الخميس 21 نوفمبر 2024 الموافق لـ 19 جمادى الأولى 1446
Accueil Top Pub

هيبون.. مدينة الملوك و الأساقفة تقاوم النسيان

مدينة هيبون الأثرية، ليست كنيسة القديس أوغستين الواقعة بهضبة البوني بالمدخل الغربي لعاصمة ولاية عنابة، أو كما تعرف محليا « بلالة بونة» أو متحف فحسب، بل هي مدينة أثرية مذهلة «منسية» شيدها عباقرة القرن الثالث ميلادي، في أعز إشعاع ونشر الديانة المسيحية في شمال إفريقيا، تتربع على مساحة 60 هكتارا، تتضمن عدة مواقع منها المعلم الديني المسيحي، الذي بُني كنسخة طبق الأصل، للكنيسة الحقيقية الموجودة بأسفل موقع هيبون، سمحت الحفريات والبحوث باكتشاف 25 هكتارا فقط من الموقع، وبقي الجزء الأكبر كمدخرات تاريخية للأجيال القادمة، غير أن الاهتمام به يبقى ضئيلا. وتُسجل أرقام الزيارات للمدينة الأثرية هيبون، إقبالا محتشما للجزائريين والعنابيين خصوصا، في حين لا يفرط الأجانب و الأوربيون المقيمون في الجزائر أو السواح في زيارتها .    
روبورتاج: حسين دريدح
ينقلنا منسق مواقع ومتاحف الشرق ومدير متحف هيبون، عمار نوارة، من خلال الزيارة التي قادتنا للمدينة الأثرية، عبر أرجائها لاكتشاف الكنوز المخفية، وعبقرية الهندسة لدى الفينيقيين والرومان ، بعد أن كانت في القرن الثالث ميلادي، عاصمة الملوك والأساقفة بشمال إفريقيا، ونقف على حجم الإهمال الذي طال الموقع لسنوات، غطته الأعشاب والغابة وأصبحت مرتعا للمنحرفين، وعُرضة للسرقة والاستهداف من العصابات الدولية لتهريب الآثار، لتستفيق المصالح المعنية وتحاول إعادة الاعتبار للمدينة الأثرية، عبر برنامج سطرته إدارة المتحف الجديدة.        
كشف مدير الموقع عمار نوارة، عن تسطير أهداف لتحقيقها على المديين القريب والمتوسط، لإعادة بعث الحياة بالمدينة الأثرية، التي وضع حجر أساسها الملوك النوميديون، تتعلق أساسا بإعادة الاعتبار للموقع والوصول إلى تصنيفه كتراث عالمي، لما يكتسبه من قيم للإنسانية جمعاء وتراكم حضاري، كانت أول محطة إغريقية بعد سرت الليبية، و محطة تجارية فينيقية قبل تأسيس قرطاج بتونس بأربعة قرون، وفي العهد الروماني واحدة من أهم المدائن الحضارية في شمال إفريقيا، و واجهة تجارية تصدر منها المنتجات نحو روما. وتعد المدينة الأثرية هيبون من خلال الكنيسة، في العهد المسيحي، مقر الأسقفية للقديس أوغستين، والتي أعطتها الصبغة العالمية بشكل مهم، حتى في الفتح الإسلامي، ترك المسلمون بصمتهم بالمدينة الأثرية هيبون، ببناء أول مسجد في عنابة، على أنقاض كنيسة القديس «إتيان»، الذي سميت على اسمه المدينة الفرنسية « سانت إتيان»، هذا الرابط التاريخي سمح لبلدية عنابة، بعقد توأمة مع بلدية « سان إتيان». ومن أعلام مدينة هيبون المؤرخ «سيوتونيوس» الذي ولد بعنابة، في القرن الأول للميلاد، ألف 24 كتابا أهمها «حياة اثني عشر قيصرا»، وهو أول إفريقي ينال مرتبة شرفية كبيرة، كمسؤول مركز الأرشيف في الإمبراطورية الرومانية في عهد الإمبراطور «أدريان» . وأوضح نوارة بأن موقع هيبون، أصبح يعرف حركية بعد تحويل المديرية الجهوية من قسنطينة إلى عنابة، للوصول إلى مستوى موقعي تيمقاد بباتنة، وجميلة في سطيف، ومن الأهداف المسطرة أيضا، إعادة بعث الحياة العلمية، حيث تعرف حاليا استقبال طلبة باحثين من مختلف جامعات الوطن وحتى من الخارج، لإعداد رسائل دكتوراه، مع فتح المجال لاستكشاف تطبيقي واستغلال خبرة الأجانب في البحث، واستغلال البعثات العلمية في جلب السياح، والتنشيط الثقافي والترفيهي للموقع  
