السبت 23 نوفمبر 2024 الموافق لـ 21 جمادى الأولى 1446
Accueil Top Pub

لماذا يناهض الجزائريون الخيال في السينما؟

يثار جدل وتطلق اتهامات عند إنتاج أفلام تتناول وقائع تاريخية في الجزائر بل وحتى أفلام عادية، وكثيرا ما تكون التهمة عدم مطابقة الفيلم للواقع أو تشويهه للأحداث... والسبب أن غياب تقاليد وثقافة سينمائية في البلاد جعل الجزائريين يؤاخذون السينما على الجنوح إلى الخيال، الخيال الذي لا حياة للفن السابع بدونه.  وقد رسخت في أذهان الكثيرين صورة نمطية عن أفلام الستينيات والسبعينيات التي تناولت الثورة و صناعها، لدرجة أنها باتت مرجعيات، حتى بالنسبة للنقاد و العارفين بالشأن السينمائي، وهو ما عرقل عملية إنتاج أفلام جديدة، تخرج من خانة التوثيق و تقدم للجزائري صورة أخرى عن حرب التحرير، بأبعادها الإنسانية، كما تروج لنضالنا بشكل أكثر جذبا . وقد أكد بعض المخرجين  للنصر، بأن صناعة هذا النوع من الأفلام تعتبر الأصعب، بسبب الهجوم الشرس على كل عمل جديد يجنح صناعه عن المتعارف عليه و يمنحون مساحة أكبر للخيال.تعد حرب الفيتنام في أفلام هوليوود  التي حولت ذل أمريكا الى ملحمة، من أكثر المحطات السينمائية التي تؤكد على أهمية الخروج بالأعمال من خانة المعركة و إعطاء مساحة أكبر للجانب الإنساني للأحداث  و تصوير الأشخاص كأناس طبيعيين يتمتعون بمواقف بطولية و مشاعر إنسانية تحتمل الخوف و الخطأ، الأمر الذي لا يمكن أن يتأتى في السينما الجزائرية التي تحاكي حرب التحرير، إلا إذا منح المخرج الحرية الكاملة في الإبداع و  التغذي من الخيال، كما أكده مخرجون و كتاب سيناريو و مهتمون بعالم السينما، منوهين بأهمية التفريق بين العمل السينمائي الدرامي و العمل الوثائقي، لتجنب الهجوم غير المؤسس الذي  تتعرض له الأفلام السينمائية في كل مرة، بحجة تشويه صورة الأبطال، كما حدث مع  « أسد الجزائر» و « الوهراني» و أعمال أخرى.
نور الهدى طابي


المخرج بلقاسم حجاج: الأفلام السينمائية حول الثورة ليست وثائقيات لا تحتمل الخطأ
انتقد المخرج الجزائري بلقاسم حجاج، الهجوم الذي يتعرض له مخرجو الأفلام السينمائية الثورية، و بالأخص تلك التي تروي قصص نضال قادة الثورة كالعربي بن مهيدي و زبانا و العقيد لطفي و كريم بلقاسم، و حتى فاطمة نسومر، بسبب ما يعتبره البعض أخطاء تاريخية في الأعمال، مؤكدا بأن تعامل السينما مع القصة و السيناريو، لا يمكن أن يتسم بالموضوعية، لأن الفيلم السينمائي ليس عملا وثائقيا لا يحتمل الخطأ. وقال حجاج للنصر، في حوار سابق، بأنه يتعين على النقاد و المتتبعين للشأن السينمائي في الجزائر، فهم الفرق بين السينما التصويرية و بين العمل الوثائقي المبني على أسس علمية تهدف للتوثيق و تسجيل الأحداث بأدق التفاصيل، لأن السينما تحاول تقديم صورة عامة عن الأحداث، لأنها عمل فني تطغى عليه الذاتية، فحتى المخرج يعجز أحيانا عن التحكم في الصورة و الحوار، و مثل هذه الأفلام لا تهدف لسرد قصة حياة الشخصية الثورية و كل من حولها دون مغالطات، بقدر ما ترمي لتصوير الإنسان و محيطه و تفاصيل تلك المرحلة من حياته و حياة باقي الأفراد، لأن الفيلم السينمائي لا يخلو من الخيال و الرومانسية، فهو خلاصة لمجموعة من التجارب الإنسانية.
