الثلاثاء 3 ديسمبر 2024 الموافق لـ 1 جمادى الثانية 1446
Accueil Top Pub

كيف تعاطى الأدب الجزائري مع التراث؟

كيف كان حضور التراث في النص الأدبي الجزائري؟ وكيف تمّ توظيفه؟، وهل هذا الحضور/التوظيف كان في صالح العمل الأدبي، وهل أضاف له؟، وهل الكاتب الّذي يستثمر في التراث ويوظفه في نصوصه الأدبية، يفعل هذا انطلاقا من علاقته بالتراث، أو انطلاقا من قناعاته بأنّ التراث هو مصدر إلهام ومن الضروري استدعاؤه إلى متونه ونصوصه واستثماره كيفما شاء له الاستثمار؟، وهل هذا الاستثمار يرتبط دائما بسياقات النهل من مشارب ومنابع التراث أو يرتبط بفكرة إعادة إنتاج التراث والاشتغال عليه وليس فقط استثماره وتوظيفه؟.
حول هذا الشأن، كان ملف عدد اليوم من «كراس الثقافة»، مع مجموعة من النقاد والدكاترة من مختلف الجامعات الجزائرية، وقد اختلفت وتباينت الآراء. ففي الوقت الّذي يقول فيه، الدكتور الباحث رابح لونيسي، أنّ عدم معرفة الطفل في المدرسة ثم أثناء تكوينه الدراسي بأهمية هذا التراث، هو الذي أثر نسبيا على ضعف توظيف أدبائنا لتراثنا الشعبي. يرى الدكتور نبيل دحماني عكس ذلك، إذ يقول، أنّ النصوص الأدبية لا تكاد تخلو من حضور التراثي لا لشيء سوى لأنّ التراث موجود في فكرنا وذهننا وهوانا. أمّا الدكتور بوزيد مومني، فيؤكد من جهة أخرى أنّ علاقة الكاتب بالتراث هي علاقة تراكمية تنمو بنموه وتتفتق عبر مراحل حياته بالمكتسبات الفكرية وبشبكة علاقاته مع أفراد المجتمع، فنجده يستثمر في التراث ويوظفه في نصوصه الأدبية انطلاقا من قناعته بأنّ التراث هو مصدر إلهام، ومن الضروري استدعاؤه إلى متونه ونصوصه. في حين ترى الدكتورة الناقدة، سعيدة بن بوزة، أنّ اتكاء الأديب الجزائري على المادة التراثية وتوظيفها في كتاباته لم يكن توظيفا مباشرا (إلّا فيما قلّ)، بل تخطّى المحاكاة ليمنحه الأديب بعدا جماليا وفكريا جديدا يتماشى واللحظة الراهنة ليحفظ لها خصوصيتها. وأنّ استدعاء الأديب للتراث ليس فقط لغرض استثماره بل أيضا من أجل ردّ الاعتبار له. وفي الأخير يقول الدكتور اليامين بن تومي، أنّ استثمار التراث لم يكن على قدم المساواة، وأنّ هناك ثلاثة مستويات تمت في توظيفه: مستوى التركيب المباشر للنص، ومستوى الإشارة للنص التراثي فقط، ومستوى امتصاص النص التراثي وتَشَرُّبِه في النَّص الجديد.

