كاتب ياسين تعرّض إلى الشيطنة و عاش مظلوما و مطاردا في كل مكان
عاد الأديب الجزائري كاتب ياسين المثير للجدل إلى قلب النقاش الفكري و السياسي و الأدبي من جديد بعد مضي 26 عاما على رحيله تاركا وراءه إرثا إبداعيا كبيرا و مواقف فكرية و سياسية و ثقافية مازالت تغذي حقول الإبداع و البحث و تثير الخلاف حول الرجل الذي نال من العتاب و الظلم و اللوم و المطاردة ما لم ينله أديب أخر في المغرب العربي و ربما في الوطن العربي كله.
و كان الملتقى الدولي السادس حول حياة و مؤلفات كاتب ياسين بقالمة هذه المرة بمثابة فرصة لأدباء و باحثين من عدة دول و منبرا حرا للدفاع عن الرجل و إنصافه و تغيير الصورة النمطية العالقة في أذهان بعض المثقفين و رجال الدين و حتى بعض المشتغلين في حقل السياسة من الجزائريين و العرب الذين مازالوا يشككون في وطنية كاتب ياسين و انتمائه لامته العربية و الإسلامية و مازالوا أيضا يشنون حملات عنيفة لشيطنة الرجل و إقصائه و محاصرة مؤلفاته و محاربة أفكاره و كل ما يرمز إليه و يحسب له من إبداعات خالدة مواقف تاريخية و فكرية كبيرة جعلته يصنف أديب القرن العشرين، غير انه مازال غريبا بين أمته و مازال يتعرض للمطاردة حتى الآن كما يقول الباحثون المشاركون في الملتقى و الذين قرروا تشكيل ما يشبه جبهة أدبية و فكرية للدفاع عن كاتب ياسين و إعادته إلى بيئته الأصلية بغض النظر عن توجهاته و اللغة التي كتب بها فهو في النهاية كاتب عربي كما يقول الناقد التونسي منصور مهني الذي يرى بأن الشيطنة التي يتعرض لها كاتب ياسين ربما تكون مدبرة و موجهة من مجموعات وصفها بأصحاب الفكر المتزمت و الرأي المتعصب الرافض للحوار مع الآخر.
و يرى الباحثون و الإعلاميون و النقاد المشاركون في الملتقى بأن الذين يشنون حملة الشيطنة الكاملة على الكاتب ياسين ربما لم يقرؤوا مؤلفاته و يطلعوا على سيرة الرجل و مسيرته كإنسان جزائري عربي بسيط عاش ظلم الاستعمار و حياة الفقر و الحرمان و التشرد و مشكلات الاستقلال و كان له في كل مجال رأي حر و مواقف رافضة للاحتلال و الفكر المتعصب و الجمود و العادات و التقاليد التي لا تتطور وفق المعطيات و المستجدات.
النصر تابعت فعاليات الملتقى و رصدت مواقف و آراء المشاركين بخصوص الدعوة الصريحة إلى التصدي لما وصف بحملات الشيطنة و الإقصاء التي يتعرض لها كاتب ياسين الأديب العالمي الذي يعد ملكا للبشرية و فخرا للجزائر و أمته العربية، فقد حان الوقت كما يقول الباحث الجزائري بن عمار مدين صديق كاتب ياسين لتصحيح الوضع و إنصاف الرجل و تقديمه للأجيال كأحد رموز النضال و التحرر و الإبداع الفكري المميز في الجزائر و الوطن العربي و العالم كله.