و أضاف المخرج، بأن مسؤولية حدوث أي أخطاء تاريخية أو مغالطات قد يتضمنها أي فيلم سينمائي ثوري جزائري، لا تقع على عاتق المخرج بقدر ما يتحملها المؤرخون، لأن توثيق الأحداث التاريخية و كتابة وقائع الثورة التحريرية، بما في ذلك الأحداث المتعلقة بحياة و مقتل قادتها، هي مهمة المؤرخين و الأكاديميين، لأنهم وحدهم مطالبون بتوفير المادة التاريخية التي قد يستند عليها أي عمل سينمائي لسرد واحدة من قصص أبطال حرب الجزائر.
المخرج أوضح من ناحية ثانية، بأن صناعة سينما ثورية بالمقاييس المطلوبة، قد يكون ممكنا في الجزائر، لكن إذا ما اهتم المسؤولون و القائمون على قطاع الثقافة أكثر بالصورة و منحوها حقها، لأنها في وضعها الحالي لا تزل بعيدة عن المستوى المنوط به، و ذلك راجع، حسبه، لأن الصورة  كانت و لا تزال في آخر الاهتمامات ، بالرغم من أهميتها الكبيرة كسلاح إعلامي مؤثر .
و اعتبر بأن المخرجين الجزائريين أكفاء بالقدر المطلوب، و الدليل هو الإنتاج السينمائي الثوري الهام الذي قدموه طيلة سنوات عملوا خلالها بإمكانيات جد محدودة، ومع ذلك استمر العطاء السينمائي المحلي، لأن صناعه يدركون جيدا بأن جزءا هاما من الثورة، لا يزال بحاجة إلى تصوير، فالثورة ليست فقط قتالا و سياسة، بل هي أيضا قصص إنسانية متشعبة لها عناوين أخرى.

السينمائي  أحمد راشدي: غياب المراجع التاريخية عقّد عملية تصوير حرب التحريرو أبطالها ليسوا ملائكة
أوضح المخرج أحمد راشدي بأن مشكل غياب أرشيف منظم يؤرخ لمختلف الأحداث التاريخية، سواء ما تعلق بأحداث حرب التحرير أو سيرة الشخصيات و الأبطال، كثيرا ما يعيق العمل السينمائي، لأن المخرج يضطر لأداء دور الباحث و التنقيب عن المصادر التي من شأنها أن تفيده بمعلومات حول شخصية فيلمه و ما يدور حولها، فضلا عن أن بعض ما يعتبره النقاد أخطاء في منظورهم، هو عمل تقني تفرضه متطلبات العمل في منظور السينمائيين الذين يلجئون إلى الأخذ بخلاصة العديد من القراءات للأحداث التاريخية، في ظل غياب مرجع ثابت ، مستشهدا في ذلك بالقول بأن المخرج قد يجمع أكثر من شخصية ثانوية في فرد واحد، وقد يتجاوز أحداثا و يعطي لأحداث أخرى أبعادا مختلفة، نزولا عند سطوة الصورة.
المخرج قال بأن العمل السينمائي هو عبارة عن درما خيالية تنطلق من مادة تاريخية، لا يمكن أن تحول إلى فيلم إن لم تتبن مقتضيات السينما، مشيرا إلى أن انجاز أفلام حول حرب التحرير أو الثورة، هو تحد مستمر لأننا إلى غاية الآن لا نزال نخلط بين الدراما و التوثيق، صحيح أن الهدف، حسبه، من أفلام السير الذاتية لأبطال الجزائر هو تمجديها، و هذه مرحلة هامة لابد من أن نعطيها حقها، لكن التركيز على تصوير الشخصيات كملائكة لا يخطئون، لا يخافون و لا يتراجعون، فيه كذلك الكثير من المغالطة.