رابح لونيسي/كاتب وباحث ومؤرخ -جامعة وهران1-

توظيف التراث في الأعمال الأدبية لازال ضعيفا
يقول الفيلسوف الألماني يوهان جوتفريد هردر أنّ «الثقافة الشعبية هي تعبير عن روح الأمة»، والثقافة الشعبية الجزائرية جزء هام من تراثنا الوطني المادي واللامادي سواء عبّر عنه بالعربية أو الأمازيغية بصفتهما لغتي الأمة الجزائرية، ويستند هردر في طرحه بالقول أنّ الثقافة الشعبية يُعبر عنها بعفوية، فهي خالية من النفاق والالتواء والحذر الذي نجده في الثقافة الرّسمية، لكن للأسف الشديد أنّ الجزائر لم تول اهتماما كبيرا بتراثها وثقافتها الشعبية بعد استرجاع استقلالها، والذي يمكن أن تلعب دورا كبيرا في تمتين وحدتنا الوطنية، بل مورس عليها نوع من الاحتقار والتهميش من الثقافة الرسمية، وهو ما أثر سلبا عليها، ولهذا لم نجد في أعمالنا الأدبية  تأثيرا كبيرا لتراثنا الشعبي عليه باستثناء بعض الملامح والمظاهر هنا وهناك في روايات الطاهر وطار أو بن هدوقة أو لعرج والزاوي أو آسيا جبار وغيرهم، لكن نجد في الستينيات والسبعينيات التفاتا ضئيلا من البعض إلى هذا التراث الشعبي من خلال الاهتمام بالحكايا الشعبية، التي جمعها البعض، واهتمّ بها مثلا مولود معمري الذي لم يكتفِ بذلك فقط، بل أقام لمدة طويلة في الصحراء الجزائرية من أجل جمع البعض من هذا التراث الشعبي، يبرز ذلك من خلال الاهتمام الذي أولته للثقافة الشعبية «مركز البحث فيما قبل التاريخ والأنتروبولوجيا» الّذي كان يديره معمري لسنوات وإصداره مجلة «لبيكا» الشهيرة التي افتقدناها اليوم، فقد تمكن معمري من جمع جزء من «الأهليل» في أدرار مثلا في كتاب بلغ عدد صفحاته أكثر من400 صفحة، وهي نوع من الأشعار الشعبية التي يتغنى بها سكان المنطقة، وقد صنفت منظمة اليونسكو «الأهليل» ضمن التراث العالمي اليوم بفعل عمل معمري الجبار.
لم تولِ الدولة أهمية كبرى لهذه الثقافة إلاّ بعد فتح معهد الثقافة الشعبية في جامعة تلمسان في بداية الثمانينيات، لكن اليوم  نُثمن الاهتمام الكبير بتراثنا المادي واللامادي، ولعل الكثير لا يعلم أنّ التلفزيون الجزائري كُلف منذ سنوات بجمع هذا التراث الشعبي من أفواه الشيوخ والعجائز وتسجيله كي لا يضيع ويندثر، وقد بدأت المهمة من جبال شنوة في شرشال، ولعلّ هذا التراث كله سيكون في أيدي المثقفين والأدباء لاستغلاله وتوظيفه، لأنّ علينا أن نقول أنّ عدم معرفة الطفل في المدرسة ثم أثناء تكوينه الدراسي بأهمية هذا التراث، هو الذي أثر نسبيا على ضعف توظيف أدبائنا لتراثنا الشعبي، ولو أنّنا نجد بعض الاهتمامات والتوظيفات لهذا التراث عند بعض الأدباء الشباب في السنوات الأخيرة، خاصّة في الأعمال الأدبية المكتوبة بالأمازيغية، ونشير أنّ ما وظفه أدباؤنا أكثر هو الذاكرة والتاريخ الّذي سيطر بشكل كبير على الكثير من الأعمال الأدبية مثل الأمير عبد القادر على واسيني لعرج أو رشيد بوجدرة في روايته «ألف عام وعام من الحنين»، وكذلك بن هدوقة في روايته «نهاية الأمس»، وكذلك وطار في روايته الشهيرة «اللاز» وغيرها من الروايات سواء روايات الجيل الماضي أو جيل الشباب اليوم الذي لا تسعفني هذه المساحة لذكرهم  جميعا.
ما يمكن لنا قوله أنّ توظيف التراث في الأعمال الأدبية لازال ضعيفا نوعا ما في نظري للأسباب التي ذكرناها آنفا، فنحن لازلنا بعيدين على بروز أديب جزائري يوظف التراث الشعبي الجزائري على شاكلة المصري جمال الغيطاني الذي يعد أبرز نموذج على توظيف التراث الشعبي لوطنه مصر طبعا في أعماله الأدبية.
طبعا علينا الإشارة في الأخير أنّ هناك طرح يدور عند الأدباء في الجزائر، وهو العالمية، فيرون أنّ ولوج العالمية يجب أن يكون على أساس أدب معبر عن الإنسان مهما كان متجاوزا المحلي والوطني، لكن نعتقد أنّ هؤلاء مخطئون في طرحهم، لأنّ أغلب الذين دخلوا العالمية كان انطلاقا من تراث أمتهم، لأنّ العالم يريد الإطلاع على ثقافات الآخرين، وشغوف بالغريب عنه، وقد رأينا كيف اهتم الأوروبيون في القرنين 18و19 بالشرق لأنّه غريب عنهم، وهو ما ينطبق في كلّ المجالات الفنية والسياحية، فالثقافة، والتراث الوطني هو الذي يجلب الاهتمام العالمي، وليس العكس.