يرى الباحث الجزائري و صديق كاتب ياسين الأستاذ الجامعي بن عمار مدين بأن صاحب رائعة نجمة عاش مطاردا و محاصرا من طرف الاستعمار الفرنسي منذ أن كان عمره 16 سنة و بعد استقلال البلاد تعرض أيضا لما وصفه بالمضايقات و القول السيئ من عدة أطراف جزائرية رسمية و شعبية بسيطة و مثقفة كانت ترى فيه الابن العاق المتمرد على التقاليد و الأفكار و التو جهات السائدة و ظل الرجل هكذا شبحا مخيفا و مقلقا حتى بعد رحيله قبل 26 عاما، و سبب كل هذا التضييق يضيف بن عمار مدين متحدثا للنصر هو شخصية ياسين القوية الرافضة للجمود و قبول الأفكار و المعتقدات دون نقاش و كذا سوء الفهم و الإجحاف الذي تعرض له من قبل مثقفين و ربما رجال دين و سياسة أيضا.
و عاد المتحدث إلى بداية ما وصفه بالتضييق على كاتب ياسين في زمن الاستعمار عندما كان طفلا صغيرا و قال أن ذلك حدث يوم 8 ماي 1945 بسطيف عندما اندلعت انتفاضة شعبية قوية ضد الاستعمار الفرنسي و كان الطفل الشجاع من بين المشاركين فيها حيث وجد نفسه وجها لوجه مع الرصاص و الفوضى و الدم و الظلم فأصيب بصدمة عنيفة و عرف حقيقة الاستعمار و عرف أيضا بأنه ينتمي إلى شعب محتل يتعرض لأبشع أنواع الإذلال و العبودية، عرف التاريخ و عرف أن هذا الشعب الذي ينتمي إليه هو جسم حي يتحرك و يثور فاشتعل الشعور الحر في ضميره و قرر التوقف عن الدراسة و الكتابة على ملحمة الشعب و بدأت مسيرة النضال الطويلة بالقلم و تفجرت لديه الكلمات و التقاليد و الأفكار و التوجهات و ظل هكذا حرا حتى بعد الاستقلال غير أن الكثير من الجزائريين و العرب عامة لم يفهموه و لم يقبلوه بينهم كمثقف و أديب كبير و لد من رحم المعاناة و المأساة الإنسانية الطويلة.
و اعتبر بن عمار مدين معاداة الاستعمار الفرنسي و ملاحقته لكاتب ياسين بأنه أمر طبيعي لكن ما هو غير طبيعي أن يتعرض الكاتب إلى العزلة في وطنه و من طرف أناس لم يفهموه و اعتمدوا على التحليل السطحي لنصوصه الروائية و المسرحية و الشعرية و حتى كتاباته الصحفية لتوجيه الإساءة له بالرغم من انه لم يكن يعادي بشرا أو مذهبا عقائديا و كان حرا في أفكاره متقبلا للرأي الآخر و في نفس الوقت رافضا للتوجيهات و الأفكار غير المقنعة بالنسبة له.
و كان الأسلوب الساخر و المتهكم أحيانا سببا آخر في عزلة كاتب ياسين و الحصار المفروض عليه في وطنه من قبل مثقفين و رجال دين حسب بن عمار مدين الذي أوضح بأن كاريكاتير المآذن و الصواريخ التي لا تتحرك الذي أنجزه كاتب ياسين رفقة الفنان محمد إسياخم و نشر آنذاك في مجلة الجزائر الأحداث أثار ضجة كبيرة و فهم بالخطأ لأنه لا كاتب ياسين و لا محمد إسياخم أرادا الإساءة للدين الإسلامي و المسلمين بل هو مجرد كاريكاتير جاءت فكرته هكذا عندما كان كاتب ياسين يتجول بمدينة قالمة و مر بإحدى ساحاتها و أعجبه منظر المآذن المنتصبة فجسد ما رآه في قالب فني بدون خلفيات و لا حسابات مسبقة كما يفعل منتجي الكاريكاتير عادة.
و رغم الحصار المفروض عليه لم يغب كاتب ياسين عن الجامعة الجزائرية و المسرح، يقول المتحدث و ظل دائما في قلب النقاش الفكري و الثقافي و مازال إلى اليوم لكنهم نجحوا في اقتلاعه من برامج التعليم الثانوي و قالوا بأن نصوصه صعبة و معقدة، إنهم مخطئون و يرى بن عمار مدين بأن المشكلة هي أن المعلم لا يجتهد و لا يعمل حتى يفهم نصوص كاتب ياسين و يقدمها لتلاميذه.