و أضاف المتحدث بأن محطات عديدة في حرب التحرير، لا تزال بحاجة إلى أن تتناولها السينما، لكن ضعف المصادر عرقل ذلك، فمثلا هنالك مرجع واحد عن كريم بلقاسم، و كتاب واحد عن بن بولعيد، كما لا يوجد أي عمل عن العقيد لطفي أو عن الحكومة المؤقتة، وهو ما يعتبر نقطة ضعف، لا يمكن تجاوزها إلا من خلال البحث و الاجتهاد و الخيال. هذا  لا يعني تشويه الحقائق، بل سدا للفراغ. مثلا شخصية نابوليون بونابارت أنجزت حولها ثلاثة أفلام سينمائية، لا أحد منها يشبه الآخر، لأن لكل مخرج تصوره الخاص للأحداث و فهمه لطبيعة الشخصية.

المخرج مهدي عبد الحق:  تعلّق الجزائري بنموذج أفلام الستينات حتّم علينا فرض رقابة ذاتية
اعتبر المخرج مهدي عبد الحق صاحب السلسلة الثورية طيور الفجر “ الكشاف، البحار، الفرار و ساعي البريد”، بأننا لم ننتج أفلاما ثورية حقيقية، بمستوى تلك الأفلام النموذجية التي شاهدها الجزائريون بداية من ستينات القرن الماضي، و ما أنتج إلى غاية الآن مجرد محاولات تستحق الاحترام، كما علق، مضيفا بأن مشكلة الأفلام التي تتحدث عن الثورة أو حرب التحرير اليوم، هي إشكالية الفهم الخاطئ لهذا الجانب من السينما، فالنقاد و المشاهدون، على حد سواء،  يملكون صورة نمطية عن هذا النوع من الأفلام التي أوجدتها أعمال  خالدة ك”معركة الجزائر” و “دورية نحو الشرق” و غيرها و قد تحولت إلى نموذج وحيد يعد الحياد عنه و أي محاولة لتصوير الحرب أو الثورة بشكل مختلف، محاولة للمساس برمزية الحدث في حد ذاته، و تقليل من شأن أبطاله أو إهانة غير مباشرة للأشخاص، وهو خطأ شائع.
 و أضاف المتحدث بــأن المرحلة الحالية تتطلب تصوير حرب التحرير بشكل أوسع و أعمق، مع التركيز على البعد الإنساني للأحداث ولصناعها و أبطالها، و ذلك لا يتأتى إلا من خلال التخلص من الصورة النمطية التي تقيد الفيلم الثوري، إن صح القول، و بالتالي التحرر من الرقابة الذاتية التي يفرضها المخرجون على أنفسهم في محاولة لتلبية كل الأذواق و الابتعاد عن الجدل، فمثلا الحب في أفلام الثورة، يعد من المواضيع التي يتجنبها المخرجون، لأن التطرق إليه قد يعد في نظر النقاد، و ربما المشاهدين، محاولة لتسفيه النضال و مساسا بقدسية الأبطال، مع أن هذا الجانب الإنساني و الاجتماعي لحرب التحرير، هو ما من شأنه أن يعيد الوصل بين الجمهور و هذا النوع من الأفلام، كما أنه عنصر أساسي لتسويق العمل لا يمكن تحقيقه، دون إعطاء مساحة أكبر للإبداع و الخيال.

