المكتبات الجزائرية تدخل التكنولوجيا بالتدريج وهي غير مسؤولة عن غياب القارئ
يُجمع مختصون ومديرون لمكاتب رئيسية للمطالعة العمومية من مناطق مختلفة عبر الوطن على أن التكنولوجيا تزحف شيئا فشيئا نحو المكتبات العمومية كهياكل، غير أن روح الأخيرة لا يزال في حاجة إلا يد بشرية تقنية لاستقطاب واستمالة القارئ نحو الكتاب، ويختلف في المقابل من تحدثنا إليهم في كون الفوارق التي تعرفها كل مكتبة هي السبب الرئيس في تأخر بعض المكتبات عن مواكبة التطور التكنولوجي الحاصل.
ويشترك منشطو ندوة النصر جميعهم في الدعوة إلى ضرورة وضع قاعدة بيانات بيبليوغرافية، كهمزة وصل بين جميع المكتبات لتمكين القارئ من تفحص فهارس الكتب وعناوينها بنقرة واحدة على المواقع الالكترونية للإبحار في المكتبات شرقًا وغربًا..شمالاً وجنوبًا.
ويدعو بعض من تحدثنا إليهم وزارة الثقافة إلى إيفاد بعثات من مهندسي الإعلام الآلي الذين وظفوا لأول مرة هذا العام للخارج للاحتكاك بالخبرات الأجنبية بحجة أن التقنيات الغربية يلزمها تكوين غربي لأياد محلية، كاشفين عن غياب التنسيق بين مكتبي مهمته الجرد والإحصاء وبين تقني مهمته التدوين وجعل المكتبة دليلا صغيرا..وبين هذا وذاك تساءلت عينة: هل أن تعميم التكنولوجيا سيعيد القارئ للمكتبات ليتفحص الكتاب الورقي في ظل عزوف أغلب القراء عن ولوج المكتبات أصلا؟.
يرى المستشار الثقافي بالمكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية بغليزان بولنوار عمار بأن التكنولوجيا لا تأتي للمكتبات، وإنما على مسيري المكتبات التوجه نحو التكنولوجيا لوضع القارئ أمام سبل أمثل للتعامل مع الكتاب، وبحسب المتحدث فعلى الوزارة إيفاد بعثات من عمال المكتبات للخارج للاحتكاك بالخبرات الأجنبية والاطلاع على جانب من التكنولوجيا المستعملة في المكتبات الغربية.
بولنوار قال أنه طاف أزيد من 10 ولايات عبر الوطن مشاركا في أزيد من 10 ملتقيات وطنية، وقف حينها على طريقة العمل على مستوى المكتبات العمومية للمطالعة أين تسعى الأخيرة حسبه لتطوير نفسها في كل المجالات من خلال الإشهار لعملها واستقبال القارئ وتوجيهه.
وحاليا يتم العمل بحسب المستشار الثقافي على مستوى بعض المكتبات ببرنامج الكتروني يعرف بـ”السنجاب” وهو الذي يأتي بديلا للدليل ويتم الولوج إليه باستعمال كلمات مفتاحية.
ويذهب المتحدث إلى حد التأكيد بأن العمل على توحيد البرامج الالكترونية في الظرف الراهن يكاد يكون مستحيلا، فلو تم توحيد البرنامج فيكون وفق شبكة ونظام داخليين للمكتبة فقط، إلى جانب استحالة رقمنة الكتب لوضعها في متناول القارئ لكون الأمر يصطدم بترسانة من القوانين تراعي حقوق الناشر وتسمح فقط برقمنة المخطوطات النادرة، غير أن الرقمنة تبقى بعيدة المنال في الظرف الراهن كون أغلب المكتبات حديثة النشأة عبر الوطن.
يكشف مدير مكتبة المطالعة الرئيسية بتلمسان عبد الجليل شقرون، بأن مكتبته من بين المكتبات السباقة في إنجاز موقع الكتروني يعرف بها، ومعها برنامج الكتروني ينظم عمل المكتبيين من خلال حجز الكتب عبر شبكة الانترنت والتعرف على فهرس المكتبة وغير ذلك من خدمات.