و تساءل لماذا يبقى كاتب ياسين مغيبا في وطنه و أمته العربية في وقت يحظى فيه بالدراسة و النقد و البحث المتواصل بالجامعات الأوربية، مضيفا بأنه شارك الأسبوع الماضي في ملتقى دولي حول كاتب ياسين بجامعة السوربون بباريس و أجمع الباحثون المشاركون في الملتقى بأن كاتب ياسين هو أديب القرن العشرين.
و بدا صاحب كتاب « كاتب ياسين القلب بين الأسنان» متأسفا على ما وصفه بالعزلة التي يعاني منها الكاتب في وطنه الجزائر و قال انه سأل خليدة تومي عندما كانت وزيرة للثقافة لماذا لا يكون كاتب ياسين في المدرسة و شوارع المدن الجزائرية باعتباره أديبا عالميا مميزا يشرف الجزائر و الأمة العربية، مضيفا بأن اسم كاتب ياسين موجود فقط بمسرح تيزي وزو و ماعدا ذلك لا يذكر أسمه في أي مؤسسة تعليمية أو ثقافية جزائرية أو حتى شارعا في مدينة أو قرية صغيرة.
و خلص بن عمار مدين إلى القول بأن من يعتبرون ياسين ملحدا مخطئون و من كانوا يقولون أنه بربري مخطئون أيضا، كان إنسانا بسيطا و مناضلا مدافعا عن الجزائر بالفكر و القلم و كان يدافع عن حرية الفكر و المعتقد و لا يرى بأن الإسلام هو المسجد فقط، كانت له الشجاعة في مواجهة الاستعمار بالقلم و إحداث ثورة في الأفكار الحرة و أدب المأساة الإنسانية و السخرية اللاذعة.
فريد.غ
أتهم الأديب التونسي منصور مهني من وصفهم بأصحاب الفكر المتزمت وقال بأنهم يقفون وراء حملات مكثفة تهدف إلى شيطنة كاتب ياسين و عزله عن أمته العربية و وطنه الجزائر و أرجع حملات الشيطنة هذه إلى طبيعة المجتمع العربي و سياسته المبنية على منطق الإقصاء و الفكر المتحجر الثابت.
و قال منصور مهني الحائز على الجائزة الأدبية كاتب ياسين سنة 2013 متحدثا للنصر بأن كاتب ياسين كان يغضب و يحرج كل من له بناء و فكر ثابت غير قابل للتغير وفق الظروف و المعطيات و هو حال المجتمع العربي الذي مازال يعادي كل من لا ينصهر في القبيلة و الجهة و يصدر أحكاما حول الوطنية و القومية و الإيمان و الإلحاد، مضيفا بان تعقد فكر كاتب ياسين و قوة تأثيره و نفوذه جعله يخترق هذه المساحات دون الاستقرار في مساحة معينة و يثير الجدل حول الذات و الشخصية الفردية و الانتماء العقائدي و الجغرافي.
و حسب منصور مهني فإن كاتب ياسين حيوي متحرك دائما يرفض الجمود و الفكر المتحجر و مفردات الإلحاد و الإيمان و العروبة و القبيلة و غيرها من المفردات السائدة في المجتمعات العربية و من ثم جاءت عملية الشيطنة لكل ما يرمز لكاتب ياسين من أفكار حرة و توجهات متفتحة على العالم و الإنسانية كلها.
و ذهب الناقد التونسي و رئيس اللجنة العلمية لملتقى كاتب ياسين إلى القول بأن الذين يعتبرون أنفسهم مؤمنون بالله عليهم أن يعرفوا بان الله ترك الشيطان حرا إلى يوم الحساب و لو شاء لقيده و عطل أعماله فكيف لبشر أن يشيطن بشرا آخر و يصدر أحكاما جائرة في حقه من منطلق الخلاف و المعتقد و التحليل السطحي.