الناقد السينمائي أحمد ملياني: شاهدوا فيلم “ كم أحبكم” لعز الدين مدور لتفهموا معادلة السينما و الخيال و الثورة
يرى المهتم بالشأن السينمائي والناشط في النوادي السينمائية أحمد ملياني، بأن كتابة و تصوير التاريخ، لا يمكن أن يتما بعيدا عن الخيال، لأنه بذلك سيغفل الجانب الجمالي للسينما و يتجاوز الشق الاجتماعي للأحداث ، فتمجيد الثورة كمرحلة فاصلة في حرب التحرير، مسؤولية السينمائيين على اختلاف تخصصاتهم، لكن ذلك لا يعني أن نجرد أبطالها من بعدهم الإنساني، أو نغفل عن الحقائق و نتحايل على التاريخ، حتى وإن تعلق الأمر بأفلام السيرة الذاتية، ففي هذه الحالة يكون احترام الخطوط العريضة للقصص و الأحداث مقدسا، لكن الحبكة يمكن أن تجنح دون الخيال أو الإضافات، ففي النهاية الشخصية الرئيسية أيا كانت طبيعتها، لم تكن وحيدة ولم تعش بمعزل عن محيطها.  
وهذه الإضافات أو الأحداث أو الشخصيات التي قد تنسجها مخيلة صاحب العمل، هي صوت الجزائري البسيط  و صورة الثورة في عيون من ينعمون بحسناتها، وهي أيضا طريقة مثلى لإيصال رسالة النضال للعالم، بعيدا عن صوت الرصاص و لهيب المعارك التي تعد ضرورية، لأنها جزء لا يتجزأ من تاريخ الأحداث، لكنها ليست كل شيء. بالنسبة إلي، فإن فيلم “ كم أحبكم” لعز الدين مدور، يعتبر أفضل الأفلام التي تناولت حرب التحرير بكل أبعادها، حتى أنه من أهم الأفلام التي أزعجت فرنسا، لدرجة إنها طالبت بمنع عرض الفيلم الذي مزج بين الدراما و الكوميديا، خلال مهرجان الفيلم الوثائقي في الولايات المتحدة الأمريكية.
المغزى هو أنه علينا أن نتحرر من قدسية الأشخاص و الخوف من سرد حقيقة الأحداث، ونتعلم كيف نصور حربنا بطريقة مثالية لا تخلو من الإنسانية، لنصالح هذا النوع من السينما مع جمهوره، وهو أمر لا يتأتى إلا من تحلي المخرجين بنظرة نقدية للتاريخ، كما هو حال عظماء مخرجي هوليوود، على غرار مايكل مور و ليبرمان، لنخرج من الأفلام الرسمية و الدعائية، الى أفلام إنسانية لا تخلو من الجانب التجاري.

السيناريست  عيسى شريط:  الحل يكمن في السرد الروائي بعيدا عن الأرقام و التواريخ
موضوع الثورة التحريرية موضوع حساس جدا، حسب السيناريست عيسى شريط، لأنه و  منذ الاستقلال غُلف بغطاء القداسة وأخذ له مع الزمن صفة الطابو الذي لا يمكن تجاوزه، وكلما حاول أحدهم، مهما كانت صفته ،سينمائي أو مؤرخ أو أديب أو فنان أو أي كان، التطرق إلى  موضوع الثورة بشكل جريء، يحاول تجاوز المتعارف عليه، و  تُثار حوله زوبعة من الانتقادات تُخمد محاولته في مهدها.انطلاقا من هذه الرؤية يعتقد المتحدث بأن السينما الجزائرية أو الدراما، لم تخض وتعالج موضوع حرب التحرير بشكل عميق ،بناء على دراسة و تنقيب يسعيان لإظهار الحقائق، مهما كانت مرارتها،  بل اكتفت بالمقاربة السطحية التي لا تتعدى وصف المعارك أو التطرق الى مسيرة شخصية أو قائد ثوري ما.
