أثر الحضارة على ألواح خشب
ترتبط الأبواب في قسنطينة بأسطورة جميلة تروي حكاية مدينة لجأت إليها الحضارة، فاحتضنتها و أغلقت عليها أبوابها السبعة لتمنع عنها أذى البشر، لكنهم دكوا حصونها و أسقطوها، وقبل أن تطمر تحت ردوم الزمن، أورثت صور الرقي إلى الأبواب الخشبية الصغيرة التي تزين مداخل منازل النسيج الحضري القديم، باعتبارها أفضل ما يمكن أن يعبر عن هندسة الوجود الاجتماعي و الثقافي و الاقتصادي والحضاري العام في المدينة، خلال فترات متباعدة و مختلفة من تاريخ العمران الحضري، كما يقول ابن خلدون، وهذا ما ينطبق على أقدم أبواب المنازل في سيرتا.
إعداد: نور الهدى طابي
هذه النماذج الخشبية المتفردة عادت مؤخرا لتتصدر أحدث التصاميم في الفنادق العصرية، و أصبحت منبع وحي للكثير من الفنانين و التشكيليين، بفضل جماليتها العالية و تقنيات زخرفتها الأنيقة ذات الرمزية العميقة.
رمزية البورجوازية في ثلاثية الشكل و الزخرفة و اللون
تعد الأبواب في مداخل البيوت القديمة ، بمثابة ممر عبر الزمن يمكن من خلاله الولوج إلى المتخيل الرمزي والجماعي لمن سكنوها عبر التاريخ، أي أنها ممر إلى الذاكرة الجماعية، وذاكرة سيرتا التي يزيد عمرها عن 2500سنة، انفتحت و انغلقت على من تعاقبوا عليها من غزاة معروفين وفاتحين مجهولين، كانفتاح الأبواب وانغلاقها، ما ترك بصمة واضحة تعكس مزيج الاختلاف البشري و الثقافي و الحضاري، تظهر جليا من خلال هندسة الأبواب و زينتها و حتى الألوان التي اختيرت لها، فلكل لوحة خشب مصقولة هوية معينة، سواء اعتمدت كباب بسيط، أو زينت بالنحاس و الحديد لتحرس مداخل المنازل الكبيرة.
ميزة أبواب قسنطينة أنها لا يتعدى طولها غالبا مترا و نصف ومنها ما يجبرك على الانحناء لولوجها، أما سمكها فيقدر عموما بحوالي 40 سنتيمترا تتوفر من الداخل على دعامة خشبية مثبتة في الوسط، تجعل فتحها من الخارج أمرا شبه مستحيل، معظمها مصنوعة من خشب شجرة اللوز المعروف بمتانته.
ذات الخصائص تتقاسمها هذه الأبواب أيضا مع مداخل منازل قديمة في تونس و المغرب، لكن مع اختلافات تقنية بسيطة، و السبب في هذا التقارب راجع إلى الاشتراك في المصير التاريخي بفعل امتداد تأثير الحضارات التي تعاقبت على منطقة المغرب العربي عموما.
بمدينة الصخر العتيق، احتفظت أبواب المنازل بخيط رائحة يعبق بنسيم الأندلس و عطر ثقافة الدولة الحفصية و الحكم العثماني، الذي رحل باياته و باشاواته و تجاره، بعد أن نقشوا على خشب أبواب منازل السويقة، رحبة الصوف، سيدي الجليس، سيدي بوعنابة، السيدة، باب الواد و القصبة، رموزا تشير إلى ثقافتهم و معتقداتهم و دهنوها بألوان أعلامهم.
من خلال معاينتنا لعدد من الأبواب التي لا تزال صامدة عند مداخل المنازل القديمة بقسنطينة، نلاحظ أن أكثر الرموز انتشارا هي النجمة السداسية و الهلال فضلا عن المثلث، بالإضافة إلى بعض الزخرفات الإسلامية و رسومات لنباتات و زهور، أما الألوان فمعظمها أزرق قاتم أو فاتح، بالإضافة إلى استخدام متقارب للبني و الأخضر و الأصفر.