شهر التراث والفنان المتجول يُعيدان الروح لهيبون
استطاعت مبادرة الفنان المتجول بقيادة الفنان المغترب في ايطاليا عبد المجيد رايس، إلى جانب شهر التراث، استقطاب 6 آلاف زائر في ظرف قياسي لم يعرفه الموقع الأثري من قبل، حيث ساهمت عروض الفنانين في تحريك السياحة بالموقع الأثري. وكان لتنظيم الاحتفالات الرسمية لشهر التراث بموقع هيبون، الأثر الايجابي في استقطاب الزوار، حيث لمست إدارة المتحف تشوقا رهيبا للمواطنين لمعرفة الحياة الأثرية بالموقع، الذي يجهله أغلب سكان مدينة عنابة، حيث تم استغلال التظاهرة بمزجها مع مبادرة الفنان المتجول لتنشيط الموقع. وقال مدير المتحف بأنه حاول عن طريق عبد المجيد رايس وهو فنان متجول بايطاليا، إعادة الاعتبار للفنانين المتجولين بعنابة ومختلف الولايات، وتغيير النظرة حول أن الفنان المتجول عبارة عن متسول، و رد الاعتبار للفنان.
وبدأت الفكرة بسيطة جدا حسب نوارة، بطرحها على مدرسة الفنون الجميلة وبعض الشعراء، وفناني الأغنية الشعبية بالمدينة، وكان سقف التطلعات استقطاب 50 فنانا مشاركا، وبعد نشر المبادرة عبر اليوتيب والفايس بوك، تم استقبال طلبات 400 فنان للمشاركة في المبادرة، من مختلف ولايات الوطن على غرار غرداية، قسنطينة، الجزائر العاصمة، ميلة، بسكرة وغيرها من الولايات.  وأفاد صاحب مبادرة الفنان المتجول عبد المجيد رايس في لقاء مع النصر، بأن فكرة النشاط، جاءت من أجل القيام بواجب التعريف بأهم المعالم، التي من شأنها إرجاع الحياة لمدينة عنابة، في ظل وجود مناطق ميتة في «جسد بونة»، منها «موقع هيبون»، على غرار ما هو موجود في روما بايطاليا التي تعيش بقيمتها التاريخية، وتحقق مداخيل ضخمة من خلال زيارات السياحة للمواقع الأثرية للإمبراطورية الرومانية، والمواطن الايطالي حسب رايس معروف في العالم بسلاح الإرث الحضاري، والهدف الرئيسي من مبادرة الفنان المتجول، هو تحسيس المجتمع العنابي وتحفيزه لزيادة المدينة الأثرية « هيبون» احترما لمدينته، والمبادرة نجحت في استقطاب الزوار لتميزها، وخروجها عن الروتين والمألوف في تنظيم مختلف التظاهرات.  وكان نجاح المبادرة حسب رايس بتشجيع ومساعدة من إدارة متحف هيبون ومديرية الثقافة، والتي سمحت باكتشاف فنانين ومواهب من جامعة عنابة، وكذا أحياء شعبية من عدة ولايات، وتم تحقيق رقم قياسي بمشاركة 400 فنان، وفي شهر التراث سمحت التظاهرة باحتكاك الزوار بالفنانين، الذين كانوا متعطشين لمثل هذه المبادرة، التي أدنت بميلاد الفنان المتجول بالمدينة، وأصبح قاصدو الكورنيش يشاهدون شبابا يقدمون وصلات موسيقية، والعزف على العود وغيرها من العروض، حيث تلقى اهتماما كبيرا من المارة.   و نظمت مجموعة عنابة تقرأ قبل أيام، مبادرة بمتحف هيبون، تعد الأولى من نوعها على المستوى الوطني، من خلال البيع بالإهداء لإصدارات لكتاب وأدباء شباب من مدينة عنابة، وقراءات في مؤلفات، تخللها جولة سياحية بمتحف واثار هيبون، حيث عرفت المبادرة حضور العشرات من هواة المطالعة و كذا كُتاب ناشئين، في رسالة لتشجيع القراءة والتعريف بالموقع. قال صاحب المبادرة صلاح راشدي، أردنا من خلال هذا النشاط ، إحياء المدينة القديمة المتمثلة في موقع هيبون وهي أقدم مدينة قبل «بلاص دارم»، وأضاف عضو في المبادرة مبارك بدر الدين وهو طبيب بيطري، بأنه من الواجب التعريف بهذا الكنز الأثري المغيب والذي لا يعرفه الكثير من أبناء المدينة، وكذا نشر ثقافة القراءة من خلال الموقع والرفع من مستوى تفكير الناس. كما أصبح الموقع مؤخرا، قبلة لتنظيم مبادرات واحتفالات، منها لقاء لأعضاء رابطة نادي جوفنتوس الايطالي بالجزائر، قام رئيس الرابطة مجيد بورويس بجمع أنصار السيدة العجوز بالموقع، قبل مباراة النهائي التي جمعته بريال مدريد.  