 هذا ما يفسر ،حسبه، الزوبعة التي أثيرت حول فيلم «الوهراني» مثلا، لأنه تجرأ وحاول تجاوز المألوف والخطوط الحمراء التي لا يمكن تجاوزها، إذن فموضوع ثورة التحرير ،سيظل موضوعا شائكا وملغما ،يحتم على السينمائي والمؤرخ وغيرهما ،أن يتناوله بحذر، لتظل كل الحقائق المجهولة في طي النسيان، تجنبا لإثارة البلبلة.
 الكاتب أوضح بأن السرد الروائي يعد من أنجع الوسائل في العمل التأريخي، أي أننا نسرد التاريخ سردا روائيا ،بعيدا عن التواريخ والأرقام الإحصائية، مما يتيح إمكانية توظيف الخيال كالرواية التاريخية مثلا. ينطبق هذا أيضا على العمل السينمائي الذي يمكنه المزج بين الحقيقة والخيال لصناعة فيلم جدير بالمشاهدة، بدلا من الأفلام المملة التي ينتجونها حاليا والتي تنطفئ وتزول بعد عرضها الأول مباشرة. ثورة التحرير الجزائرية، كما أضاف المتحدث، ليست ثورة أشخاص، بل هي ثورة شعبية بامتياز، بطلها الشعب الجزائري فقط، وهو الجدير بالتمجيد، وعليه أرى أنه قد حان الأوان للسينما الجزائرية لأن تُعالج الآثار الاجتماعية للحرب على الأسرة و الفرد الجزائريين، وما عاناه من مآس حقيقية لا تزال آثارها قائمة الى يومنا هذا، بدلا من تمجيد الأشخاص، هذا فضلا على أنه يمكن للسينما الاعتماد على توظيف عنصر الخيال لصناعة أفلام جميلة، مثل فيلم «الأفيون والعصا» الذي اقبس عن رواية لمولود معمري، وهو فيلم خيالي تدور أحداثه خلال حرب التحرير. إن الأجيال الراهنة لم تعد مولعة ولا معنية بقراءة تاريخ الثورة عبر جرد الأرقام والتواريخ والمعارك، لكن يمكنها قراءتها، إذا قدمت لها في شكل رواية تاريخية أو فيلم سينمائي خيالي، ففي الخيال وحده ،يكمن عنصر الجمالية الجاذب والمحفز، كما قال.

السيناريست عزيز عجابي: يجب أن نصوّر الثورة كما صوّرت هوليوود حرب فيتنام
 أكد السيناريست عزيز عجابي، بأن الفيلم السينمائي الدرامي لا يمكن أن ينجح و يحقق الهدف منه، إذا كان مجردا من الخيال الذي يغذي الحبكة، حتى و إن تعلق الأمر بسرد سير ذاتية لأشخاص أو أبطال، إن صح الوصف، لأن المؤثرات العاطفية هي التي تجذب المشاهد و تربطه أكثر بالشخصية، التي قال، بأنها لابد و أن تقدم للمشاهد بكل أبعادها الإنسانية بأخطائها و مخاوفها و حتى لحظات ضعفها و خيانتها، إن وجدت.و أوضح المتحدث بأن صناعة هذا النوع من الأفلام، يعد الأصعب، خصوصا تلك التي تؤرخ لأحداث أو تتحدث عن أشخاص، بسبب سوء الفهم و عدم القدرة على التفريق بين الدراما و التوثيق الدقيق، وهو ما يفسر الجدل الذي تثيره هذه الأفلام في كل مرة، و الذي يصل حد تدخل عائلات الشخصيات الرئيسية للعمل، و حتى بعض من عايشوا تلك المرحلة، فمنهم من يميل إلى انتقاد تقنيات التصوير،  لكن بالمقابل هنالك من يجنحون إلى النقد الهدام فقط، لأن العمل لم يتطرق إليهم و لم يقدم رؤية درامية تتناسب مع أذواقهم الخاصة.