خلال جولتنا بين المنازل، حاولنا سؤال أصحابها عن رمزية الأشكال على أبوابها، فعلمنا بأن المنازل كلها تقريبا تعود ملكيتها لعائلات نبيلة و برجوازية، قيل لنا بأنها كانت تتميز في الشوارع و الأحياء بأبواب منازلها الفخمة المطعمة بالنحاس أو المزينة بأشكال، منها ما ينقش من أجل الزينة ومنها ما يهدف لصد العين و الحسد.
أما الألوان فهي، حسب إدريس أمين خوجة، حرفي النحاس و ابن المدينة القديمة، عصارة سنوات من الانصهار في الثقافة العثمانية، لذلك نجد أكثرها ذات لون أخضر و أصفر في الطبقات القديمة المتآكلة لهذه الأبواب.
أما الأزرق المشتق من النيلة، فيستعمل بكثرة لأنه يحمي من العين في الثقافة الشعبية، تماما كأشكال الدوائر التي تشبه الحلقات و التي عادة ما يتم رسمها على الأبواب باستخدام مسامير ذات رؤوس مدببة و عريضة، ترمز هي أيضا إلى متانة البيت و تلاحم سكانه، أما كف اليد أو « يد فاطمة»، فهي رائجة الاستخدام للاعتقاد بقوتها في طرد الشرور و الحماية من العين.
أما المثلث الذي يحدد أيضا باستخدام المسامير أو من خلال الطرق الدقيق، فهو حديث الوجود كزينة على الأبواب، مقارنة بالرموز الإسلامية كالهلال و النجمة، ونجده، كما قال، في منازل العائلات ذات الأصول الأمازيغية، ويهدف للحماية من العين وهي نفس رمزية حذوة الحصان التي نجدها كذلك عند بعض المداخل.
محدثنا قال بأن العائلات القسنطينية الكبيرة كانت تختار لمنازلها تلك الأبواب التي تغطى حوافها بالنحاس، لتكون أكثر متانة و تعكس ثراء العائلة.
قصة « الظبة» التي ضيعها العرب
لعل أجمل و أبرز ما يميز هذه الأبواب بقسنطينة هو تلك المقابض الحديدة، التي تتوسط الجزء العلوي منها، و تختلف حسب الأشكال و الأحجام ، فأبرزها الحلقة و اليد الصغيرة و رأس الأسد أحيانا.
بالنسبة لاستخدام اليد و رأس الأسد، فنجدها أكثر في الجزء العلوي للمدينة باتجاه باب الواد و القصبة، و يؤكد باحثون بأنها تعود إلى الحقبة الاستعمارية لأن تشكيل المخلوقات في الثقافة الإسلامية محظور، أما الحلقة فتعد الأكثر شيوعا و استخداما في المدينة القديمة و شوارعها و أزقتها و نجدها بحجمين الكبير و الصغير تثبت عادة في وسط طبق مقعر إلى الخارج مصنوع من الحديد و مزين بزخرفات و نقوش إسلامية وتعرف هذه الحلقة، حسب الباحث عبد الله حمادي، بـ « الظبة»، وهي كلمة عربية كانت شائعة في الأندلس، لكنها ضاعت بعد سقوطها و اشتق منها الأسبان كلمة « إلبابا» و تشير الى ذات المقبض.
خصوصية هذه المقابض لا تكمن فقط في أشكالها، بل أيضا في أحجامها، وهنا توجد روايتان، الأولى تقول بأن أصحاب المنازل كانوا يثبتون قبضين على الباب، الظبة الأولى صغيرة و الثانية كبيرة، فإن استخدمت الصغرى للقرع فالطارق امرأة، وإن استخدمت الكبيرة للطرق فالزائر رجل، أما عن سبب وضع الكبرى فوق الصغرى، فيقال بأنها للتمييز إن كان الباب كبيرا، فإن طرق الزائر باستخدام الظبة العليا، فهو أكيد رجل يمتطي حصانا.
بالمقابل ،يقول الدكتور عبد الله حمادي، بأن العائلات القسنطينية كانت تبرز مكانتها الاجتماعية و ثرائها من خلال حجم الظبة، فالكبيرة تستخدم في بيوت النبلاء و الأثرياء، و الصغيرة لعامة الناس.
