صورية إينال
(1) خذوا الصميم ببلادته
البارحة
ذهبت إلى أقصى اليقين
أفتش عن قصيدة تائهة
في خرائط حالات التلف الكبير!
غادرت العيون التي ما عدت أعنيها،
وسذاجة كلفت حمامة واحدة
بالبقاء إلى جانب روحي لأستلطف
أيّ نقر على زجاج حيرتي
كلّما استدار القلبُ ليرى جنازة؟!
بادرت برصد ساعات الهدوء
لتتفتح أسارير خلوتي المهيبة!
قلبت الصباح رأسا على وطن
كنتُ أبحث فيه عن جُملي الطفولية
التي شاخت وأنا أغني: «من أجلك خلقنا يا شجني!!».
البارحة إياها، هي زمن انشطار إلى قطرين:
بلدة برتبة منفى نكون قد ولدنا فيها
فتسمى مسقط العادي!
وبلاد عاث فيها الصراع فظاظة؟
لا الحبّ شفع للتربة الطيبة
ولا الجنون ساء راعي الخراب..!؟
منذ الذهاب الجريء في محاولاتي
لكشف غطاء رأس البلية!
والعقل يفتش بين السطور
عن ضفاف اللغة ليستجم البال..
وعن نظرات استرخاء لحالة الكتابة
المكثفة بالأوجاع والحزن السلس..
أمّا اليوم
فلم يعد قبس الرحلة فاعلا
قد ضيع الوقت مسار الأسئلة
المركبة والواثقة جدا بصحوة الأفق..؟
الاتجاه صار معاكسا بمعناه المخذول،
والرؤى خجلى بجسد نحيل
وبسجل لا يكفينا لعد البطولات
لنتخذ من هوية مكابرة وأرض شريفة
حتى نقول نحن أبناء قضية الأزل!؟
وبمليون ونصف شمعة تشفع لنا
في ترقب الشر على الأبواب
والاكتفاء بقول الشعر...!.
(2) كما لو أنّي استرحت
الوجهة التي لم أعبرها
انتظرتني كما لو كنتُ حبيبة
لقمر العيد الكئيب!
تتوزع فيه الحواس على الأجواء،
وتتجوّل القريحة في خيالات العزلة
ثم ينزل العطف من عين النهار..
أنا، انتظرني الربيع طويلا
لكنّي انفصلت عن هواية السير
في دروب وجه المجهول..!
المحطات القديمة لم تحفظ من توازني
سوى ريحا بائسة مرت بعقلي
وهي من فسرت لي بالخطأ
كلّ تلك الغياهب على أنّها تربة حلم
ومساحات خوض في حياة الحب!!
لم أعد أخطو بوساوس الانتظار
ولا أميل لصفحات التجارب الشرقية؟!
ينزل فيها أحباب القصيدة الخلابة
متخبطين في لهجة أرق مزمن
وعلى صعيد أسفار الخلق والجلد..
المحطة القلقة التي ضيعتني
أم ضيعتها حين ابتلعت أوّل المعنى
كان يهب عليها الوقت بسرعة نهر
يشق قلبي ويقف عند الشعر،
هناك تسمرت أبواب الشغف
ومعي كبر الاغتراب
فمن أين أكتب ويقرأ لي
العاتبون على الوطن!!؟
(3) أعرض عليكم موتي..
هذه الأرض لم تعد تحتويني
ولا المساءات بهجة للرّوح،
أغرف الآن من شجني الواجم
كالبناء القديم،
وأضيف على أنهاري الصاخبة
كلّ علامات الوجع المتوحشة
وألوذ بحمق وبصمت الحياة!
الوقت في خباياه وأطماعه
صار هذيانا ثقيل العقارب،
تمر كلّها على رقبتي
وتجتاح أنفاس قصائدي..
الصور التاريخية في الحلم
لم أعد أحتفظ لها بوهج قليل
ولا أضمها برطوبة عطرها..
من نافذة متبقية لي في الهواء
فقط تقدمني فوضايا للخريف
الذي سيبكيني فيه الأهل
والأصدقاء المتآلفة قلوبهم..
سيرثني الخراب القائم بذاته
ويضيف اسمي للائحة الأفول،
سيمر بقبري الرعاع يضحكون
وتقهقه نبرات سكرهم،،
سأكون قد خلفت رسائلي
وأنا أرقد بسلام ربّما؟؟
بين رعيل المدافن اللاحقة..
أكون قد أسرفت في كلّ هذا
الحزن والبكاء المسبق!؟
أنا أبكيني اليوم بحرقة الغد
الذي سيجردني من حلة الشعر،
ويفتش في دفاتري عن ندم
الذين بالغوا في الإساءة لقلبي،
والذين برعوا في الطعن
ورش الملح على شروخ
في وجداني الطفولي جدا!!
لكن سيتجاسر مجلس عزاء لي
مع خرير دمعة تتلألأ
بالحبّ بعد غمرة التراب.