اليامين بن تومي/كاتب وناقد -جامعة سطيف

التاريخ الروائي الجزائري مليء بشكل عميق باستلهام التراث

تلك الكتلة التي نَستَّلُها من الماضي، والتي تبين عن حالة من الخصوصية شديدة الاستقرار والثبات، والتي تُصنِّفُ ثقافة ما في خانة التميز عن مثيلاتها، لعلّ هذا المُشكل هو الّذي جعل كثيرا من الدارسين يتصورون أنّ التراث هو الّذي ننظر إليه وراءنا، ولكنّهم نسوا أنّنا بِنيات في التاريخ نكون كذلك «بنيات تراثية»، ولكنّها بنيات متنقلة ومُتحركة غير مُستقرة، إنّها بنيات على مستوى الشعور النفسي العميق بما نكون عليه كمختلف يُحركنا المُنتمي في هذا العالم.
وبالتالي هو ما يجعل أمة من الأمم تتميز بخصائص متينة، حيث يتخذ له هذا التراث مجموعة من الطقوس والعادات تحرسه من الاندثار، لذلك أهم آلية يشتغل عليها هي التكرار، فهذا الأخير ما يرسخُ في عقول النَّاس فيختلط عندهم بالمقدّس. من هنا يكتسب التراث أهميته.
وتعمد كلّ أمة من خلال بنيانها المادي الفوقي، وحتى تشكيلات الجمالية كالرّواية والرقص والرسم والعمارة والمهرجانات وكثير من قنوات الترويج على إبراز تراثها، ليكون لها وضعها الحضاري، وتحقق بذلك الاستقلال الرّوحي والنفسي عن غيرها من الأمم، التي باتت تتخذ لها وضعا تراثيا جديدا من خلال صناعة الماركات العالمية التي أصبح لها اعتبارها التراثي في الأذهان، وتأثيرها في الشعوب والأمم، أي أنّ كلّ شعب يعمل على إعادة تسويق تراثه في كلّ البنيات الفوقية للثقافة من أجل أن يحمي نفسه من حالة الذوبان في هذا المدّ العالي الذي يُسمى «الحداثة»، فالأمم التي لا تحفل بتراثها المادي واللامادي مصيرها المسخ والتشويه، فالتراث يُشكل حالة مستقيمة للحفاظ على التوازن الحضاري المطلوب.
ومن أهم البنيات الجمالية التي تحافظ على سلطة التراث نجد الرّواية، المسرحية والشِّعر وجميع الأجناس الأدبية المختلفة التي تضغط على هذا التراث، باعتباره قيمة جماعية مشتركة، هذا التعويم مهم لجعل الجميع يشعرون بهذه الوحدة النفسية العميقة والمهمة.
والسؤال الّذي نطرحه هنا هل استطاعت مثلا، الرّواية الجزائرية أن تستوعب هذا التراث الشعبي؟ أن تستثمر القصص والألغاز الشعبية، والعادات والتقاليد وغيرها من نماذج التراث وأشكاله، نجد أنّ التاريخ الروائي الجزائري مليء بشكل عميق باستلهام هذا التراث الشعبي بجميع ترسباته وزواياه الحادة، تقريبا في عدد كبير من التجارب الأدبية: الطاهر وطار، محمد ديب، مولود معمري، مولود فرعون، كمال قرور، عز الدين جلاوجي، واسيني الأعرج، ربيعة جلطي... وكأنّ هناك شعورا داخليا عميقا بضرورة كتابة هذا التراث بجميع تفاصيله وأشكاله الإثنية والجماعية المختلفة، من التراث القبائلي إلى التراث العربي إلى التراث الطوارقي وغيره لأنّ هذا الثراء هو ما يمكنه أن يبني نصا أدبيا راقيا ومتميزا.
رغم أنّ استثمار التراث لم يكن على قدم المساواة بين هؤلاء حيث نلاحظ ثلاثة مستويات في توظيفه، -مستوى التركيب المباشر للنص، حيث يأتي الكاتب بالنص التراثي ويركبه كما هو مع نصه. -مستوى الإشارة للنص التراثي فقط. -مستوى امتصاص النص التراثي وتَشَرُّبِه في النَّص الجديد.