وأرجع مدير المتحف ضعف إقبال الزوار، إلى عدم الترويج السياحي للموقع من عدة جوانب منها الإعلامي، وانعدام التهيئة لأن المحيط الحالي للموقع الأثري ليس جذابا، ويفتقر للتجهيزات كالمراحيض، المقاهي، والمطاعم وغيرها..    و تحدث المصدر، عن افتتاح ورشة للتعليم المبكر، تنظم كل يوم سبت تمولها السفارة الأمريكية، وهو مشروع لتعليم الأطفال الثقافة المتحفية، بهدف تكوين «الأثري الصغير» بالتنسيق مع مدارس خاصة، تم تكوين منذ انطلاق الورشة 650 « عالم أثار صغير».
عجائب وكنوز تنام عليها هيبون
تحتفظ المدينة الأثرية بتحف نادرة فريدة في العالم، اكتشفت على فترات منفصلة، بعضها مازالت بالموقع وأخرى تم سرقتها، وأخرى مدفونة تحت الأرض، كالخزانات العملاقة التي صنفها علماء أثار، ضمن عجائب العالم، تمتد الخزانات تحت الأرض على طول 12 قسما، كانت مستغلة في عهد الرومان لنقل وتخزين المياه.    كما اكتشف بالموقع كنز ذهبي على شكل صندوق، من المعدن النفيس الخالص، يحتوي على 67 قطعة ذهبية، إلى جانب العثور على صندوق ذهبي أخر بمنطقة بوحجار في ولاية الطارف، يعودان للعصر البيزنطي، والإسلامي في عهد حكم المرابطين، يتم الاحتفاظ بهما على مستوى البنك.  من جانب أخر كشف المتحدث، عن سرقة تمثال أول إنسان متحضر في العالم، من موقع مشتال العربي بشلغوم العيد في ولاية ميلة، قام باستخراجه الباحث الفرنسي في علم الآثار» أرمبورك» وقام ببيعه لمتحف نيويورك، و قامت إدارة المتحف بجهود لاسترجاعه، لكن دون جدوى.   وأكد مدير المواقع الأثرية بشرق البلاد، بأن جهود مصالحه، منصبة على جرد الممتلكات الثقافية، لمعرفة القطع المسروقة عن طريق الأرشيف وتقارير الحفريات والبحث العلمي، لاسترجاعها من المتاحف العالمية، عن طريق تقديم أدلة دامغة تثبت ملكية القطع. وأفصح المتحدث عن وجود إجراءات خاصة باسترجاع التحف، من خلال تزويد مديرية الحماية القانونية بوزارة الثقافة، بتقارير عن المسروقات، وتتولى هي عملية البحث واسترجاع القطع، التي كانت موجودة في الجزائر وبيعت لمتاحف عالمية.
«لالة بونة» الكنيسة طبق الأصل للمعلم الديني للقديس أوغستين
قال مدير المواقع الأثرية عمار نوارة، بأن هناك باحث فرنسي يدعى « لابورت» أخرج فرضية منذ ثلاثة أشهر، تتحدث عن وجود الكنيسة الأصلية للقديس أوغستين بالموقع الأثري في جهة الواجهة البحرية، و الكنيسة الموجودة بهضبة البوني ما هي إلا نسخة طبق الأصل لها، وأضاف بأنه سيتم التأكد من هذه الفرضية، باستخدام التكنولوجيا عن طريق المسح « جيو رادار» قبل الوصول إلى الحفريات، بالاستعانة بخبراء جزائريين وأجانب، وأشار إلى القيام بالدارسات المذكورة خلال هذه الصائفة، وفي مجال البحوث حول موقع هيبون الأثري، ذكر المصدر بأن باحثين جزائريين في الخارج استجابوا لدعوة وزارة الثقافة، عن طريق إدارة المتحف، من أجل إعداد دراساتهم حول الموقع، بينهم باحث بجامعة السوربون، يعمل على تصنيف المدينة الأثرية، الذي تسعى إليه الجزائر لتصنيفها كتراث مادي عالمي.  