 حسب السيناريست، فإن الاستمرار في تناول حرب التحرير و الثورة المجيدة بالنمط الحالي، لا يخدمها تماما، كما لا يخدم السينما و المشاهد على حد سواء، لذلك وجب علينا التخلص من قيود التوثيق النموذجي و التركيز أكثر على الجانب الإنساني و الاجتماعي للأحداث، من خلال الغوص في الخيال إلى الجزائر العميقة، و إحياء القصص الإنسانية للأبطال المجهولين،  كنساء الثورة مثلا، و بالتالي صناعة أفلام ملحمية كتلك التي صنعتها هوليوود حول حرب الفيتنام، و استطاعت من خلالها أن تحول الهزيمة إلى مجد و أن تخلق أبطالا من العدم، فقدمت المعتدي كبطل للعالم، ففي النهاية حرب التحرير، لم تكن مجرد معارك و قتل و رصاص و تعذيب فقط، بل عرفت أيضا قصصا إنسانية و تغيرات اجتماعية، من شأنها أن تقدم لنا أعمالا كبيرة تصور الثورة و النضال، بصورة أعمق و أوسع.

الصحفي فيصل ميطاوي: السينما تتطلب الشجاعة لتقول ما لم يقله التاريخ
أكد الإعلامي فيصل ميطاوي بـأن السينما لا بد و أن تحترم التاريخ و تلتزم بحقيقة الأحداث، دون تحريف و لا زيادة و لا نقصان، لكنها لابد و أن تتحلى بالشجاعة لتقول ما لم يقله التاريخ، و أن تقدم للمشاهد حرب التحرير بأمجادها و هفوات البشر الذين صنعوها،  لا أن تصورهم على أنهم ملائكة ، خوفا من النقد أو تلبية للذوق الجماعي. على المخرجين أن يجدوا القالب الصحيح لإنتاج أعمال حقيقية يحترمها النقاد على اختلاف آرائهم و يعشقها الجمهور البسيط، الذي هو بحاجة، كما قال، لأن يرى الجوانب الأخرى لهذه المرحلة الحاسمة و المقدسة من تاريخ الجزائر.
و أضاف الإعلامي بأن مهمة السينما ليست كتابة التاريخ، بل تقديمه للعالم على صحن الإبداع، هنا، حسبه، لا بد من تحديد الفرق بين الفيلم الثوري الإيديولوجي  بمختلف أبعاده الاجتماعية و السياسية و التاريخية و الاقتصادية و الفكرية، و بين الفيلم الذي يتحدث عن الثورة أو عن حرب التحرير عموما، و هو العمل الذي ينطلق من قصة واقعية يحترم تفاصيلها، لكنه يتخذ من الخيال مادة له أيضا،  كما هو الحال بالنسبة ل"الوهراني" لالياس سالم، فالفيلم منح مساحة للخيال، لكنها مستمدة من واقع كان معاشا، ففي السينما لا بد و أن نتعلم كيف نؤنس الأبطال، إن صح التعبير، صحيحا أنهم استثنائيون بشجاعتهم و مواقفهم و وطنيتهم، لكنهم بشر ككل البشر و ليسوا ملائكة، كما نريد أن نراهم، بحكم طبيعتنا الاجتماعية و انتمائنا العقائدي.
هنا لا بد من التأكيد على أن السينما في مختلف أوجهها، لا يمكن أن تتطور في ظل غياب الحريات و تعدد الخيارات، فتطور التكنولوجيا و التقنيات، لا يمكنه أن يخدم الإبداع، ما لم يكن المخرج يتمتع بالحرية الكاملة لبناء الأحداث، في النهاية النقد علامة صحية في مجال السينما و الجدل حول أي فيلم يعني نجاحه، فقط يبقى علينا أن ننعش نظرتنا للخيال في السينما و لا نعطي الأحداث أبعادا غير صحيحة، فالفيلم يبقى مجرد فيلم و أحداثه تبقى مجرد أحداث ما يتعين علينا التوقف عن تأويلها.

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com