سعيدة بن بوزة /باحثة وناقدة -جامعة خنشلة

اتكاء الأديب الجزائري على المادة لم يكن توظيفا مباشرا
إنّ ارتباط النص الأدبي الجزائري بالتراث ليس حديثا، فالمتمعّن لهذا النِتاج في مراحله الأولى يجد أنّ هذه النصوص شِعرها ونثرها قد نهل فيها أصحابها من المادّة التراثية بتنوّعاتها ووظفوها في نصوصهم ولا أدلّ على ذلك من الرّواية الجزائرية في بدايات نضجها ومن باب التمثيل لهذه المرحلة نصوص كثيرة منها نصوص بن هدوقة «الجازية والدراويش»، و»نوار اللوز» لواسيني الأعرج التي استلهم فيها أصحابها من السيرة الهلالية، كما كان هناك حضور لـ»ألف ليلة وليلة» في (رمل الماية، أو فاجعة الليلة السابعة بعد الألف) لواسيني ونص «الحوّات والقصر» للطاهر وطار، وقد نوّع الكتّاب من توظيفهم للمادة التراثية، ولم يقفوا عند التراث العام والمشترك فاستلهموا من التراث الشعبي الثري بالعادات والتقاليد وطقوس الأفراح والأقراح، وما حفظته الذاكرة الشعبية من نصوص شفوية شكّلت جزءًا هاما من حياة الأفراد فأثروا بها نصوصهم، لقد ازدانت النصوص الحديثة بالتراث بشقيه العام والخاص، فأصبحت نصوص اليوم وكأنّها تقيم احتفالية للتراث وبه شِعرا ونثرا.
ولا بدّ من الإشارة في هذا المقام ونحن نتحدّث عن توظيف التراث، أنّ اتكاء الأديب الجزائري على المادة التراثية وتوظيفها في كتاباته لم يكن توظيفا مباشرا (إلّا فيما قلّ)، بل تخطّى المحاكاة ليمنحه الأديب بعدا جماليا وفكريا جديدا يتماشى واللحظة الراهنة ليحفظ لها خصوصيتها، ليجتمع على إثر ذلك الدافعان الفني الفكري في نسيج النص الذي تقوم بنيته على التفاعل بين هذه النصوص بالمحاذاة أو التجاور أو المغايرة، وذلك باستثمار الطاقات التعبيرية والدلالية والجمالية التي تذوب في بنية النص الجديد، فيقيم هذا المنتج الجديد تعالقا نصيا متعدّد المستويات مع التراث ليولد نصا جديدا ينهض على أنقاض المادة التراثية التي تتحلّل أحيانا فيه وتتماهى معه بشكل يصعب اكتشافها، إلّا من أوتي قدرة على قراءة واستكناه النصوص من أهل الاختصاص، وفي هذا دلالة على وعي الأديب الجزائري بأنّ توظيف التراث ليس محاكاة له، إنّما تجاوز له وإعادة بنائه بشكل جمالي وفكري جديد.
إنّ استدعاء الأديب الجزائري للتراث ليس فقط لغرض استثماره بما يخدم نصه فكريا وجماليا، بل هناك من الأدباء من أراد ردّ الاعتبار للتراث المُهمل، خاصّة التراث الشعبي المعروف بغناه وتنوّعه الّذي تزخر به بلاد كالجزائر بتنوعها الثقافي الكبير، عن طريق الاشتغال عليه في نصوصه بطريقة تتجاوز التعريف المباشر به عبر فِعل الاقتباس والمحاكاة إلى توظيفه بشكلٍ فنّي يُبرز جمالية هذا التراث المدفون في خبايا الذاكرة الشعبية.