و طالب المتحدث بتجاوز منطق الشيطنة السائدة في المجتمع العربي و التحادث مع الآخر و التسامح معه و احترام فكره و توجهاته الشخصية، مضيفا بأنه حان الوقت لتصحيح الوضع حول كاتب ياسين و اللغة العربية و أصوله و التصدي للشيطنة الكاملة التي تعرضت لها مؤلفاته و أفكاره و هذا بسبب الخلط بين الإسلام و العربية. و دعا منصور مهني إلى فتح نقاش واسع حول الأديب و تصحيح الانحرافات و الانتقادات التي مازال يتعرض لها حتى الآن من طرف كتاب و مثقفين بينهم واحد وصف نصوصه بالغامضة و أدخل عليها الخمر و العقل في مدخل مخجل يحيل إلى قصر في النظر و إجحاف في حق الرجل، و هذا خلل منهجي مخطئ اتخذه المتزمتون كوسيلة لضرب الثقافة و الإبداع، و مثقف آخر أخرج كاتب ياسين من محيطه و أفرغه من عروبته و اعتبره فرنسيا كتب بالفرنسية و طورها و قال أن من حق فرنسا أن تحتفي به و تكرمه أما نحن العرب فلم يفدنا في أي شيء و لا نحتفي به و لا نكرمه.
و سرد منصور مهني مقولات عديدة لمثقفين و كتاب عرب آخرين ينتقدون كاتب ياسين و يرمونه بالإلحاد و السخافة كما قال، حيث ذهب أحدهم إلى حد المطالبة بعدم دفنه بمقبرة العالية عندما توفي في أكتوبر 1989.
و حسب الناقد التونسي المشتغل على مؤلفات و فكر الأديب فإن أسلوب السخرية الذي يميز كاتب ياسين هو سخرية أدبية عادية تقود إلى تشغيل النقد البناء و هي أيضا مفتاح التفكير و الإبداع.
و يعد كاتب ياسين في نظر منصور مهني كاتبا عربيا بغض النظر عن اللغة التي كتب بها رواياته و نصوصه الشعرية و المسرحية و مقالاته الصحفية و حواراته مع كبرى وسائل الإعلام الأجنبية، و قال بأن الحراك الحالي و الاهتمام المتزايد بكاتب ياسين في الجزائر و تونس و دول عربية أخرى مؤشر إيجابي و مشجع على تكثيف البحث و الدراسة حول حياته و مؤلفاته ذات القيمة الأدبية و التاريخية الكبيرة.
فريد.غ
انتقدت الباحثة و الأستاذة بجامعة فيينا بالنمسا بوشنتوف صياغ زهرة ما وصفته بالإجحاف و التنكر لعروبة كاتب ياسين و وطنيته بسبب مواقفه و توجهاته الفكرية و معتقداته، و قالت أن كاتب ياسين لم تكن له عقدة مع لغته الأم سواء العربية الفصحى أو العامية لغة الشعب التي استعملها الأديب في الكثير من أعماله الشعرية و المسرحية و حتى في نصوصه المكتوبة باللغة الفرنسية، كانت اللغة الجزائرية العامية حاضرة بقوة في أسماء الشخصيات و الأشياء، مضيفة بأن كاتب ياسين استعمل لغة الكولون بقوة للدفاع عن أمته و وطنه و إبراز تاريخ شعبه و هويته و مقوماته فهو لم يكن مطيعا للفرنسيين و لغتهم كما يتوهم البعض حيث استقال من الحزب الشيوعي سنة 1946 و قال للفرنسيين بان الجزائريين لا يريدون أن يحكمهم البيض و يقررون مكانهم في إشارة واضحة لبداية النضال الحقيقي ضد الاستعمار.