وقف التعدي على الأراضي التابعة للموقع وإطلاق مشروع للتهيئة
قال مدير متحف هيبون بأن مصالحه تصدت لعدة محاولات لإقامة تحصيصات عقارية على أراض تابعة للموقع، و أوقف تشييد خواص لبنايات، لأهمية الموقع وتواجده بمدخل مدينة عنابة، ما يثير أطماع الكثيرين، ومن أجل وقف التعدي على المعلم حسبه، يجري إعداد مخطط شغل الأراضي الخاص بالمدينة الأثرية لتحديد الحدود بشكل دقيق، ينتظر عرضه قريبا في دورة للمجلس الشعبي الولائي للمصادقة عليه، وأشار نوارة إلى اعتراض إدارة المتحف، على منح مقر مصنع الخشب سابقا لمستثمرين، كونه يقع ضمن الأراضي التابعة للموقع الأثري، اقترحت مديرية الثقافة استغلاله لانجاز مركز بحث في الآثار ومعهد تابع للجامعة .   وينتظر قريبا إطلاق مشروع انجاز الجدار الخارجي للموقع الأثري، مع إعادة فتح مدخل جديد قريب من المدينة، مجهز بحظيرة لركن السيارات. وكشف المدير عن مشروع متحف جديد، بغلاف مالي يقدر بعشرة ملايير سنتيم، منبها إلى وجود 10 آلاف قطعة أثرية منها النادرة والفريدة من نوعها في العالم، مخبأة تنتظر فتح فضاء جديد لعرضها.  
المكتبة تروي وتحفظ أثارا وقصصا لآلاف السنين، تحوي مكتبة المتحف على أرشيف جد مهم، لحقب غابرة منها العهد الروماني والعثماني وصولا إلى فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر، حيث توجد مُخططات للمدينة، وإصدارات ثقافية وجرائد ورقية ومجلات، أهمها جريدة سيبوس الناطقة باللغة الفرنسية بجميع أعدادها، ومخطوطات من سنة 1830 إلى غاية استقلال الجزائر، بالإضافة إلى جريدة البصائر لجمعية العلماء المسلمين .  
وأشار مصدرنا إلى تزويد المكتبة بـ 1400 عنوان، مع فتح مركز للبحث والتوثيق، مخصص للباحثين توفر لهم المادة العلمية في المجالات التاريخية، الأثرية والحياة الاجتماعية، وتحدث نوارة عن فتح نادي ثقافي على مستوى المتحف يسمى نادي الخميس، يستضيف كل أسبوع باحث، ويُفتح نقاش بحضور طلبة وأساتذة، حول التاريخ والآثار وتصحيح بعض المعلومات في إصدارات معدة للنشر، لتصحيح الأخطاء التاريخية لتكون سندا وذات قيمة علمية.   
المدينة الأثرية تتخطى عائق الأمن مع حماية المحيط من العصابات
واجهت إدارة الموقع الأثري هيبون صعوبات أمنية، لحمايته من الشبكات الدولية لتهريب الآثار، وكذا المنحرفين ، كان الموقع مفتوحا من عدة نقاط ويسهل الولوج إليه لسقوط السياج الخارجي، وجد أعوان الأمن والحراسة صعوبات في التعامل مع مدمني المخدرات والمجرمين، لمنعهم من دخول الموقع، ومن أجل تجاوز الهاجس الأمني قامت إدارة الموقع بتكثيف التواجد الأمني بتوظيف 57 حارسا، إلى جانب انتقاء بعض المقيمين بالقرب من المدينة الأثرية، وإدماجهم كعمال صيانة، لامتصاص غضبهم، والتصدي للممارسات السابقة، وأضاف مدير الموقع، بأن مصالحه ركزت على العمل الجواري، والتحسيس وسط سكان المنطقة منها حي طابكوب، وطاحونة كوكي، لمنع دخول الغرباء والأجانب إلى الموقع، وأشار المتحدث إلى فرض الحماية الكاملة على الموقع بفضل مساعدة مختلف الأجهزة الأمنية بما فيها الجيش الوطني الشعبي، الذي كان يقوم بتمشيط الموقع بين الحين والأخر. وأكد مصدر بأن الموقع مؤمن من استهداف عصابات المتاجرة بالآثار، ومزود بكاميرات المراقبة.