سر الأبواب المدمجة و المزدوجة
جمالية أبواب قسنطينة لا متناهية، ولا تتوقف عند الدلالة الرمزية للزينة و الألوان، فهندستها و تصاميمها في حد ذاتها ، متنوعة و مختلفة رغم أنها تتخذ في الغالب شكل القوس العربي الإسلامي، فخلال جولتنا بين ما بقي من أبواب، لاحظنا وجود ثلاثة أنواع، أبرزها الأبواب المزدوجة بدفتين، بالإضافة إلى الأبواب الخشبية العادية بدفة واحدة، و الأبواب المدمجة المكونة من بابين، باب كبير يتوسطه باب صغير.
وحسب المهندس ومدير متحف الفنون و الثقافات الشعبية بقسنطينة قصر الحاج أحمد باي، نصر الدين توام، فإن جل الأبواب الخشبية القديمة بأزقة المدينة، هي انعكاس لتأثير ثقافتين استطاعتا الصمود أمام التغييرات التي أحدثتها فرنسا، وهما الثقافة العثمانية و الحفصية، لذلك فإن هندسة المداخل تعتمد النسق العمراني الإسلامي ممثلا في القوس، و أحيانا نلمح الأعمدة ذات التيجان أيضا.
أما حجم الأبواب فعادة ما يكون صغيرا و بدفتين، ليسمح فقط بعبور الأشخاص بكل حميمية، و يعزل كل ما يوجد خلف الباب، نظرا لطبيعة المجتمع المحافظ، ولا تفتح الدفتان معا، إلا خلال الجنائز أو الأفراح، تماما كما هو الحال بالنسبة للأبواب المدمجة، فالصغير أو الأوسط يخصص للاستخدام اليومي وهو أيضا يوفر شرط الحميمية، أما الباب الذي يحتويه، فلا يفتح سوى خلال المناسبات، وهذا النوع يوجد عادة في المنازل الكبيرة.
من جهتها أضافت المهندسة إيمان ساحلي ، بأن شرط الحميمية يعد السر وراء توفر غالبية المنازل القديمة بقسنطينة على بابين، فالزائر أو صاحب البيت يدخل من الباب الخارجي ليجد نفسه أمام رواق صغير يسمى بالسقيفة، في آخره الباب المؤدي الى داخل المنزل، وهذا الرواق كان يستخدم في حال كان الزوار رجالا، إذ يمنح الوقت للنساء للاختباء في غرفهن.
سلطة الباب في الفضاء الداخلي للمنزل
مكانة الباب في الثقافة المحلية بقسنطينة لا تتوقف عند المدخل فحسب، بل تتوسع إلى الفضاء السكني، فرمزيته هنا، كما أوضح الحرفي إدريس أمين خوجة الذي ساهم في عملية ترميم قصر أحمد باي، تختلف حسب جنس صاحب الغرفة و وضعيته الأسرية.
فغرف الإناث تكون عادة مزينة بأشكال النباتات و الزهور و تتوفر على مقبض، أما غرف الذكور فهي غالبا بلون موحد قد يكون أخضر. علما بأن الشاب كان قديما بقسنطينة يطرد من المنزل و تحديدا « دار الجيران» إذا تجاوز سنه16 سنة كي لا يختلط بالإناث، فيقضي أيامه في الحمامات إلى أن يتزوج فيعود مع عروسه إلى المنزل، لكن بباب غرفة مختلف يتضمن دلالات تشير إلى أن الغرفة هي لزوجين.
بالمقابل لاحظنا خلال جولتنا في بعض المنازل القديمة، بأن الأبواب المستخدمة في قاعات الاستقبال و غرف الجلوس تكون عادة مشكلة من دفتين قصيرتين أي أنها لا تغطي المدخل بشكل كلي.
منازل نسكنها و أبواب تسكننا
خلال جولتنا بين منازل المدينة القديمة خلال إعداد هذا الملف، لاحظنا بأن غالبية سكانها لا يغلقون أبوابهم بشكل محكم و السبب، حسب البعض، هو أن القسنطيني منذ القدم لا يغلق بابه في وجه محتاج، فالباب المفتوح هو أيضا دليل كرم.