و حسب المتحدثة فإن وطنية كاتب ياسين و عروبته ظهرت بوضوح و قوة سنة 1947 عندما قدم خطابا تاريخيا كبيرا حول الأمير عبد القادر و استقلال الجزائر بباريس و تحدث بكل شجاعة أمام الفرنسيين و عمره 18 سنة و قال لهم بأن الأمير عبد القادر قائد دولة عربية مسلمة فلماذا تنكر عروبة كاتب ياسين إذن و يتعرض لانتقادات بسبب توجهاته الفكرية و معتقداته و طريقته الخاصة في الحياة.
و قالت بوشنتوف صياغ زهرة بان كاتب ياسين كان عالمي الفكر لم يتحدث عن الجزائر فقط بل تحدث أيضا عن الهند الصينية و مدغشقر و الدار البيضاء و انتقد الاستعمار في كل مكان و برز كأديب مناضل من أجل قضية الأمة العربية و الإنسانية معتمدا في ذلك على أدب التراجيديا المجسد بوضوح في نجمة و الجثة المطوقة و غيرها من الأعمال الخالدة في صفحات الأدب العالمي، حيث برزت النزعة الوطنية التحررية لدى كاتب ياسين سنة عقب مجازر 8 ماي 45 عندما عاش الأديب مواقف و أحداث تاريخية حاسمة غيرت نظرته للاستعمار و دفعته بقوة إلى النضال بالقلم و الفكر لتحرير الجزائر و دفع الظلم عن شعب مضطهد.
فريد.غ
قال عمر كمال الأستاذ المحاضر بجامعة بومرداس بأن المثقفين الذين ينتقدون كاتب ياسين لم يفهموه لأنه كان يتحدث عن الجزائر بطرق متعددة و أساليب إبداعية تختلف في الطرح و النهج بين المسرح و الرواية و الشعر و الصحافة، كان يتحدث عن الجزائر المتعددة الثقافات و التقاليد و لم يكن يؤمن بالجزائر الوحدة الموحدة بالمعنى الضيق الذي يفهمه بعض العامة و ذوي الثقافة المحدودة، بل كان يؤمن بالجزائر المتعددة الثقافات و اللغات و الكيانات البشرية.
و أضاف عمر كمال للنصر بأن هناك مشكلا إيديولوجيا حرم ياسين من التواصل مع محيطه و ألب عليه بعض المتحاملين على جماعة اليسار في الجزائر و في مقدمتهم كاتب ياسين الذي لم يكن أبدا ينكر هويته العربية الجزائرية و دعا إلى قراءة المقدمة لابن خلدون بالرغم من أنها مكتوبة بالعربية كما تحدث أيضا بباريس و عمره 18 سنة عن الأمير عبد القادر المناضل و رجل الدين و كان يرى فيه مؤسس الدولة الجزائرية و ظل يدافع عنه أمام الفرنسيين بكل شجاعة حتى انه أثار غضب السلطة الفرنسية و بدأت ترى فيه مصدر خطر على وجودها بالجزائر.
و حسب المتحدث فإن كاتب ياسين ظل وفيا لوطنه و أمته الجزائرية و المغاربية و العربية و يتجلى ذلك في رائعة نجمة التي ترمز إلى الفكر المغاربي و توجهات شعوب المنطقة المحتلة حيث غاص الأديب في عمق التاريخ للبحث عن جذور الأمة الجزائرية و المغاربية و تحدث كثيرا عن مقدمة ابن خلدون حتى بدا أن هناك تشابها كبيرا بين كاتب ياسين و ابن خلدون رغم اختلاف المنهج و اللغة و الفكر.