مركب الحجار يُساهم بالمادة الأولية للترميم والموقع بحاجة لدعم
اشتكى مدير متحف هيبون من انعدام مبادرة لدعم الموقع ماديا، داعيا المساهمين للإعانة بأشياء بسيطة من أجل المحافظة على الموقع، و ثمن إعانة مستثمر قام بشراء آلات كهربائية لنزع الحشائش.
وكشف المتحدث عن مساهمة مركب الحجار للحديد والصلب مؤخرا، بتمويل الموقع الأثري بمادة أساسية في الترميم، تسمى « شو إدراتي» ذات تركيبة قوية أحسن من الاسمنت، وتقاوم جميع العوامل الطبيعية لآلاف السنين، وهي عبارة عن أحجار صلبة، يتم وضعها داخل الفرن العالي، وبعد ساعات تتحول إلى مادة ذات وزن خفيف، تتفتت بمجرد إخراجها من درجة حرارة مرتفعة، تتحول إلى رماد، تصبح مادة مهمة جدا في عملية الترميم شبيهة بالجير.
وشدد نوارة على ضرورة دعم بلدية عنابة، كون الموقع يقع بإقليمها، خاصة في مجال النظافة والإنارة العمومية، وتسهيل تثبيت اللوحات التوجيهية، علما أن مدخل المتحف لم يكن يتوفر على تسمية تشير إلى وجوده، لتسهيل دخول الزوار، وأشار إلى مساهمة الجيش الوطني الشعبي في مشروع الإنارة العمومية بمحيط الموقع، إلى جانب مبادرات فردية لإدارة الموقع لتوفير حاويات القمامة، كما تضررت المدينة الأثرية من تواجد مستودعات بيع المشروبات الكحولية بحي طابطوب، حيث يتسلّل أشخاص إلى الموقع لاستهلاكها، وفي هذا الشأن كشف نوارة عن ماركة 27 شاحنة من الحجم الكبير في حملة نظافة، جامعة قارورات مشروبات كحولية كانت مرمية على الأرض.    
الموقع الأثري مزار لحُجاج مسيحيين
يتوافد الأجانب للحج في موقع هيبون، تتبعا لمسار القديس أوغستين، باعتباره ثاني شخصية دينية بعد بولس الرسول لدى المسيحيين، وأشار مدير المتحف إلى أن مصالحه استغلت فرصة توافد المسيحيين للحج، تحت إطار السياحة الدينية، من أجل خلق مسارين سياحيين للقديس أوغستين، بداية من عنابة، مداوروش بسوق أهراس، قالمة، وقسنطينة. وطرح نوارة، مشكل تنقل الأجانب من الجزائر العاصمة إلى عنابة، بسبب استقبالهم من قبل وكالات سياحية ناشطة بالعاصمة في مطار هواري بومدين، لعدم قبول وكالات عنابة التعامل معهم، رغم مراسلة إدارة المتحف والتقرب منهم لتشجيع السياحة واستقطاب الزوار للمدينة، بحجة الضرائب التي تفرض عليهم لدى استقبال الأجانب، كما يجدون صعوبة في الحجز على مستوى فنادق الشريط الساحلي، وبافتتاح فندق الشيراطون أصبح الحجز والاستقبال يتم بسهولة، وأضاف المدير بأن مصالحه لا تستطيع التعامل مباشرة مع الأجانب دون وساطة الوكالات السياحية، من أجل استغلال وثيقة الحجز بالفندق، في ملف تأشيرة الدخول إلى الجزائر، حيث تم التعاقد مع 6 وكالات من قسنطينة والجزائر العاصمة.     وذكر المتحدث، بأن الموقع الأثري تنفس سنتي 2016 و 2017 بتوافد الأجانب، تُشير الأرقام التقريبية، استقبال 150 سائحا في الأسبوع دون احتساب الرحلات المنظمة، يصل المجموع في الشهر إلى نحو 600 أجنبي قادم من مختلف البلدان الأوروبية والأسيوية، وهي حصيلة كانت تُحقق في سنة كاملة، لكن حاليا أصبحت تسجل في شهر واحد فقط، خلال فصل الربيع  وقال نوارة أن المدينة الأثرية هيبون، دخلت ضمن المسار الثقافي الأثري العالمي، في موقع منظمة اليونسكو، وهو ما سمح باستقطاب لأول مرة سُياح يابانيين. وأشار إلى وجود تنسيق مع القس بكنيسة القديس أوغستين، فيما يتعلق بالبعثات السياحية لزيارة الموقع، ودعوتهم لحضور مختلف النشاطات.  ويأتي الأجانب في مقدمة زوار المدينة الأثرية. وكشف عن وجود 5 ألاف أجنبي مقيم بولاية عنابة بعضهم لم يغادروا الجزائر، يعتبرون أهم زوار المدينة الأثرية.