شقرون وفي ندوة النصر بين بأن على المكتبات اليوم أن تنشط عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى إنجاز مواقع لها للتعريف بها والترويج لخدماتها، وعن موقع مكتبته الالكتروني فأوضح بأنه كان في البداية فضاء للتعريف بالملتقيات ليتوجه بعد نحو تبادل ونقل الخبرات. محدثنا كشف بأن كل الكتب بالمكتبة التي يسيرها مؤمنة بنظام يحمي من سرقتها، والقارئ له الحرية الكاملة في التجول بين رفوف المكتبة، مشيرا في ذات السياق إلى توسيع تطوير التكنولوجيا لخدمة فئة ذوي الاحتياجات الخاصة بمكتبة صوتية وكتب على طريقة البراي.
مكتبة تلمسان تجاوزت بذلك خدمة التعريف الالكتروني بالمكتبة إلى خدمة البحث عن الملفات والكتب، مع طرحها إمكانية حجز الكتب من الموقع الالكتروني بإدخال البيانات الخاصة بالمنخرط في المكتبة من أي نقطة كان فيها، وذلك عبر موقع يمنح للمكتبي خدمة معرفة الآجال الممنوحة للمنخرط حتى يرجع الكتاب وفترات تأخره في إعادته للمكتبة، المعني وصف الموقع بأنه “هبال” في إشارة إلى أنه قلص بنسبة كبيرة من التعب والإرهاق الذي يصطدم به المكتبي في التعامل مع القارئ والكتاب، بعد أن تم رصد قاعدة بيانات لكل كتب المكتبة ونسخ واجهات الكتب وفهارسها ووضعها على الموقع.
يرفض علي خنوف مدير المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية مالك بن نبي بأم البواقي الاعتقاد الشائع بأن المكتبيين لا يقدمون خدمات للقارئ الأمر الذي تسبب في تراجع نسبة المقروئية في الجزائر، وهو حكم خاطئ في الأساس، وذلك راجع لكون المكتبات حديثة النشأة فالقديمة بينها يرجع تاريخ فتحها إلى سنة 2010 أو قبل ذلك بسنة أو سنتين، وهي بذلك لا تزال تحبو ولم تبلغ رشدها بعد فوجب عدم محاسبتها حتى تنضج.
فعندما تكمل المكتبات فترة 10 سنوات من إنشائها نذهب لمرحلة تقييم دورها في عشرية كاملة، فالدور الكبير للحث على المقروئية هو على عاتق المدارس والمؤسسات التربوية.
اليوم مكتبة مالك بن نبي بأم البواقي تسعى بعد فتح صفحة على الفايسبوك لطرح موقعها للاستغلال في أقرب الآجال، وهو الآن قيد التجريب وشارف على الانتهاء، ويسعى من خلاله القائمون على المكتبة إلى التعريف أكثر بهذه الأخيرة، وفتح الباب أكثر للقراء خاصة وأن عدد المنخرطين تجاوز 2280 منخرط، وسيسمح جواز السفر الالكتروني للقارئ المنخرط في المكتبة من الإبحار في رفوف المكتبة عبر الموقع الداخلي الذي تم إنشاؤه خصيصا لفهرسة العناوين التي تضمها
بالنسبة لإدخال التكنولوجيات الحديثة في التسيير المكتبي، لابد أن نوضح أن هذه التقنيات لم نستخدمها من أجل الاستخدام حتى نقول استخدمنا التكنولوجيا في المكتبات. لابد من التساؤل: ما الهدف من إدخالها واستخدامها وربط هذه التقنيات بالأهداف الكبرى للمؤسسة؟، فالرهان الأول بعد إنشاء المكتبات هو الحوسبة، ماذا نحوسب؟، حوسبة الأرصدة، التسيير الآلي للأرصدة الوثائقية. الهدف من وراء حوسبة الأرصدة، هو تسهيل إعارة الكتاب، مع تسهيل استرجاعه، ومتابعة حياة الكتاب، وخلق قاعدة بيانات تساعدنا في البحث واستخراج نسب المقروئية سنويا.
هذه القواعد تعطينا إحصائيات عن الكتاب وتداوله بين القراء، وهذا يكون على مستوى الحوسبة وتكون الأخيرة بطرق مختلفة على مستوى كل مكتبة، وحاليا وزارة الثقافة تتبنى إيجاد شبكة وطنية على غرار ما هو موجود في كل دول العالم.