نبيل دحماني/كاتب وباحث – جامعة قسنطينة 3 

لا يكاد يخلو نص أدبي من حضور التراث
الحديث عن حضور التراث في العمل الأدبي الجزائري يقود من وجهة أولى إلى معرفة مكنون كلمة «تراث» في حد ذاتها لِما يكتنفها من التباس وغموض وتمدّد، فالتراث هو كلّ ما تتوارثه الأجيال من قِيم وسلوك وعادات وثقافات ومعتقدات وحكي ومشافهة، منها الرث ومنها السمين، منها الفاعل والممتد عبر الأجيال ومنها الميت والمنتهي الصلاحية. غير أنّ الجميل في التراث هو استحضارٌ للعبر والمواقف والأمجاد والتزود بالفكر من منابعه ومناهله ومواطنه الأصيلة والنقية. وذلك لمحاورة الحاضر وفحصه والمضي قُدما نحو الغد وليس من أجل الارتداد عقبا. أما الوجهة الثانية في قضية حضور التراثي في الأدب الجزائري فهو حديث ذو شجون لما يكتنف ذلك من سجالات وإشكالات متعدّدة الأبعاد بين اتجاه سلفي الهوى يرى في الأمس الجمال والحاضر القبح، وبين اتجاه طلائعي حداثي تجديدي يرى في الأمس التخلف والحاضر الأزمة والغد الأمل الموعود في حداثة جامحة تتخطى كلّ القيود. والحقيقة أنّ ذاكرة الأدب هي تراثه وتراث مجتمعه وحاضره الواقع بتجلياته وغده الآمل في خلاص النفس والهوى والمقصد. وقد تجلّى هذا الحضور للتراث في أعمال أدبائنا بتفاوت وتمايز واضح لدى نخبة منهم كـ: وطار، وسيني، بوجدرة، مستغانمي وديب وحتى ياسين كاتب والزاوي وزهور ونيسي وجميلة زنير وعز الدين جلاوجي واليامين بن تومي وكوسة علاوة وغيرهم كُثر، لعلّ أبرزهم السعيد بوطاجين في وقتنا الحاضر والّذي يطالعنا من حين إلى آخر بمقتطفات غاية في التميز والمقدرة في توظيف التراثي والماضوي لمحاورة الحاضر وكشف عيوبه وإبراز محاسنه، يشترك في ذلك مع بوجدرة من خلال روايته الموسومة بــ»الرعن» في أدائها اللغوي القوي وفي تهكميتها الفاضحة مع اختلاف في المقصد بين من يعالج قضية اجتماعية وسياسية لدى السعيد بوطاجين وبين من يركب موجة التمرد على الماضي وقيم المجتمع لدى بوجدرة الذي ينتقد عملية الختان ويعتبرها جريمة ويسخر حتى من المقدس.
حتى أنّه لا يكاد يخلو نص أدبي من حضور التراثي لا لشيء سوى لأنّ التراث موجود في فكرنا وذهننا وهوانا، والنصوص التي تعتبر نفسها متملصة من التراث هي في الواقع نصوص فضفاضة خالية من الفكرة والهدف ومن الذوق والشعور.
ومن وجهة نظر خاصّة أعتقد أنّ الاستثمار في التراثي سلاح ذو حدين فمن جهة يمكنه أن يضفي جمالية وإيحائية أقوى للنص كما قد يضر به إذا لم يحسن مستخدمه استثماره لأنّ حضور التراث في حد ذاته يحمل إحالة للماضي ما يستدعي وجود علائقية منطقية حقيقية أو خفية تغذي هذا الحضور، وترتقي به فنيا وجماليا، كما تتيح له قدرا من الفعالية في تغذية الذائقة القارئة. دون إعادة اجترار الماضي بقدر ما يتوجب تفكيك التراث وإعادة تركيبه بِما يستجيب مع تطلعات الحاضر والمتلقي وآمال المستقبل، مع صون قِيم المتلقي وعدم التهجم عليه لأنّ المعاصرة والحداثة لا تعني نفي واستبعاد الماضي ولكن إعادة استغلاله في ثوب جديد يضيف إليه ولا يمحقه.