تاريخ مدينة مدينة هيبون
يُرجع الباحث في مجال الآثار سعيد دحماني، تاريخ مدينة هيبون إلى الجذور الفينيقية في شمال القارة الإفريقية، فهي ليست كمدينة قرطاج التونسية التي أسسها الفينيقيون في القرن السابع، فهيبون تعتبر من أقدم المستوطنات الفينيقية في حوض البحر الأبيض المتوسط، ترجع إلى ما قبل الألف الأول قبل الميلاد، وهي فترة الفينيقيين في العالم، كما يرجع السكن في الموقع إلى عصور غابرة، قد يعود للعصر الحجري القديم . وقد ساعد الموقع الجغرافي الذي تتربع عليه مدينة «هيبون» في إنشاء موقع سكني قديم، ثم أخذ يتوسع شيئاً فشيئاً، إلى أن جاء الفينيقيون وطوروا هذا الموقع وربطوه بمدنهم المحيطة بالبحر الأبيض المتوسط، بجميع المقومات البشرية والاقتصادية والسياسية، حتى أصبحت من أكبر المدن في شمال إفريقيا، و بعد أن حصلت مدينة قرطاج على مركز المدينة المركزية بالمنطقة، التحقت مدينة هيبون بها، وأصبحت من المدن التابعة لعاصمة الفينيقيين في شمال إفريقيا.
ويشير الباحث إلى أن تسمية المدينة، عرف تطورا عبر العصور، كان يُطلق عليها سابقاً اسم «هيبورجيوس» بمعنى بونة الملكية، إلا أن أصل التسمية فهو هبون أو عبون الفينيقية، وعبون تعني الخليج، كما أنها نفس أصل كلمة عب وعباب بالعربية تعني الماء المتدفق، وقد أطلق الفينيقيون الأوائل هذه التسمية على هذا الموقع، كونه خليج وجون ماء متدفق.
وجاء موقع المدينة محاذيا إلى شاطئ البحر ومحيطا بخليج مدينة عنابة حاليا، شكل الموقع مظهرا جغرافيا وطبيعيا جميلا على شكل مدرج متدرج في النزول من منحدرات جبال الإيدوغ، التي تحيط بالشاطئ الغني بالمرجان، ولهذا يعتبر حاليا من أجمل الخلجان وأغناها في اصطياد المرجان على غرار سيدي جوانو فيل وسيدي سالم، التي تنشط فيها عصابات صيد المرجان .
اندمجت هيبون حسب الباحث سعيد دحماني، مع مجموعة من المدن التي شكلت حلفا يرتبط سياسيا بالعاصمة قرطاج، التي بقيت مهيمنة عليها منذ القرن السادس قبل الميلاد وحتى مجيء الرومان وإنهاء السلطة الفينيقية مع نهاية سلطة القائد « حنبعل» لحساب الحكام في مدينة روما. وكانت تشكل هذه المدن تنظيما سياسيا قويا أعطى لكل مدينة هيبتها وشخصيتها المستقلة.
المدينة حافظت على معالمها وقاومت الغُزاة
لمدينة هيبون عدة معالم تاريخية وآثار، تحولت مقصدا ومزارا للسياح والحجاج المسيحيين، منها الكنيسة المعروفة محليا بـ لالة بونة و الموجودة بين تلال بالضاحية الجنوبية للمدينة، و تضم آثارا رومانية منها مساحة تسمى الفوروم، حيث تعد استنادا للباحث، أقدم وأوسع ما اكتشف لحد اليوم كما توجد بقايا مسرح ومدرجات اوركسترا، بالإضافة إلى تماثيل وقبور كتمثال «هاكيوس»، «اسكولاب»، «افروديت»، «ايون» اله السنة، وتمثال آلهة الحب وتمثال القديس أوغستين، كما توجد كنيسة كاثوليكية من العهد الاستعماري «بازليك السلام» على ربوة هيبون المشرفة على المدينة الأثرية حاملة الاسم نفسه.  وقد سعى القديس دبيش إلى تأسيس هذه الكنيسة بتشجيع من أسقف الجزائر لافيجري. وأحضر بعض رفات القديس اوغستين إلى عنابة سنة 1842م لتدفن في المكان المخصص لها. كما رمم الكنيسة، التي كانت منهارة بدرجة كبيرة، سنة 1881م وجرى أول قداس فيها سنة 1886م، ليوضع بها تمثال من البرونز للقديس اوغستين.