مكتبات المطالعة قامت باقتناء ما يسمى بـ”السنجاب”، برمجية خاصة بتسيير الأرصدة في المكتبات وهو إنتاج جزائري وبعد تعميمه نكون قد خلقنا الشبكة على مستوى الجزائر، ومعنى هذا أننا وجدنا الفهارس ومكنا أي قارئ في أي نقطة من الاطلاع على كل المجموعة الوثائقية عبر التراب الوطني. وتبقى أهداف المكتبة بالرجوع للقانون الأساسي للمكتبات هي تثمين الكتاب ومعه المقروئية، فخلف واجهات الواب لابد من تصميم خدمة لهذا الهدف، إلى جانب الهدف التسويقي للمؤسسة، وفي علم المكتبات تتم كل 5 سنوات عملية تعشيب وكانت الكتب سابقا تحول للمخازن، والآن يتم تثمينها عن طريق التسويق. يبقى أن المكتبات حديثة النشأة والهدف من التكنولوجيات هو عملية توحيدية لخلق هذه الشبكة، ويبقى الوصول إلى ذلك هو إنجاز مرحلة بمرحلة، فالكتاب يعالج قبل الحوسبة، وبخصوص نسبة المقروئية فهي لم تتراجع بل هي مشكل في الأساس.
مكتبتنا حديثة النشأة فتحت أبوابها في الأول من شهر مارس من سنة 2011، وتضم بين رفوفها اليوم قرابة 80 ألف كتاب بمعدل 27 ألف عنوان، لا نملك موقعا الكترونيا ونعرف بنشاطات مكتبتنا عبر موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك، نخطط مستقبلا لإنشاء موقع الكتروني للمكتبة التي تضم ملحقتي تيميمون وأولف، ونملك في المقابل برنامجا داخليا هو “السنجاب” كدليل يستعمله القارئ للولوج الكترونيا إلى الرفوف والبحث عن العناوين التي يريدها.مكتبتنا تضم كذلك 3 قاعات انترنت وقاعة خاصة بذوي الاحتياجات الخاصة مزودة ببرنامج الكتروني خاص بهذه الفئة، وهي كلها ظروف سمحت بانضمام 2600 شخص من مختلف الشرائح كمنخرطين منذ بداية السنة الحالية بالمكتبة، ليرتفع العدد الإجمالي للمنخرطين إلى 10 آلاف منخرط.
انطلاقتنا مع التكنولوجيا كانت مع برنامج الكتروني تم اقتناؤه من المركز الوطني للبحث التقني والعلمي “CERi’ST» وهو معمول به حتى على مستوى الجامعات، والتكنولوجيا هي وسيلة لتوصيل المعلومة. بالنسبة لمكتبة تيبازة فهي فتحت أبوابها شهر جانفي سنة 2012 وهدفها ككل المكتبات ترقية المطالعة العمومية، وهناك مشروع في الأفق لربط 20 ملحقة بها، فعدد المنخرطين تجاوز 4400 منخرط بينهم قرابة 500 طفل، كما تم وضع جهاز مضاد لسرقة الكتب وهو الذي حطم الحواجز بين القارئ والكتاب ويضعه أمام حتمية البحث المباشر في الرفوف، ومع كل هذا فلم يتم إنشاء موقع الكتروني للمكتبة لأن الأمر يأتي تدريجيا.
بالرغم من أن الافتتاح الرسمي للمكتبة كان سنة 2008، غير أن إدارتها تتواجد بإحدى ملحقاتها، ودليل المكتبة حاليا يمكن الولوج إليه من خلال برنامج “سنجاب”، والسعي جار في الظرف الراهن لرقمنة رصيد المكتبة بغرض إتاحته لأكبر عدد من المستفيدين.
المكتبة بتبسة تشمل على 12 ملحقة منها 9 ملحقات مفتوحة، واحدة منها إلى جانب المكتبة الرئيسية موصلة بشبكة الانترنت والبقية تحتوي على شبكة داخلية، وفيما تعلق بالتعريف بنشاطات المكتبة ففي ظل التحضير لإنشاء موقع رسمي ومدونة يتم حاليا نشر النشاطات عبر صفحتين للفايسبوك، وكل الملحقات مدعمة بشبكة تكنولوجية تتمثل في “سيرفر انترابايت 1024 جيغا”، في انتظار ربط المكتبات بشبكة موحدة.
وتم خلال الأسابيع الماضية الإعلان عن مناقصة لتزويد الهيكل الجديد للمكتبة الرئيسية الجاري إنجازه بـ44 ألف كتاب إلى جانب الكتب المهداة من المكتبة الوطنية ووزارة الثقافة.