و تساءل عمر كمال كيف يتعرض كاتب ياسين للانتقاد و هو الذي كتب عن الأمير عبد القادر و ابن خلدون و تحدى الفرنسيين في باريس دون عقدة أو خوف عندما تحدث صراحة عن الاستقلال و النضال الطويل الذي بدأه مؤسس الدولة الجزائرية الأمير عبد القادر، مضيفا بأنه حان الوقت لتصحيح بعض المفاهيم و المعتقدات الخاطئة و إنصاف الرجل من خلال تكثيف الملتقيات و نشر مؤلفاته و تدريسها للأجيال الجديدة حتى تعرف حقيقة الأديب الكبير و تصلح ما أفسده القوم عن قصد و ربما عن جهل، داعيا النخب المثقفة في الجزائر إلى تحمل مسؤولياتها في التعريف برموز الأدب و الثقافة.
فريد.غ
تساءل الروائي و الإعلامي التونسي حسونة مصباحي عن أسباب عودة النقاش السيئ و الخلاف حول كاتب ياسين في كل مرة وسط بعض المثقفين العرب و الجزائريين على وجه الخصوص و انتقد بقوة الجدل القائم حول عروبة الكاتب و دينه و هويته الثقافية و الفكرية و قال بأن كاتب ياسين لا يمكن اختزاله في لغة و دين و وطن فهو ملك للبشرية و هو موجود في كل بقاع العالم بمؤلفاته و فكره و مواقفه من الاستعمار، العبودية و قضايا التحرر في العالم كله و يكفيه أنه أقيم له متحف خاص به في العاصمة الإرلندية دبلن احتراما له و اعترافا به كأحد رواد الأدب التحرري في القرن العشرين.
و أضاف حسونة مصباحي الذي قضى سنوات طويلة في ألمانيا بأن هناك أطرافا مازالت تتساءل هل كاتب ياسين عربي، مسلم، فرنسي و هي لا تعرف بعد من هو كاتب ياسين و ماذا قدم للجزائر و الفكر البشري و الأدب العالمي المميز. و دعا المتحدث المثقفين العرب إلى الكف عن الجدل غير المفيد و إعادة قراءة كاتب ياسين الذي قال أنه اقتحم اللغة الفرنسية و ابتكر و طور فيها حتى صارت له لغته الفرنسية الخاصة و نحن لم نتمكن بعد من اقتحام اللغة العربية المقدسة و تطويرها يضيف الروائي التونسي متحدثا عن مواقف الكاتب في آخر حوار صحفي له مع جريدة فرنسية قبل رحيله بأربع سنوات و الذي كشف فيه عن جوانب غير معروفة من حياته كاعترافه بهروبه من المدرسة القرآنية بسبب عقوبة «الفلاقة» و قسوة معلم القرآن و فضل الثورة الجزائرية في نشر أعماله و موقفه من العلاقة بين جيل المناضلين القدامى و جيل الشباب المثقف المتعلم و المهمش أيضا.
و يرى حسونة مصباحي بأن الحوار المنشور في مجلة « l'autre journal» الفرنسية في شهر أوت سنة 1985 يعتبر وثيقة هامة و أساسية لفهم صاحب «نجمة» و سبر أغوار تجربته الإبداعية التي لا تزال محافظة على تميزها و اشراقتها حتى هذه الساعة، و تحدث عن هذا الحوار الأخير قائلا بأن «كاتب ياسين بدا و كأنه حدس الاضطرابات الشعبية التي هزت الجزائر انطلاقا من خريف عام 1988 و التي أشعلتها المشاكل و الأزمات التي تعاقبت على البلاد منذ حصولها على الاستقلال عام 1962 و هذا ما نتبينه من خلال الفقرة الأولى في الحوار و التي يشير فيها صاحب (الجثة المطوقة) إلى أن صورة الجزائر في تلك الفترة هي أولئك الشبان الذين نراهم واقفين، و ظهورهم إلى الحائط و هم ينتظرون و هم شبه ضائعين في التاريخ. و يرى كاتب ياسين بان الذين ولدوا بعد الاستقلال يجدون صعوبة كبيرة لإدراك كيف و لماذا تعيش الجزائر وضعا متفجرا محدقا بمخاطر على أصعدة مختلفة و متعددة. و يضيف بأنه جد متأثر بالمشاكل التي يعاني منها الشباب الجزائري لأنه هو أيضا عاش انتظارا مماثلا في فترة شبابه و مثلهم كان قلقا على مستقبله و على حياته.. غير أنه يعتقد أن الأمر أشد سوءا بالنسبة لأجيال ما بعد الاستقلال إذ أن هذه الأجيال تشعر أن الوطن الذي تنتمي إليه لا يقدم لها ما تريد، و ما تطمح إليه من أجل حياة أفضل، لذالك تتفاقم إحباطاتها و خيباتها يوما بعد آخر. و يشير كاتب ياسين إلى انه يحرص دائما على أن يكون منصتا للشباب، و قريبا منهم و من همومهم اليومية و الحياتية، لهذا السبب أسس فرقة مسرحية في مدينة سيدي بلعباس، و وسع دائرتها لكي يتمكن من خلالها من مخاطبتهم، و تبليغ صوته و أفكاره إلى أكبر عدد منهم».