محدثونا من تجار و سكان قالوا بأن غالبية الأبواب القديمة أتلفت خلال الاستعمار، وما بقي منها ضاع خلال العشرية السوداء، إذ عوضها سكان المنازل بأبواب حديدية أكثر صلابة، لكن أشكالها و ألوانها لا تزال تحفر في ذاكرة من قدروا قيمتها، و من أشهر المنازل التي عرفت بجمال أبوابها دار بسطانجي دار بلغول(عاش بها الفنان وعازف العود الكبير محمد السعيد أزرق عينو وهو والد الشاعر أزرق عينو زهير)، دار بلبياض(ولدت بها فنانة المالوف ثريا) ، دار بن حمادي ، دار بوتميرة (بها دهليز اكتشفت به أسلحة رومانية وخوذات وألبسة قديمة)، دار بوفنارة، دار مازري، دار حداد (مثلت بها العديد من الأفلام) دار بوشعر(بها ضريح قائد معركة قسنطينة بن البجاوي) ودار الباي عبد الله في السيدة.
يقول رشيد فيلالي، أحد أبناء قسنطينة « عندما كنت أسكن بمنزلنا «دار بسطانجي» في سيدي بوعنابة، كان المنزل يحمل رقم 31، بابه من دون مبالغة من أغرب الأبواب وأروعها بالحي كله، حيث صنع من الخشب الفاخر وعليه مقبض يد ووجه أسد من البرونز، و تميز حجم الباب بطوله البالغ حوالي متر ونصف وعرضه حوالي متر ونصف أيضا، أما سمكه فهو لا يقل عن 40 سم، وكان عند غلقه من الداخل بواسطة مقفل خشبي يضاف له مثبت من الحديد، الأمر الذي يجعل تكسيره أو اقتحامه من المستحيلات السبع، وقد حكت لي والدتي بأن الجنود الفرنسيين كانوا يبذلون جهدا هرقليا لاقتحامه أثناء مداهمة الحي، بحثا عن فدائي هارب دون جدوى، لكن في أواخر التسعينيات أراد أحد الجيران إدخال بعض الأثاث فصعب عليه ذلك، بسبب صغر حجم الباب، وما كان منه سوى تفكيك الباب لإدخال ذلك الأثاث لكن مع الأسف الشديد لم يستطع إعادة الباب إلى سابق عهده ،ومنذ ذلك الحين بدأ يتفكك شيئا فشيئا إلى غاية تهشمه نهائيا واستبداله بباب حديدي قبيح شكلا وحجما و»روحا»..لقد كان باب «دار بسطانجي» تحفة جمالية بأتم ما تعنيه الكلمة من معنى، إذ إضافة إلى صلابته الشديدة تميز بأشكاله الفنية وزخارفه ونقوشه العربية والإسلامية الدقيقة».
الباحث و المؤرخ حسين طاوطاو
رمزية الأبواب تعكس هوية المدينة من العهد البونيقي إلى حكم العثمانيين
يعتبر الباحث و المؤرخ حسين طاوطاو، بأن هذه الأبواب تعد انعكاسا لهوية المدينة و المتعمق في رمزية الأشكال والزخارف التي تزينها ، يدرك انها عصارة مزيج من الحضارات التي تعاقبت على قسنطينة، فهناك التي استخدمها المسلمون و اليهود من سكان المدينة الأصليين كالنجمة، و رموز يعود استخدامها للعهد البونيقي كالهلال الذي يبقى استخدامه واسعا ولا ينعكس على الثقافة الإسلامية، والحديث هنا عن الثقافة الإسلامية يجرنا للحديث عن ظروف فتح قسنطينة التي تعد ثغرة تاريخية كبيرة ، لذا يصعب التأريخ لتلك الفترة، فحتى المساجد الحفصية كالبكري و الإدريسي، لم تتوفر على ما يشير لتلك الحقبة.
من جهة ثانية، تجمع هذه الأبواب من حيث هندستها و تصاميمها بصمات الحفصيين والعثمانيين كذلك، مع الحفاظ على اللمسة المحلية الراقية لسكان المدينة التي قد تكون ممثلة في استخدام النحاس، و هذه الأبواب هي انعكاس لفن العمارة الذي كان سائدا في تلك الفترة بداية من القرن 13 إلى غاية القرن18 و بداية الحملة الفرنسية، و قد قدم ابن خلدون وصفا معينا لها في إحدى كتاباته التي تحدثت عن العمران الحضري.ويعتبر المؤرخ بأن الحضارة الأندلسية التي تسربت إلى قسنطينة ضمن متاع من دخلوها بعد سقوط الأندلس، تبرز جليا من خلال مهارات الصنع، كما أن العامل الاقتصادي هنا يلعب دورا، كما قال، لأن الاهتمام بالباب الخارجي للمنزل في قسنطينة كما في الأندلس، كان دليلا على الرفاهية في العيش، ومن سكنوا قسنطينة في العصر الوسيط وحتى الحكم العثماني، كانوا نبلاء وتجارا يخصصون لأنفسهم شوارع و أحياء كاملة وليسوا أشخاصا بسطاء من الضواحي.