تمتلك المدينة حسب المرشد صلاح راشدي كما جاء في الدراسات البحثية، العديد من الأبنية الأثرية الهامة، والتي مازالت تحافظ على أقسام هامة منها، موزعة على أحياء المدينة حسب المخطط التنظيمي القديم ومن هذه الأبنية والأوابد الأثرية الهامة، حي الفوروم أو حي السوق العامة وهي ساحة الفوروم تضم الأروقة  المعمدة، مدخل الفوروم، المعبد الرئيس الثلاثي أو ما يعرف باسم معبد الكابيتول، مبنى البلدية والذي يعرف باسم مبنى الكوريا، مدرج الفوروم، الركائز التي تحمل تماثيل الآلهة والحسناوات والشخصيات المرموقة، المبنى التذكاري، قاعدة وتمثال الفارس، اللوحات الرخامية، دورات المياه، إضافةً إلى الأبنية التي تحيط بالفوروم. وجاء شكل الفوروم الداخلي على شكل ساحة رباعية مستطيلة ومكشوفة ومحاطة بأروقة معمدة في موقع يتوسط المدينة عمرانيا بشكل تقريبي وتحيط به الأبنية العامة والخدمية الأكثر أهميةً في المدينة. وكان هذا الفضاء يلتقي فيه المواطنون لمناقشة شؤون الحياة، وقضاء أوقات الراحة والفراغ حيث تدور المناقشات في الشؤون السياسية والتجارية والثقافية والتعبدية والحياة اليومية حيث يلتقي الأصدقاء والأتراب. كما يُعد الحي البحري الواجهة البحرية للمدينة، ومن مواقع المدينة الغنية بالآثار الهامة، يقع في المنطقة الشرقية من المدينة والمحاذي للبحر بالتوازي، وفي هذا الحيز توجد العديد من المعالم الأثرية، التي مازالت موجودة رغم العوامل الطبيعية والبحرية، اكتشف فيها أبنية  أثناء الحفريات، منها جدران رصيف الميناء القديم ومدرج النزول إلى شاطئ البحر وبقايا الميناء القديم والعديد من الفيلات الجميلة.  تضم هيبون الأثرية أيضا، حمامات المدينة العمومية، بُني في المدينة حسب الباحث، العديد من الحمامات العامة في عدة أحياء، ولكن أكبرها وأهمها الحمامات الشمالية الكبرى، والتي تعتبر من أكبر الأبنية الأثرية القديمة وأجملها بأبعاد يبلغ طولها 75م وعرض 60م، تشتمل على جميع العناصر والأقسام والصالات الموجودة في حماماتٍ أخرى، كما جاء مخططها المعماري مشابهاً لحمامات «هادريان: في مدينة لبدا الكبرى الليبية، حيث تحتوي على مسبح كبير مكشوف وقاعة المياه الباردة (فريجيداريوم) التي يبلغ طولها 30م وعرضها 15م، وزودت الصالة من الداخل بثلاثة حنيات في الزوايا، تحتضن كل حنية حوضا للمياه كمغطس . يعتبر المسرح الأثري أبرز معالم الموقع، وقد بني في المدينة وفقا للدراسات، العديد من المسارح وميادين للفروسية، إلاّ أنه لم يظهر منها حتى الآن سوى المسرح النصف دائري والذي جاء بناؤه مشابها لمسرح مدينة جبلة في سورية وبنفس المقاييس تقريباً حيث يبلغ قطره 100م وقطر ساحة الأوركسترا 40 م وعمقها 14م، وقد ظهر من المسرح ساحة الأوركسترا والطبقة الأولى من المدرج وأقسام من المنصة والكواليس إلا أن معظم هذه العناصر في حالة خراب كبير باستثناء عدد من المقاعد السفلية التي مازالت في موقعها. وما يزال الحي المسيحي،  محافظا على معالمه توجد به أبنية، ومنها مبنى البازيليك ودار الأسقفية وملحقاتها والحمام العام، ومبنى الكنيسة وملحقاتها ومواقع اللوحات الفسيفسائية، مثل لوحة فسيفساء الملهمات ولوحة فسيفساء «السفاستيكا»، ومبنى القاعة الكبرى ومبنى الأعمدة ومصنع السمك. والحي المسيحي هو الحي الأحدث في أبنية الكنسية التي تعود إلى القرنين الرابع والخامس للميلاد والتي بُنيت على حساب أبنية قديمة تعود إلى مطلع القرن الأول الميلادي، وجميع الأبنية الموجودة في الحي تعود للعبادة المرتبطة بالديانة النصرانية، وهي عبارة عن كنائس وبازيليكة وهياكل وملحقاتها.