يكشف التقني السامي المتخصص في الإعلام الآلي بالمكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية بالأغواط مزياني عبد الحميد، بأن الإشكال المطروح اليوم هو التنسيق بين مختلف المصالح داخل المكتبات وهو الهاجس الذي يواجه تحقيقا تكنولوجيا حديثة داخل المكتبات.
فإذا كان بحسب المتحدث الهدف واحد هو إدخال التكنولوجيا للمكتبة، فإن هذا الهدف صعب التجسيد في غياب تنسيق تام بين المكتبيين الذين مهمتهم جرد الكتب ووضع أرقام تدلل عليها وبين مهندس مهمته رقمنة الكتب المفهرسة من قبل المكتبي، ولذلك وجب بأن تكون عملية رقمنة جيدة بان تقابلها عملية جرد قائمة على أسس واضحة. المعني أرجع السبب في ذلك إلى الاختلاف بين النظري والتطبيقي ونقص التكوين لدى بعض المكتبيين، وعلى مستوى مكتبة الأغواط فحاليا التصنيف يتم يدويا ولم يتم استعمال أي برنامج، فالإشكال الذي يمكن طرحه كذلك هو وجوب منح ترخيص لجلب برنامج أنشأه خواص لهياكل عمومية.
نحن حديثون في الميدان، حاليا نؤسس لقاعدة إدارية بجلب الإطار البشري ومن بعدها سنتوجه للإطار التقني بالانطلاق في عمليات الجرد والتصنيف والتقسيم، نحن اليوم في عامنا الأول إنشاء المكتبة وملحقاتها الحادي عشر، والانطلاقة الحقيقية ستكون شهر جويلية من السنة القادمة، فالطاقم البشري يحتاج إلى تأطير. خلال السنة الماضية فتحنا مناصب لتوظيف المستخدمين، ومقرنا مؤقت في انتظار استكمال المقر الجديد والمكتبات في انتظار التحاق الناجحين في مسابقة توظيف 121 منصب على أساس الشهادة، تسير من طرف حاملي عقود الإدماج وهم يفتقدون للعامل التقني، سنطبق مقولة “الذكي من يستفيد من تجارب الآخرين”ونستفيد من تجارب من سبقونا في فتح مكتباتهم أمام القراء.
الدولة أنجزت 36 مكتبة رئيسية للمطالعة الرئيسية للمطالعة بقرابة معدل مكتبة لكل ولاية، والمكتبة يتبعها ما يعادل 6 ملحقات، إضافة إلى المكتبات المنجزة في إطار مشاريع التنمية المحلية، وهي جميعا مؤطرة ومجهزة من طرف الدولة، وهذا كله اهتمام وتأكيد من الدولة على انشغالها بهذا الجانب على عكس السابق. والمكتبات اليوم هي في بداية الإنشاء ويمكن تقييمها بعد 5 سنوات، وننظر إذا ما كان هناك عزوف أم لا، فالوسائل كلها رصدت لتثقيف المواطن وترغيمه في المطالعة وجلبه للمكتبة. وبخصوص منافسة الكتاب الالكتروني للورقي، فالأول نثمنه والثاني لا نقيد أهميته ويبقى دوره في المطالعة والتثقيف والبحث العلمي، غير أن الالكتروني سهل المهمة للقارئ واختصر الوقت والتنقل، وكل منهما يصب في شأن واحد وهو تثقيف المجتمع وتوعيته والنهوض بالمستوى العلمي له.نطالب اليوم بالعمل على تسويق كتب مطبوعة إلى جانب أقراص مضغوطة حتى نستجيب لكل الطلبات ونتفادى أي إشكال في هذا الموضوع، ووجب علينا في المقابل محاربة الأفكار الهدامة في المجتمع، فمستوى أطفالنا يتدنى حتى في اللغة الأم العربية، بنقص المطالعة والمستوى التعليمي ونقص الاهتمام.
على مستوى مكتبتنا فنحن بصدد وضع برنامج الكتروني داخلي ونتمنى إنشاء موقع للمكتبة، وأهم مشروع عندنا هو إنشاء مخبر للغات يؤطره أساتذة متطوعون لتدريس الألمانية والانجليزية والفرنسية، فوجب ألا نقف مكتوفي الأيدي ونتحدث عن غزو ثقافي.