الفنانة التشكيلية سامية فيلالي
توليفة فنية مغاربية البعد محلية الخصوصية
تؤكد الفنانة التشكيلية سامية فيلالي التي قدمت مؤخرا بقسنطينة معرضا لصور و لوحات بعض أبواب المنازل القديمة، بأن هذه المداخل ذات الجمالية العالية إرث حضاري تتقاسمه مدن عريقة عديدة على امتداد المغرب العربي و بعض دول المشرق، فالناظر إلى المدن العربيّة العتيقة، يلاحظ أنّ الأبواب هي القاسم المشترك ، إذ أن الشكل العام يعد نموذجا موحدا ،نجده في قسنطينة و تلمسان و العاصمة، و كذا في تونس و المغرب أي في البلدان التي تعاقبت عليها نفس الحضارات، علما أن البصمة العثمانية تعد الأبرز، أما كف اليد و حدوة الحصان و الظبة على شكل حلقة، فهي أكثر القواسم المشتركة.
لكن تبقى خصوصية أبواب قسنطينة موجودة و بارزة من خلال فخامة بعضها، خصوصا تلك التي تنتمي لمنازل النبلاء و كبار العائلات، وحتى البسيطة منها لها طابع راق لكن دون تكلف، و تعدد ألوانها و انسجامها التام مع طبيعة العمارة و هندسة المكان أكثر ما يقربها لأن تكون لوحة فنية يمتزج فيها الأزرق النيلي بالأخضر و الأصفر، و يرحل من خلالها الإنسان إلى زمن تصميمها و يمكنه من خلال تفاصيلها أن يعيد تصور شكل الحياة في تلك الفترة.
الدكتور عبد الله حمادي
الأبواب انعكاس لطبيعة الحياة الاجتماعية والاقتصادية في المدينة
حسب الدكتور عبد الله حمادي، يستمد الباب أهميته في ثقافتنا من أهمية الواجهة في حد ذاتها، لأنها الخلفية التي يعبر الإنسان من خلالها عن هويته، لذلك فإن أبواب منازل العائلات القسنطينية الكبيرة كانت تتميز بهندستها المتفردة و زخارفها الجميلة متعددة الرموز و الأشكال، كالنجمة التي يشترك فيها المسلمون و اليهود، و الهلال و الأشكال الهندسية المختلفة، وبالأخص المثلث و المعين و الدائرة فهي أشكال مستخدمة أكثر في الزخرفة الإسلامية التي نجدها أيضا على تلك القاعدة الحديدية التي تثبت عليها الظبة أو المقبض.و تعكس هده الأبواب، حسب المتحدث، طبيعة الحياة الاجتماعية التي كانت سائدة في فترات معينة من تاريخ المدينة، و ذلك من خلال طبيعة استخدامها، فصغر حجم الأبواب واندماجها، يمكننا من إدراك حقيقة أن المجتمع كان محافظا، و زينة الأبواب و زخرفتها تعكس مستوى الرقي و الحس الفني لدى ساكنيه، كما أن نوعية الابوب و فخامتها تشير إلى أن أصحابها كانوا يتمتعون بمكانة مهمة و ترمز أيضا إلى أن الأوضاع الاقتصادية في تلك المرحلة كانت جيدة ، لأن صناعة الأبواب ترتبط بالإمكانيات المالية في النهاية. إن سكان قسنطينة عرفوا كيف يعبرون عن أنفسهم من خلال أبواب منازلهم، التي جمعت بين كل هذه العوامل، وإن كان الاختلاف بينهم من ناحية المكانة و الثراء يمكن تمييزه من خلال فخامة الباب، فان نقطتي الالتقاء بين الجميع، كانت اللون الأزرق و يد فاطمة اللذين وظفا للحماية من العين و الحسد، ما يعني أن أصحاب المنازل كانوا متشبعين بالثقافة الشعبية لمحيطهم الاجتماعي.