قطع أثرية فريدة من نوعها في العالم بمتحف هيبون
يعتبر المتحف أهم جزء بالمدينة الأثرية، لجمعه قطعا نادرة وجدت بعدة مواقع، يسمح للزوار بتفقدها، و ينقسم  المتحف إلى قسمين، القسم الداخلي والآخر في الهواء الطلق، وفي كليهما تعرض الآلاف من المقتنيات الأثرية التي تم الكشف عنها في آثار المدينة أثناء الحفريات الأثرية المتعددة إضافة إلى المناطق المجاورة.  ومن المعروضات في الهواء الطلق حسب المرشد السياحي صلاح راشدي كما جاءت في دراسة الباحث سعيد دحماني، النواويس الحجرية والأعمدة والتيجان والشواهد الكتابية، التي نقشت فوقها النصوص الكتابية بالإضافة إلى التماثيل الضخمة والمذابح الرخامية التي كرست قربانا للآلهة وشاخصات من الأعمدة لبيان مسافات الطرق وأسماء الأباطرة وشواهد القبور التي تظهر الكتابات والألقاب والشخصيات البشرية مع الرسوم النذرية، بأشكال هندسية وغير هندسية مثل الشمس والقمر والهلال والمسلة وطيور مثل الحمام والصلبان. وكذلك أدوات الاستعمالات المنزلية مثل المطحنة الحجرية والجواريش والمدقات. أما العروض داخل المتحف فهي متنوعة جدا وقسمها الأعظم عرض داخل خزائن خشبية من معروضات معدنية مثل المجوهرات والمسكوكات والأدوات الطبية والأواني الزجاجية، ومنها قطعة تظهر صورة آدم وحواء حول الشجرة والثعبان، وكذلك المصابيح والشمعدانات والقلائد وأدوات الزينة النسائية، والفخاريات من أوان منزلية، ووسائل الإضاءة ومنها سراجان فوق حاملة أسرجة رُسم فوقها قصة التضحية لسيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام، وهو يباشر بذبح ابنه، ثم يأتيه كبش الفدية من السماء. ثم هناك أدوات المكاييل والأوزان وأدوات الصيد والأدوات الحربية وتماثيل العديد من الآلهة مثل «أبوللون»،  «أفروديت»، «فينوس « ثمثال النصر. إضافةً إلى العديد من اللوحات الفسيفسائية الجميلة والمتعددة المواضيع الميثولوجية .
القديس أوغستين أهم شخصية دينية عاشت بالمدينة
يُعد القديس اوغستين أهم الشخصيات الدينية، التي ترعرعت في المدينة، وتحولت إلى شخصية مهمة في العهد الروماني، ولد في تاغاست بولاية سوق أهراس، كان ذا عقيدة وثنية، من أم مسيحية و أب وثني
كان شغوفا بالعلم، أرسلته والدته للدراسة إلى «مادور» الموجودة حاليا بمنطقة مداوروش في ولاية سوق أهراس، لطلب العلم هناك كونها أول إشعاع علمي في شمال إفريقيا بها مكتبة وجامعة. ولما ترسخ عنده أهمية العلم، رأى بأنه في حاجة إلى الذهاب لمدينة قرطاج في تونس أين تعلم الخطابة، فيها التقى بأصدقاء ساعدوه في التوجه إلى مدينة روما بايطاليا، مهد الحضارة الرومانية، أين احتك « بالأب « أمبرواز» وهو من أشهر خطباء أباطرة وملوك روما، يستخدمونه في تمرير رسائل للشعب، تأثر به وفي تلك الفترة اعتنق القديس أوغستين الديانة المانوية، وهو اعتقاد قريب من عبدة الشيطان، ولعدم قناعته بهذا الدين، أصبح لفترة بدون أي اعتقاد، إلى غاية توطد علاقته بالأب « أمبرواز» عن طريقه دخل إلى المسيحية، وفي ظرف 10 سنوات صنع تاريخا مجيدا وسط شعوب الإمبراطورية الرومانية، ليعود إلى إفريقيا وبالتحديد إلى الجزائر سنة 390 م، أين عُين أُسقفا لمدينة هيبون، وعاش قرابة 40 سنة فيها، حتى توفي بعنابة بعد محاصرتها من قبل الوندال، ليتم نقل جثمانه إلى مدينة ميلانو بايطاليا أين يرقد الآن.  

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com