ديهية لويز
نجوت بأعجوبة من هاوية مرعبة بعد فراغي من كتابة روايتي الأخيرة. لم أصدّق حتى هذه اللحظة أنّي ما زلت أستطيع مغازلة أوراقي والكتابة من جديد بعد تلك المرحلة الصعبة التي أوقعتني فيها شخصياتي الروائية، والتي أصبحت تسكنني بعد أن أثبتت وجودها على الورق، خرجتْ وتمردتْ عليّ لتُدخلني في دهاليزها العميقة وتتركني أتخبط في فوضى الأسئلة عن جدوى وجودي في الحياة.
أجل، إنّي لا أبالغ إن تحدثت هكذا، الحقيقة التي كان يصعب أن أصدقها إلى وقت ليس ببعيد، لكن الآن وقد مررت بهذه التجربة واكتشفت فيها تلك المتاهات المخيفة والمعقدة للنفس البشرية وبالخصوص الأعماق المظلمة للكاتب، فإنّي لا بدّ أن أصدق أنّ الكتابة هي أكبر مخاطرة ومغامرة يمكن أن تحمل صاحبها إلى نقطة لا عودة منها ولا شفاء، ومع ذلك لا يمكنني التخلي عنها، أو هي لا تتخلى عني، لا أدري بالضبط أيّهما الأصح.
إنّها شرّ لا بدّ منه، أو هاوية أختارها وتختارني، وأجد فيها السعادة التي أبحث عنها، أجد ذلك المتنفس من الهواء الطلق لأفكاري وعوالمي الداخلية الكثيرة. أجد المنفذ للتحايل على هذا الواقع المرّ واليوميات التي لا تشبه في شيء العالم الافتراضي الذي أعيش فيه وأنا أكتب. ربّما لذلك يصعب عليّ العودة إلى الواقع كلّما غرقت حتى النخاع في حقيقتي الافتراضية على الورق، وكأنّي لا أتقبل بسهولة هذه الحقيقة التي توقظني بشكل مفزع وتؤكد لي وجودها بعدما اقتنعت بغيرها.
بعدما أفرغ من الكتابة وكأنّي أستنزف كلّ قوّتي الداخلية، أصبحُ هشّة لا أملك أيّة قدرة على احتمال تفاصيل الحياة اليومية التي لا أعيرها أدنى اهتمام في حالاتي العادية. لم أكن أعرف أنّ للكتابة كلّ هذه القدرة على تجريدي من أدنى وجود للمناعة النفسية التي يمكن أن تقيَني من الخرف أو الموت لأسباب حياتية تافهة.
كان عليّ الابتعاد قليلا عنها قبل أن تدخلني إحدى المتاهتين الجنون أو الانتحار. بالرغم من كلّ ذلك، هذه التجربة جعلتني أتمسك أكثـر بهذا الهوس الممتع، بهذا المرض الرائع الذي أرفض بشكل قاطع أن أشفى منه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
* نص نشرته، يوم: 5 فيفري 2013، على جدارها في الفيسبوك، بعد صدور روايتها «سأقذفُ نفسي أمامك».