مومني بوزيد/كاتب وناقد – جامعة جيجل

النص الجزائري لا يخلو من التراث
إنّ علاقة التراث بالأدب علاقة تكامل واحتواء، إذ نجد أنّ النصوص بمختلف فنونها ترتكز على هذا الإنتاج الإنساني المسترسل الذي يسير جنبا إلى جنب مع حياة الإنسان المتلونة والمتضاربة، فتتوارثه الأجيال الحاضرة وتورّثه للأجيال القادمة، فهو يمثل هوية الأمم من خلال مختلف الفنون والطبوع.
والنص الأدبي الجزائري كباقي النصوص الأدبية الأخرى، لا يخلو من هذا الإرث الإنساني الإلزامي –في بعض الأحيان- من خلال الأعمال القصصية والروائية خاصّة، فتراهم يشتغلون على إحياء الذاكرة الشعبية من أجل المحافظة عليها وخاصّة الشفوية منها التي بدأت تزول بزوال من يحملونها في أذهانهم. وقد كان هذا الحضور أو هذا التوظيف في صالح الأعمال الأدبية، إذ أضاف له نوعا من الخصوصية الجزائرية التي ربّما يجهلها القارئ الآخر وبالتالي لم يعد منغلقا على الذات أو على حدود معينة، بل امتزج مع روافد الحضارة الإنسانية، كما أسهم في مدّ جسور التواصل بين الثقافات المختلفة، وبالتالي استطاع الأديب أن يرسم معالم واضحة لقيم اجتماعية وإنسانية خاصّة بمجتمعه.
إنّ علاقة الكاتب بالتراث هي علاقة تراكمية تنمو بنموه وتتفتق عبر مراحل حياته بالمكتسبات الفكرية وبشبكة علاقاته مع أفراد المجتمع، فنجده يستثمر في التراث ويوظفه في نصوصه الأدبية انطلاقا من قناعته بأنّ التراث هو مصدر إلهام، ومن الضروري استدعاؤه إلى متونه ونصوصه، لكن ليس نقلا محضا الّذي لا معنى له، وإنّما إعادة إنتاجه بالقلب أو التغيير أو التحوير وإعادة بنائه بناءً فنيا ودلاليا يتماشى والواقع الراهن متجاوزا الخيبات وممجدا للبطولات.
من المفروض أنّ هذا الاستثمار لا يرتبط دائما بسياقات النهل من مشارب ومنابع التراث، لأنّ فيه الغث والسمين، وإنّما يجب أن يرتبط بفكرة إعادة إنتاج التراث إنتاجا واعيا مع تطوير مخيلة القارئ الحالي وغرس القيم الإنسانية فيه، كما أنّ نفض الغبار عليه بمسحة أدبية يعطي النص الأدبي ذوقا خاصا وقيمة معنوية يحتاجها المجتمع كلّه ليتمسك بهويته دون الذوبان في الآخر باسم الحداثة والعولمة اللتين تحاولان سرقتنا وزعزعتنا.

استطلاع/ نــوّارة لحــرش

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com