و واصل الروائي التونسي حديث قائلا «ثم يعود كاتب ياسين في حواره مع المجلة الفرنسية التي توقفت عن الصدور في العدد الرابع إلى الماضي البعيد و تحديدا إلى طفولته و سنوات مراهقته ليبلغنا أنه انتسب الى المدرسة القرآنية و هو في الخامسة من عمره غير أنه يحتفظ بذكريات سيئة عن تلك الفترة بسبب الفلقة التي كان يستعملها المؤدب لمعاقبة تلاميذه الصغار، و مع ذلك كان القرآن الوسيلة الوحيدة لتعلم اللغة العربية التي كانت محاربة و مضطهدة في ذالك الوقت حيث كانت الإدارة الفرنسية تعمل جاهدة على محوها من الوجود بهدف فرنسة المجتمع الجزائري برمته. بعدها التحق كاتب ياسين بالمدرسة الفرنسية، و شرع يلتهم الكتب بلا توقف متماثلا في غالب الأحيان مع ما كان يقرأ من كتب لذالك هو يعتقد انه نضج قبل الأوان، و انه انجذب إلى لغة موليير بسبب قراءاته المبكرة. و كانت المدرسة الفرنسية تقع في قرية أغلب سكانها من الفرنسيين و الأوروبيين و المسلمين المتفرنسين. و مع أطفال المدرسة كون كاتب ياسين عصابات صغيرة يتفنن المنتسبون إليها في ارتداء أزياء الجنود العائدين للتو من جبهات القتال في الحرب الكونية الثانية، أحيانا كانوا يكونون جيشا من جنود أوروبيين يقودهم أطفال من سكان البلد الأصليين ، و كان كاتب ياسين يحب أن يكون جنرالا و هو في الثانية عشرة من عمره. و هو يتذكر أن الناس كانوا يهللون عندما يشاهدونه يقود جيشا من الأوروبيين، ويعلق كاتب ياسين على هذا قائلا (إن هذا العالم كان بالنسبة لي عجيبا و رائعا... في ذلك الجيش كان طفل كورسيكي، وطفل يهودي، و طفل إيطالي.. كنت في الثانية عشرة أو في الثالثة عشرة من عمري .. و كنت أغادر فترة الطفولة و بدأت ألاحظ أن الأوروبيين ليسوا طيبين كما كنت أتصور.. لذا نما في داخلي الإحساس بالقطيعة، و أخذت العنصرية شكلا فاضحا و مريعا).
و خلص حسونة مصباحي إلى القول بان كاتب ياسين ظلم كثيرا من طرف الفرنسيين و أبناء وطنه و أناس آخرون لا يعرفونه و لم يقرؤوا ما كتبه و لم يطلعوا على ما عاناه الرجل من أجل أمته و وطنه و من أجل الفكر المتحرر و الإنسانية المستعبدة.
فريد.غ