الرهيف كحمامة فوق كوخ «فلياش» العتيق وهو يشتمّ طفولته على ساقية العش ودروب دار جدي قرب غابة الصوالح
وراح يطارد برصاص أكوراله « ألم لون جميلته القرمزية حوريته, وحبيبته المودودة
« الحرية العاشقة».
نفخ من روحه في شرفته الخضراء..
نافذة القماش الأصفر الذي لا يراه سوى طائر يأخذه إلى بحيرة النور, أو قماشته قاب قوسين من براق معارج السماء, لا تجد صوبها إلا بحار الزرقة والصدق...
لف نفسه حول حلمه, وأدار رأسه كمقراب في عهد الأندلس الخضراء أو الحمراء أو البيضاء, يشهد ميلاد لون جديد له اسم: أحمد ياسين مغناجي في ذاكرة الفن الميتة.
لا تشمت بي الأعداء
ومن هم؟
أجساد بلا أشكال
وعواطف بلا ألوان
ثم اندس كسمكة رمادية, في بحره, وغار حتى أشرقت اللوحة بنور ربها.
2 -موعد غرامي داخل اللوحة
غمزته بعينها, ببسمتها العيناء النجلاء
فلم يجد بدا من أن يمنحها موعدا ورديا
قد انتهى العالم يا حبيبي في بقعة دم
لا تخافي ولا تحزني قد جعل ربك في قلبينا عصفورتين لنطير
إلى أين إلى جزيرة من خزف وهواء أخضر
لونها الطين, وجدرانها قرنفل وسعادة ذائبين معا
العالم مسدس
وقماشة الأتوال قبر بحجم العالم، أو رحم بلا نهاء
حين تغمض عينها لوحتي مدي يدك المحناة
فثمة قارب للنجاة
تعالي وراء منظر طبيعي «بيزاج/Paysage», «روبروديكسيون/reproduction”
وعانقي ما شئت دمعتي.
وحين يحور العالم وردة هلمي لنسكن شرنقتها
ونترك منحدرات الأكورال/aquarelle...
3 -كتاب مفتوح وجسد لن يتذاوب فرطا..
وهو يفتح كتابه
سارعه الحبر
ليس في وجهي ما يسعد أيها الفنان
أعي ذلك, لكنني أفتح باب اليأس والقنوط في كلماتك
عثرت على كلمة جنة وسط ركام من القرف والدماء والقتال واللغات المستوردة
ما هي؟
إنها «فن» له وجه كناري بلا أجنحة،ووجه طفولة.
محمد مغناجي